-د.عبدالعزيز بدر القطان-مفكر وكاتب
-الواقع برس
شهدت المجتمعات العربية تحولات كبيرة، تقودها وسائل الإعلام، خاصة الفضائية منها، فالرسائل الإعلامية كثيرة، إنما يكمن عبثها في إيصالها للمتلقي خصوصاً الإنسان”البسيط”، بما تغدق عليه من معلومات موجهة، تغرقه في تفاصيلها، دون أن يدرك حقيقة هذا السلاح الخطير.
في برنامج القضية، حللت ضيفاً للحديث عن ”الإعلام وثقافة الجموع”، ولمن فاتته المشاهدة، أود مشاركتكم ببعض ما جئت على ذكره، من باب الإفادة والمنفعة، والعلم بالشيء.
كنت قد كتبت في الفترة السابقة مقالاً بعنوان ”ذاكرة الأمة العربية في خطر”، رابطاً التكنولوجيا والحداثة التي أفقدت عناصر هامة من تاريخنا، وأبعدتنا عن الأصالة من خلال ”الإدمان” على الوسائل الذكية من هواتف ذكية وحواسيب محمولة ولوائح رقمية وغير ذلك، لنفتقد رائحة الورق في الجريدة الصباحية، وعمق الخبر في المذياع أو التلفزيون المنزلي كما أيام طفولتنا، لنبتعد رويداً رويداً عن عمق تواصلنا المجتمعي، والسبب في التوجيه بسلاح يسمى”الإعلام”.
لا ننكر دور الإعلام ومنافعه في تثقيف المجتمعات إن كان نابعاً من أقلام حرة ومخلصة في طرح قضايا تعود بالنفع العام، إنما اليوم ومع الأسف نفتقر لهذه الأقلام، التي أصبحت تميل بميل الجهة المشغلة له، وتفرض سياستها في النشر وإلقاء المعلومة التي تريد، فهل منا ينكر دور المحاطات الفضائية التي سخّرت هوائها لضرب بنية الشعوب خاصة في أحداث الربيع العربي، على سبيل المثال، والتي تميل مع سياسية حكامها، إمدح هذا وإنسف ذاك، ومع الأسف هذا الأمر قسم المجتمعات وبث على الفرقة والفتنة في بعض مفاصل الحياة والتأثير في الرأي العام، وكله يصب في سياسة هذه الدول وتحالفاتها.
-تأثير وسائل الإعلام على ثقافة وهوية المجتمعات.
مما لا شك فيه أن لوسائل الإعلام تأثير على المجتمعات، وهنا أذكر أنه قديماً مع بداية وجود”التلفاز”في الخليج الذي كان حينها فقيراً وبسيطاً، وكانت بدايته في دولة الكويت، فلقد كان مهماً في حياة الناس وكانت البرامج ثقافية تركت أثراً لطيفاً في نفوس الناس، ففي حروب الكيان الصهيوني في الفترة القديمة، إنفعل الناس وجدانياً مع قضايا إخوانهم العرب، وهذا دليل أن المتلقي يتلقى بعقله وبعاطفته، لكن الفارق مع واقع اليوم، أن الإعلام كان بريئاً غير مسيّساً، لذلك ترك بصمته ونجد كثير من البرامج التي تعنون تحت اسم ”من ذاكرة التلفزيون”خاصة بالأسود والأبيض.
فكان هناك في ذاك الزمان الجميل، رسالة هادفة من الإعلام ووسائله المحدودة، وأقصد التلفزيون والمذياع والجرائد الورقية، فكانت الدولة تهتم آنذاك بما يفيد المتلقي من كل النواحي لعل أنجعها النواحي الثقافية، وتنشئة الطفل من خلال الرسوم المتحركة المفيدة.
ولا بد لي هنا من الإضاءة على الزمن الجميل، زمن هادف وأرسى الكثير من المبادئ الوطنية والقومية في نفوسنا داخل كل بيت كويتي، فنجن جيل تربى على أعمال مهمة لا أخفي حقيقة أنها حفرت مكاناً لها في ذاكرة كل واحد منا، فكنا نفتح التلفاز ونسمع أصوات القرّاء المصريين، فهل من عربي ومسلم يستطيع أن ينسى صوت القارئ عبد الباسط عبد الصمد رحمه الله، وأيضاً القراء الباكستانيين آنذاك، كالقارئ الكبير ”صداقت علي الباكستاني”، وهو بالمناسبة تلميذ القارئ عبد الباسط عبد الصمد.
وحتى الرسوم المتحركة التي تحارب الشر والقوى الظلامية، كالرجل الحديدي وغرندايزر والعلاقة مع المستقبل، وحكايات عالمية التي أخذتنا إلى التراث العالمي من الأدب الروسي والإنكليزي والفرنسي وغيرهم، إضافة إلى البرامج التوعوية كبرنامج سلامتك والمسلسل التربوي إلى أبي وأمي مع التحية، وأعمال نجم مسرح الطفل الفنان عبدالرحمن العقل ذات البعد الاجتماعي الثقافي الهادف، فكانت جل هذه البرامج تحوي رسائل لا شك انها كانت الأشد وقعاً وإلا لكانت طي النسيان اليوم.
أيضاً الإهتمام بالطفولة من برنامج الفنان الصغير إلى ماما أنيسة، ولا ننسى مجلة الأطفال، كل هذه العوامل أثرت فينا على ما نحن عليه اليوم كمثقفين، ونورد مثالاً آخر ”مجلة البيان”العائدة لرابطة الأدباء، ومجلة العربي وعالم المعرفة مجلة العلوم والمسرح والمجتمع والبلاغ والبيان.
لكن ومع إنقضاء فترة التسعينيات وظهور بعض القنوات الخاصة ”المبتذلة”ليصبح الإعلام فارغ من المضمون وموجه لخدمة أجندات سياسية لتمييع قضايا الأمة العربية الإسلامية، ومحو الهوية العربية وثقافتها وإستبدالها بالثقافة الهجينة والغريبة على مجتمعاتنا.
-إختراق الوعي لدى المشاهد العربي.
نوهت في المقدمة على التكنولوجيا الحديثة على تنوع مشاربها، التي أثرت وأصبح الجميع يشكل مجتمع إعلامي خاص به، بحسب الهدف الذي يريد، في ظل غياب الرقابة والتوجيه إن كان الأسري أو المجتمعي، لكن ومع ذلك في المقلب الآخر كان هناك صحوة جميلة من بعض المثقفين والمفكرين من خلال نشر أفكارهم الثقافية على صفحاتهم الخاصة والتي شكلت قاعدة جماهيرية لهم، لكن إنخراط أجهزة الإستخبارات المعينة لأجندات معينة، حتى لو كان ظاهرها لا يشبه مضمونها الحقيقي، فالهدف هو تفكيك الخطاب العروبي والإسلامي وإستبداله بآخر كالتطبيع الاقتصادي وأمركة بعض الدول وما شابه ذلك.
من هنا، إن ثقافة العقل الجمعي مسؤولية مجتمعية ومسؤولية فردية، إذ يجب تضافر كل الجهود للتمسك بقضايانا المحقة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي يحاولون سلبنا إياها، تنشئة أطفالنا ببرامج هادفة، ومفيدة، بدءاً من الرسوم المتحركة إلى تفعيل المسارح، ودور وزارات الاتصالات في مجتمعاتنا لمراقبة المجتمع وكبح أية مخاطر تهدد البنية المجتمعية، نستطيع ذلك، إن أردنا أن نتميز كما كنا، أو علينا السلام، لن نقبل بأن يتم تحويلنا إلى مجتمعات مستهلكة، فمن بلادنا خرجت أبرع الأقلام والفنانين والممثلين والأدباء والعلماء ورجال الدين، إنما الخطر والخوف على صغارنا، وهذا دورنا، فاللائمة ستقع علينا لا عليهم لأن هذا دورنا، وكلنا وزارة إعلام من منزله.