يعد النبي ابراهيم عليه السلام,منعطف في تاريخ الاديان السماوية,فهو ابو الانبياء كما هو متعارف عليه في الاسلام واليهودية والمسيحية, وهو والد النبيين اسماعيل واسحاق عليهما السلام,و يعد كلا من اسماعيل واسحاق,شخصية مهمة ايضا في القصة السماوية,فكل الانبياء الذين يتصل نسلهم بإبراهيم عليه السلام,يندرجون من صلب ابنه اسحاق,انطلاقا من يعقوب(ع),ووصولا الى عيسى المسيح(ع),والنبي الوحيد الذي جاء من ذرية اسماعيل هو محمد بن عبد الله(ص).
ولادة اسماعيل: بعد ان عاش النبي ابراهيم(ع) طويلا الى جانب زوجه سارة دون ان يرزقا بمولود,اقترحت سارة على النبي ابراهيم(ع) ان يتزوج من جاريتها هاجر المصرية,لعل الله يرزقه بطفل منها. فما كان من النبي ابراهيم(ع)الا ان تزوجها,فأنجبت له ولدا اسماه اسماعيل(ع). وكانت ولادته في ارض كنعان(1)
وبحسب الرواية التوراتية,فإن معاملة هاجر اخذت تسوء مع مولاتها سارة بعد ان اصبحت شريكة لها في زوجها,لهذا قام النبي ابراهيم(ع),بإبعاد هاجر وابنها عن المكان الذي يسكن فيه, فإرتحلت الام وابنها وزنزلا في منطقة تدعى بئر سبع.
تنويه هام جدا:لم يذكر في القرآن اسم اي من زوجتي النبي ابراهيم(ع), ولم تذكر قصة زواجه من هاجر قط.
من هو الذبيح؟
الرواية التوراتية: ورد في سفر التكوين ان الله امر ابراهيم(ع) بأن يقوم بذبح ابنه,ولكن ليس ليقدمه قربانا الى الله,بل جزاءا له على خطأ قد قام به,فما هو هذا الخطأ.
بحسب المنطق التوراتي,لم يكن ينبغي على النبي ابراهيم(ع) ان يتزوج من هاجر,او ان ينجب منها ولدا,وذلك كي لا يتم تدنيس العرق الابراهيمي الذي لا يجب ان يختلط دم ايا من ابناءه بدم غريب,كدم هاجر القبطية.اضافة الى ذلك,نجد في التوراة ان الله كان قد بشر ابراهيم بأنه سيرزق بطفل من سارة,ولكنه استعجل قدومه,فتزوج من هاجر التي انجبت له اسماعيل(ع).
وبما ان والدة اسماعيل(ع) هي هاجر المصرية وليست سارة التي تزوجها ابراهيم في اور الكلدانيين(ارض في العراق),لذلك لا يعتبر اسماعيل نبيا بحسب التوراة(يذكر ان سارة كانت اختا لابراهيم(ع) من ابيه,بحسب ما ورد في سفر التكوين.).ويلاحظ المدقق في سطور التوراة,ان اسحاق(ع) ويعقوب(ع) تزوجا ايضا من مناطق مجاورة لتلك المنطقة,رغم انهما اقاما معظم ايام حياتهما في ارض كنعان,فزوجة اسحاق(ع) هي رفقة وقد اتى بها من ارام.اما يعقوب(ع) فتزوج من ابنتي خاله لابان اخ رفقة.
وبسبب تدنيسه للعرق المقدس,امر الله نبيه ابراهيم(ع) ان يقوم بالتكفير عن ذنبه,وذلك من خلال ذبحه لابنه(اسحاق),و مكان المذبح الذي اشير اليه في التوراة,هو ارض المريا,و يطلق عليها اليوم اورشليم,اي ان واقعة الذبح بحسب التوراة اخذت مجراها في فلسطين,بخلاف ما ورد في القرآن الكريم الذي نستنتج من خلاله ان المذبح جرى في جزيرة العرب.و يستعين اليهود والمسيحيون بأيات من القرآن الكريم ليؤكدوا نظريتهم,حيث تقول الاية الكريمة:(يا بني اني ارى في المنام اني اذبحك فإنظر ماذا ترى,قال يا ابت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين):الصافات 102
اي ان القرآن الكريم لم يأتي على ذكر اسم الذبيح,وهذا ما يعتبره المسيحيون واليهود ورقة رابحة بين ايديهم.
بما ان الذبيح في التوراة هو اسحاق…
لماذا يعتقد معظم المسلمين ان الذبيح هو اسماعيل؟
يعتمد الباحث المسلم في ابحاثه,على ايجاد اجابات لإشكالياته من القرآن الكريم بالدرجة الاولى,وما لا يجد له اجابات في القرآن,يتجه للبحث عن اجاباته في كتب الحديث والتراث الاسلامي,مثل كتاب تاريخ الامم والملوك لمحمد بن جرير الطبري, والبداية والنهاية لابن كثير وغيرها…كما لا يجب على الباحث في التراث الاسلامي ان يغفل عن النظر في كتب تفسير القرآن وكتب اسباب النزول,اذا ما وجد اية غامضة ومعانيها غير واضحة.وان اتبع الباحث هذه الخطوات في بحثه عن هوية الذبيح في المعتقد الاسلامي,سيتضح له ان الذبيح هو اسماعيل.وان اتبعنا سياق الايات في سورة الصافات,ستتضح لنا الصورة اكثر وستنجلي الحقيقة بنسبة 75%.قال سبحانه وتعالى في سورة الصافات:”فبشرناه بغلام حليم(101)فلما بلغ معه السعي قال يا بني اني ارى في المنام اني اذبحك فأنظر ما ترى,قال يا ابت افعل ما توؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين(102)فلما اسلما وتله للجبين(103)وناديناه يا ابراهيم(104)قد صدقة الرءيا انا كذلك نجزي المحسنين…”وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين”(112)
وعلى الرغم من ان اسم الذبيح لا يرد,عند بداية سرد القصة,الا ان الله قد بشر نبيه ابراهيم بقدوم إسحاق بعد حادثة المذبح,ولا يعقل ان يكون ابراهيم قد ساق ابنه اسحاق الى المذبح قبل ان يبشر به.
القصة الاسلامية لحادثة المذبح:قبل ان يتطرق الله سبحانه وتعالى لموضوع المذبح في سورة الصافات,كان قد بشر النبي ابراهيم بأنه سيهب له غلاما من الصالحين.فإتسم الغلام بالصلاح والحلم.”رب هب لي من الصالحين(100)فبشرناه بغلام حليم(101).وهذا ما من شأنه ان يقطع الشكوك باليقين في ما خص الحيرة الاسلامية في هوية الذبيح.
فكما هو معلوم,ان خليل الله ابراهيم قد ترك زوجته وابنه بواد غير ذي زرع قرب بيته المحرم,ولو اخذتنا الحيرة الى مكان اصبحنا نتساءل فيه ان كان بيت الله المحرم,هو في فلسطين كما ورد في توراة العهد القديم بعبارة “بيت ايل”,ام هو الكعبة الموجودة في بلاد الحجاز, فالارض القاحلة الجرداء بين فلسطين والحجاز,هي الحجاز طبعا,فأين خضار السهول في فلسطين,من صفار الجرود والفيافي في الحجاز.وقد قال الله تعالى نقلا عن لسان نبيه ابراهيم عليه السلام”ربنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ي زرع عند بيتك المحرم…( 37)
فالعبرة من القصة السلامية بإختصار هي اختبار نبينا ابراهيم عليه السلام وابتلائه بوحيده الذي طال انتظاره,لهذا ساق الله تعالى اسماعيل الى المذبح موحيا الى ربه ان يقدمه قربانا,فلما اظهر ابراهيم انه مستعد للقيام بأي شيء نزولا عند امر الله سبحانه وتعالى,فداه الله بكبش.
لم تثبت نبوة اسماعيل في التوراة…
فهل ثبتت في القرآن؟
ابتلى الله سبحانه وتعالى اسماعيل عدة مرات,حيث كان الامتحان الاول هو تركه وحيدا في صحراء جزيرة العرب وهو طفل صغير,اما الامتحان الثاني,كان عندما جاء والده اليه واخبره بأنه يتوجب عليه ان يحتز نحره,فما كان من اسماعيل الا ان اجابه جوابا فيه من الوعي والحكمة ما يكفي ليجعلنا نعتقد بنبوته,حيث اجاب اباه قائلا:”يا ابت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين”الصافات(102).ومن المعروف ان منطق القرآن في التعامل مع الانبياء يتسم يحتمية وجود ابتلاء في حياة كل منهم.كغربة يوسف و ثكل يعقوب والاذى الذي لحق بالمصطفي خلال الحقبة المكية,ومذبح يحيى…وغيرها
اما الاية التي من شأنها ان تقطع الشك باليقين,والتي تؤكد لنا نبوة اسماعيل ذبيح الله على الصعيد الاسلامي:”واذكر في الكتاب اسماعيل انه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا.”54(مريم).انتهى