الهدهد – هيئة التحرير
إن تطور الصهيونية الدينية كتيار ديني سياسي في كيان العدو “إسرائيل” خلال العقدين الأخيرين أثر بشكل ملموس على سياسات الكيان وصناعة القرار فيه، وخاصة بعد الانسحاب من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية من جانب واحد، والذي لم تكن الصهيونية الدينية موافقة عليه، وهو ما دفعها إلى إعادة إنتاج نفسها، وتغيير سلوكها السياسي بما يجنبها الوقوع مرة أخرى ضحية سياسات اليمين واليسار العلماني كما تعتقد، وبالتالي بدأت مساراً منظماً للدخول إلى مؤسسات الحكم المهمة للبدء من هناك بالتغيير المطلوب لجعلها قوة سياسية مؤثرة في المستقبل بعد أن كانت حركة هامشية، نمت وازداد تأثيرها حتى أصبحت واحدة من القوى الرئيسية في “المشهد السياسي الإسرائيلي” ممثلة بالصهيونية الدينية ووزير ماليتها “بتسلئيل سموترتش” و”إيتمار بن غفير” وزير الأمن الداخلي.
التطور التاريخي للصهيونية الدينية
منذ بدايات تأسيس كيان العدو “إسرائيل” على أرض فلسطين، كان الصهاينة الدينيون يشكلون جزءًا صغيرًا من المجتمع الاحتلالي، مع أن قيادتهم الدينية الناشئة كانت عنصراً مهماً في جذب المهاجرين اليهود إلى فلسطين، وفي تأسيس اللبنات الأولى لـ “اليشوف اليهودي” على أرض فلسطين، ولم يكن لهم تأثير كبير على “السياسة الإسرائيلية”، لأن الحكومات اليسارية واليمينة العلمانية استخدمتهم كحمار للعمل، وتثبيت المشروع الاستيطاني، مستغلة ولاءهم الأيديولوجي والديني لفكرة “أرض إسرائيل”، ومع ذلك، ومع مرور الوقت، بدأ هؤلاء المؤمنون بأن القدس وسيناء وغزة والضفة الغربية هي جزء لا يتجزأ من الوعد الإلهي “للشعب اليهودي” بأن تكون أرضهم الموعودة، وهم بالتالي ملزمون بحمايتها والدفاع عنها، والاستيطان فيها.
بدأت الصهيونية الدينية في تسلق الهرم السياسي بشكل أكبر في فترة ما بعد حرب 1967، حيث أدت “الحروب الإسرائيلية” واحتلال الأراضي الجديدة إلى ظهور حركة “غوش أمونيم” الاستيطانية، التي تؤمن بأنه يجب ضم هذه الأراضي إلى “إسرائيل”، وكان انتقالها الأكبر في “السياسة الإسرائيلية” عندما بدأت بإنشاء المدارس الدينية ما قبل العسكرية، والتي استقطبت شباباً كثر أثرت من خلالها على توجهاتهم السياسية التي خدمتها لاحقاً، وخاصة في صناعة قوة داخل “الجيش” نرى تأثيرها في الوقت الحاضر، وأيضاً استقطبت كوادر سياسية من اليمين العلماني خدمتها في التوغل في مؤسسات الحكم في الكيان مثل القضاء والتعليم.
الصهيونية الدينية في العقدين الأخيرين
في العقدين الأخيرين، أصبحت الصهيونية الدينية قوة سياسية مهمة، حيث كان لها دور كبير في تأسيس وتعزيز المستوطنات بالضفة الغربية، وازداد تأثيرها خاصةً في “الحكومات الإسرائيلية” المتعاقبة، حيث أصبح لها وزراء ونواب في الكنيست، يشاركون في صناعة القرار تتغير الإجراءات التي هيأت الأرضية لسياسات جديدة نرى فعلها اليوم.
أثرت الصهيونية الدينية بشكل كبير على صناعة القرار في الكيان، فهي لم تعد مجرد حركة دينية يستغلها اليساريون واليمينيون العلمانيون،
بل أصبحت قوة سياسية تؤثر على السياسات الداخلية والخارجية، ومن أبرز تأثيراتها، موقفها الرافض لأي حل يقضي بتقسيم الأرض أو التنازل عن أجزاء منها في سياق الاتفاقيات التي وقعت مع الفلسطينيين، حتى وصلوا إلى استلام مقاليد الحكم العسكري في الضفة الغربية عبر دخول وزير مدني إلى وزارة الجيش ليقوم من هناك بتغيير وضع الضفة الغربية، بما يشبه ضمها وأعمال سياسات جديدة هناك تقضم المزيد من الأرض وتدفع السكان الأصليين إلى الهجرة وترك أراضيهم خوفاً من “جيش سموتريتش” ومن عصابات التلال ومن يساندهم من جنود في “جيش العدو الإسرائيلي”.
تطور الصهيونية الدينية وازدياد تأثيرها في العقدين الأخيرين أصبح يشكل جزءاً مهماً من الواقع السياسي والاجتماعي في الكيان سواء بالسلب أو بالإيجاب مع تفاعل الأحداث السياسية المتلاحقة في الكيان
حدوث متغيرات جديدة داخل الكيان وخاصة مع استلام الحكومة الجديدة مهامها، وظهور خطة التعديلات القانونية التي تعصف بالكيان اليوم، ومع الاستمرار في هذا التطور الذي يستغل سلبية الأحداث، للتقدم خطوات للأمام، سواء على مستوى التوغل في مؤسسات صناعة القرار عبر تغيير سياسات أساسية في الكيان، كما يفعل “بن غفير” أو بما يتعلق بالتوغل بحقوق الفلسطينيين لدفعهم لقبول الأمر الواقع، الذي يريدون فرضه على الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس.
ومن المتوقع أن يستمر هذه التيار في فرض سياساته الأيديولوجية الدينية في ظل ضعف “نتنياهو” المستعد لدفع أي شيء من أجل إبقاء حكومته على قيد الحياة، لذلك سيستمر هذا التيار في لعب دور محوري في مستقبل الكيان ووجوده، والذي سيؤثر ربما على المنطقة بأكملها.