المصدر : هآرتس
- تبادُل إطلاق النار الكثيف بين إسرائيل وحزب الله في الجنوب اللبناني، لم يمنع رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، الملياردير نجيب ميقاتي، من المشاركة في مؤتمر منتدى اللاجئين الدولي للأمم المتحدة الذي عُقد في جنيف هذا الأسبوع… ميقاتي الذي يستضيف بلده نحو مليون ونصف مليون لاجىء سوري، يعرف جيداً أن الكلام الإنشائي الإنساني عن “عودة اللاجئين للعيش الكريم في وطنهم” بعيدة عن الحقيقة. فعلى الرغم من وضع لبنان الصعب وانعدام مصادر العيش والسكن والبنى التحتية المدنية، يفضّل هؤلاء اللاجئون البقاء في لبنان على العودة إلى سورية.
- … قبل الحرب في غزة وانزلاق العنف إلى لبنان، كانت مسألة التمديد لقائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون مسـألة سياسية حساسة قسّمت القوى السياسية في لبنان، وتحولت الآن إلى مسألة شديدة الأهمية، في ضوء المساعي الدولية لحل قضية المواجهات بين إسرائيل وحزب الله. والأمر الأساسي لمناقشة هذه القضية هو قرار مجلس الأمن 1701، الذي أنهى حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006]، والذي منع انتشار القوات المسلحة لحزب الله جنوبي نهر الليطاني، وطلب من الجيش اللبناني فرض سيطرته على الأراضي اللبنانية كلها، حتى خط الحدود، ونزع سلاح حزب الله، وأن تقوم قوات اليونيفيل، بعد زيادة حجمها وسلاحها، وتزويدها بصلاحيات عملانية، بمراقبة تنفيذ القرار.
- لم يطبَّق أي بند من بنود هذا الاتفاق، أو لم يتم تطبيقه بأكمله. ومع ذلك، حتى نشوب الحرب في غزة، وعلى الرغم من انتهاكات حزب الله، جرت المحافظة على الهدوء بفضل معادلة الردع بين إسرائيل وحزب الله. حالياً، تحاول قطر وفرنسا والولايات المتحدة، والسعودية أيضاً، إعادة العجلة إلى الوراء وتطبيق القرار ضمن شروط أكثر تشدداً من الشروط التي وُضعت في آب/أغسطس 2006.
- الآن، اصطدمت هذه المساعي بموقف إسرائيل الحاد التي تطالب، علناً، بانسحاب قوات حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، وبصورة رسمية أقل، بإقامة منطقة أمنية في الجنوب اللبناني تحت رقابة دولية. ووفقاً لتقارير من لبنان، تسعى إسرائيل لإخلاء عشرات القرى اللبنانية التي تتمركز فيها قوات حزب الله.
- في مواجهة هذا الموقف الإسرائيلي، يتخذ حزب الله موقفاً لا يقلّ تشدداً. لن يكون هناك انسحاب إلى ما وراء الليطاني، ولن يجري إخلاء قرى، ولن يجري أي نقاش في المسائل اللبنانية مع استمرار “العدوان على غزة”، بين هذين الموقفَين، يحاول الوسطاء الفرنسيون والأميركيون إيجاد مجال للاتفاق، يسمح ببدء المفاوضات على الأقل، حتى في ظل استمرار الحرب على غزة.
- في الأيام الأخيرة، نشرت وسائل إعلامية عربية أخباراً بشأن مخطط اقترحه الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين، الموفد الخاص للرئيس بايدن لشؤون الطاقة، الذي قاد اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان في السنة الماضية بنجاح. وبحسب تفاصيل الخطة التي نشرتها إحدى الصحف اللبنانية، نقلاً عن مصادر مقربة من هوكشتاين، تعترف إسرائيل بالسيادة اللبنانية في نقطة B1، النقطة الواقعة في أقصى غرب الأراضي اللبنانية التي توجد فيها قيادة اليونيفيل، على أن تكون هذه النقطة هي الأساس لترسيم خط الحدود البرية بين إسرائيل ولبنان. تنسحب إسرائيل من الجزء اللبناني من قرية الغجر، وتُخلي القوات الإسرائيلية مزارع شبعا التي تصبح خاضعة لرقابة دولية، وتُعتبر “مناطق مختلَف عليها”، وإلى جانب ذلك، تبدأ المفاوضات بشأن نقاط حدودية أُخرى، هي في الإجمال 13 نقطة، من أجل الدفع قدماً باتفاق نهائي لترسيم الحدود البرية بين الدولتين.
- الافتراض الذي يستند إليه هذا المخطط النظري، هو أنه نظراً إلى عدم وجود إمكان لطرد حزب الله من الجنوب اللبناني، أو إخلاء قرى، وإنشاء منطقة “حيادية” على طول الحدود مع إسرائيل، فإن القناة الوحيدة الممكنة هي الموافقة على ترسيم خط الحدود البرية النهائية بين الحكومة اللبنانية والحكومة الإسرائيلية. والافتراض هو أنه بهذه الطريقة، لن يتذرع الحزب، بعد الآن، بأنه قوة الدفاع الوحيدة عن أمن لبنان، وأن الجيش اللبناني غير قادر على مواجهة تهديد إسرائيل، وأنه القوة الوحيدة القادرة على تحرير الأراضي اللبنانية التي لا تزال إسرائيل تحتلها.
- هذا المخطط لا يحظى باعتراف لبناني، أو إسرائيلي ودولي، حتى إن حزب الله عندما تطرّق في الماضي إلى مسألة ترسيم الحدود البرية بين إسرائيل ولبنان، قال إن “هذا شأن الحكومة اللبنانية”. لقد اتخذ الحزب موقفاً مشابهاً فيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية بين الدولتين، وفعلياً، هو الذي وافق على الاتفاق، وأكثر من ذلك، اعتبره إنجازاً تاريخياً.
- لكن حتى لو أعلنت إسرائيل ولبنان وحزب الله الموافقة على المخطط، وحتى لو غيّر حزب الله موقفه، ووافق على إعطاء ضوء أخضر للمفاوضات، قبل انتهاء الحرب في غزة، فإن الطريق إلى تحقيق المطلوب ستكون مزروعة بالألغام السياسية، وتفكيكها يتطلب كثيراً من الوقت، لن يكون في استطاعة سكان شمال إسرائيل انتظاره قبل العودة إلى منازلهم.
- في جميع الأحوال، سواء جرى الاتفاق على هذا المخطط، أو تطبيق القرار 1701 كما هو عليه، مع احتمال عدم قبول إسرائيل ذلك من دون تعديلات مهمة، فسيكون للجيش اللبناني دور أساسي في أي اتفاق حدودي يُتفق عليه، ومن هنا، تأتي الأهمية الكبيرة لتمديد ولاية قائد الجيش جوزف عون. يحظى عون بالشعبية، وبتأييد الولايات المتحدة وفرنسا، ولديه علاقات جيدة مع حزب الله الذي وافق على تأييد التمديد له، منذ وقت قصير. لكن انتهاء المواجهات مع إسرائيل وعودة عشرات الآلاف من السكان، الذين فروا في الشهرَين الماضيَين من قراهم، إلى الجنوب، تبدو في لبنان ثانوية، قياساً إلى الاعتبارات الجيو – سياسية لزعمائه.
- ثمة شك في أن يتمكن رئيس الحكومة ميقاتي من تمرير قرار الحكومة، التمديد لولاية عون. واليوم، دعا مجلس النواب برئاسة نبيه بري إلى عقد جلسة نقاش، يجري خلالها طرح قانون يسمح بتمديد ولاية عون. ما الذي دفع بميقاتي إلى الدعوة إلى نقاش الحكومة في التمديد لعون، بعد يوم من النقاش في البرلمان؟ السبب هو أنه لا يعتقد أن البرلمان سيوافق على التمديد. لكن من المتوقع أن يصطدم ميقاتي أيضاً بنص الدستور، لأن وزير الدفاع الذي يُفترض أن يوقّع التمديد، سيتغيب عن الاجتماع لأنه ينتمي إلى الفئة السياسية التي تعارض التمديد، ليس لأسباب مهنية، بل لأن تمديد ولاية عون قد يجعله مرشحاً لرئاسة الجمهورية ويعرّض للخطر فرص رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في الفوز بهذا المنصب الرفيع.
- عندما تكون هذه القضايا هي التي تشغل الزعامات في لبنان، يمكننا أن نتخيل كيف ستبدو النقاشات في الاتفاق الحدودي الجديد مع إسرائيل، أو بشأن انسحاب حزب الله إلى شمالي الليطاني.