أخبار عاجلة

رحلة روسيا والروس مع القرآن

موسكو: عمرو ناصف
21 نوفمبر 2022
على هامش فعاليات الدورة العشرين لمسابقة موسكو الدولية للقرآن الكريم، المقامة حاليا في العاصمة الروسية، يحرص الروس بشكل لافت على إظهار مدى اعتزازهم تاريخيا بالإسلام، وأخذ الزائرين إلى صفحات يعتزون بها في تاريخهم، خاصة وأنهم يحتفلون بمرور 1100 عام على اعتماد الإسلام دين دولة من قبل شعوب بُلغار الفولغا.
ويحرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الدوام، على إظهار تقديره واحترامه للإسلام والمسلمين، ومن أبرز تصريحاته، تلك التي قال فيها: إن الاسلام عنصر هام من الثقافة الروسية، إنه عنصر بارز من الكود الثقافي الروسي وجزء لا يتجزأ من التاريخ الروسي.. من الضروري رفع صوت المسلمين الروس على الساحة الدولية وفي المجتمع الإسلامي العالمي.. ولمواجهة تحديات العصر بنجاح، يجب قبل كل شيء ضمان سمعة عالية لرجال الدين المسلمين وللمدرسة الدينية الإسلامية الروسية.
بيد أن ما تفاجأ به كثيرون قبل أسابيع، هو استشهاد الرئيس بوتين في أحد تصريحاته بآيات من القرآن الكريم، وقد نشر الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، مقطع فيديو للرئيس بوتين يستشهد فيه بآيات من القرآن الكريم، وقد علق قديروف قائلا: بالنسبة إلينا كما هو الحال بالنسبة إلى مسلمي روسيا، فإن الرئيس الذي يقتبس آيات من القرآن هو مصدر الفرح الحقيقي والاعتزاز.. نحن محظوظون لأن لدينا مثل هذا القائد الوطني، يتقي الله، عادل وحكيم.
والواقع أن قصص علاقة روسيا والروس بالمصاحف، طويلة، ومحطاتها شيقة، وهذه محطة عن أكبر مصحف شريف في العالم، وكان قد عرض لأول مرة في مسجد (قول شريف)، (نسبة للقائد قول شريف، الذي توفي مع طلابه سنة 1552 للميلاد خلال دفاعهم عن مدينة قازان في تتارستان) وفي بيان كان موقع حكومة جمهورية تتارستان الروسية قد نشره يوم الخميس 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، جاء أن أكبر مصحف شريف فى العالم وصل الى عاصمة الجمهورية مدينة قازان قادما من ايطاليا حيث تم تصنيعه. ويبلغ طول المصحف مترين وعرضه متر ونصف، ويصل عدد صفحاته الى 632 صفحة ويزن حوالي 800 كيلوغرام. واستخدمت في صناعة غطاء المصحف الأحجار شبه الكريمة والذهب والفضة.
وقامت شركة “ريفيرّا” الايطالية بطبع هذه النسخة من القرآن الكريم بطلب من صندوق “الانبعاث – ياناريش” لاحياء الآثار التاريخية والثقافية لجمهورية تتارستان والذي يرأسه منتيمير شايمييف رئيس الجمهورية الأسبق.
وقال مفتي تتارستان حينها ايلدوز فائزوف:(إن النسخة الفريدة من القرآن الكريم هدية لجميع المسلمين لا في تتارستان فحسب، بل وفي روسيا ككل).
أيضا في عام 2002، وخلال مؤتمر دولي مكرّس لدراسة الآثار النثرية لشعوب الشرق الاوسط عرض في المكتبة الوطنية الفرنسية، فيلم وثائقي بعنوان (في البحث عن مصحف عثمان)، ويسرد دراسة لأحد اقدم مخطوطات القرآن التي تحفظ في سانت بطرسورغ في معهد الاستشراق باكاديمية العلوم الروسية، والمخطوطة يعود تاريخها الى الفترة المسماة بفترة حفظة القرآن، ويرجح بعض الباحثين أنها كانت ملك للديبلوماسي البارز في روسيا القيصرية (ايرني سليم نوفل) اللبناني الاصل.
أيضا توجد مخطوطة في سمرقند (ثاني أكبر مدن جمهورية) أوزباكستان مصحف (سمرقند الكوفي)، والمخطوطة مكتوبة بالخط الكوفي وموجودة في مكتبة (هاست إمام)، في العاصمة الأوزبكية (طشقند) وهي في رأي البعض، أقدم المصاحف المخطوطة في العالم ويعود إلي القرن التاسع للميلاد. بيد أنها مخطوطة منقوصة نوعاً ما، فلم يتبق فيها إلا ثلث القرآن. وهي تبدأ من منتصف الآية السابعة من سورة البقرة وتنتهي في سورة الزخرف. كما إنها تحتوي على 8 إلى 12 سطراً في كل صفحة، وهي خالية من علامات التنقيط لذلك فهي قديمة للغاية.
أول مصحف (مطبوع) في عاصمة إسلامية روسيا
وبحسب دار الفتوى في قازان، (عاصمة وأكبر مدينة في جمهورية تتارستان في روسيا)، قال بأن أول مصحف صحيح طُبع في عاصمة إسلامية كان في مدينته، وأن طباعته كانت في العام 1803م، حيث قازان وقتها، حاضرة من حواضر العالم الإسلامي، رغم خضوعها لحكم القياصرة الروس، ولا يختلف المؤرخون في ذلك، طالما أن الحديث عن مصحف بلا أخطاء، وذلك لأن أول مصحف في التاريخ طبع بمدينة (البندقية)، في إيطاليا عام 1537م، ثم طبع المصحف أخرى في هامبورغ عام 1694م، وهناك طبعة مدينة سانت بطرسبورغ بأمر من (كاترينا الثانية) قيصر روسيا في العام1787م، بيد أن كل تلك المصاحف، إما أنها لم تتقيّد بالرسم العثماني، أو بفصل الآيات، أو بها أخطاء مطبعية جسيمة، وردّها المسلمون حينها ولم يقبلوها.
روسيا وترجمة معاني القرآن
ومن أمتع السير التي يمكن لباحث، أو لمهتم أن يحظى بها.. تتبع مسار ومسيرة ترجمة معاني القرآن الكريم في روسيا.. ذلك المسار الي بدأ في القرن السادس عشر، واستمر لعقود طويلة معتمدا على الترجمة عن الفرنسية، حيث اتخذ المترجمون من النص الفرنسي لـ (أندريه دو ري)، أساسا ومنطلقا… اتبع ذلك الطبيب والدبلوماسي (بيتر بوستنيكوف) في ألف وتسعمائة وستة عشر، و(ميخائيل فيرفيكين) ألف وسبعمائة واثنين وتسعسين، و(نيكولاييف) في ألف وثمانمائة وأربعة وستين..حتى جاء (بوجوسلافيسكي) في ألف وثمانمائة وواحد وسبعين، وأنجز عن العربية، ليس فقط ترجمةً لمعاني القرآن، لكنه أنجر تفسيرات باللغة الروسية… ثم جاء بعد ذلك (جوردييا سابلوكوف) في ألف وثمانمائة وثمانية وسبعين، ثم (كراشكوفيسكي) في ألف وتسعمائة وثلاثين، و(إيمان بروخوفا) في ألف وتسعمائة وواحد وتسعين.. وصولا إلى ترجمة معاني القرآن شعريا في تسعينات القرن الماضي مرتين.. الأولى لـ (بوروخوفا) ، والثانية لـ(ثيودور شوموفسكي)…هذه المسيرة الحافلة يجب أن تنشر بتفاصيلها على أوسع نطاق، ليس في روسيا ومحيطها فقط، ولكن في العالم كله.
بوشكين، وتولوستوي، والقرآن
ولا يتعلق أمر التأثر بالقرآن على مسلمي روسيا فحسب، فها نحن أمام قافلة من الأدباء والشعراء الروس الذين تأثروا بالقرآن وتعاليمه، سواء الأديب والشاعر (ميخائيل ليرمونتوف) صاحب مقولة: (منذ أنْ منحني الإله الأزلي؛ رؤية الرسول محمد؛ أخذتُ أنادي بالحب، وحق التعاليم الطاهرة)، أو الكاتب والشاعر الروسي (إيفان بونين)الذي شد الرحال إلى مكة عشقا في القرآن وفي الرسول عليه وعلى آله الصلاة والسلام، وسوف نتوقف أمان اثنين من أبرز محطات روسيا القرآنية، التي توضح تأثير القرآن والسيرة النبوية حتى في الروس غير المسلمين، ولابد هنا من التوقف أمام الدور الهام للقرآن والسيرة النبوية بالنسبة للحياة الثقافية والروحية في روسيا في إطار الظروف التاريخية للقرن التاسع عشر، حين أصبح القرآن ـ على حد تعبير الناقد السوفيتي براجينسكي ـ (مصدراً للتعبير عن الأفكار البطولية، والشجاعة الصلبة والنضال المنكر للذات).. وليس أدل على ذلك من شاعر روسيا العظيم، والروائي، وكاتب المسرح (ألكسندر بوشكين) الذي يأتي في مقدمة شعراء روسيا الذين استلهموا القرآن والسيرة النبوية، حيث تتبوأ قصائده (قبسات من القرآن)،مكانة هامة بين المؤلفات الأدبية الروسية المستوحاة من التراث الروحي الإسلامي والسيرة النبوية. فهذه المجموعة من القصائد التسع التي يجمعها عنوان (قبسات من القرآن) (1824) تعد شاهدا على تأثر بوشكين بالتراث الروحي للشرق العربي الإسلامي، وبرهانا دامغا على قدرة القيم القرآنية على عبور آفاق الزمان والمكان والتغلغل في نفوس أناس لا يؤمنون بعظمة القرآن الكريم.
ومن بعد بوشكين، لا بد من التأمل في علاقة (ليو تولستوي)، الذي أبحر في علوم الإسلام، وتأثر به إلى الحد الذي اعتقد البعض أنه أسلم بالفعل.
ولعل الأجيال الجديدة لا تعرف أن تولوستوي وهو أحد عمالقة الأدب الروسي، كانت تربطه معرفةٌ من خلال المراسلة، مع الإمام محمد عبده العالم الفقيه والمجدد، ومفتي الديار المصرية في عام ألف وثمانمائة وتسعين…. كان تولوستوي يتقن اللغة العربية، وقد تأثر كثيرا بالقرآن الكريم، وترجم عددًا كبيرًا من الأحاديث النبوية الشريفة، كما أصدر كتابا بعنوان (حِكَم النبي محمد) في العام 1909، تحدث فيه عن الإسلام وقيمه السمحة، ضم مجموعة من أقوال الرسول الكريم، وذلك في معرض رد الأديب الكبير على أكاذيب وادعاءات العديد من المستشرقين الذين كانوا يطعنون في الإسلام وفي القرآن.
===========

شاهد أيضاً

استقبل الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان الرفيق علي حجازي رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين أسعد حردان يرافقه أعضاء القيادة:

نائب الرئيس وائل الحسنية، الدكتور جورج جريج، وعميد الإعلام معن حمية، وحضر اللقاء أعضاء القيادة …