أخبار عاجلة

تخريب “نورد ستريم”.. الولايات المتحدة تضمن عدم التمرّد الأوروبي/ كتب د. وسام اسماعيل

يبقى الحديث عن العمل التخريبي المدبر دولتياً ضرورياً، إذ إنّها الفرضية الأكثر واقعية بالنسبة إلى ما أصاب الخطين.

في التحليل النظري، يفترض عدم إهمال أيّ سيناريو للحادث التخريبي الذي أصاب خط الغاز الروسي إلى أوروبا عبر بحر البلطيق (نورد ستريم)، إذ ستتساوى فرص إمكانية تعرضه لحادث عرضي مع إمكانية أن يكون نتيجة لعمل فردي أو استخباري ضمن إطار إرهاب الدولة، مع ضرورة الإشارة إلى إمكانية ارتباطه بمسار العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا واستفتاء انفصال مناطق تقدر مساحتها بأكثر من خمس مساحتها الإجمالية عنها، إذ يمكن افتراض دور أوكراني يهدف إلى تحريض الغرب على الانخراط أكثر ضد روسيا.

وللإشارة، يجب الالتفات إلى أنَّ نورد ستريم 1 ليس قديماً بالمعنى الذي يعطي فرضية الحادث العرضي قيمة تفترض البحث فيها؛ فالخط الأول الذي وضع في الخدمة عام 2011، بكلفة تخطت 14 مليار دولار، والذي يعتمد في أنابيبه على ما يفترض تحمل ظروف بيئية صعبة، إضافة إلى خضوعه لأقصى إجراءات الأمان، إذ تم استثمار أكثر من 100 مليون دولار في مسح المسار الأمثل وتخطيطه، وتم مسح أكثر من 2500 كيلومتر مربع على طول الطريق، إلى جانب دراسة الآثار البيئية المحتملة للمشروع، سيجعل إمكانية تعرضه لحادث عرضي مسألة غير واقعية أو منطقية.

إضافة إلى ذلك، وعلى افتراض إمكانية وقوع حادث عرضي في قاع البحر، فإنَّ تعرّض الخطين نورد ستريم 1 و2 لحوادث متقاربة في التوقيت، حيث سُجل بين يوم 26 و29 أيلول/سبتمبر اكتشاف 4 تسريبات، سيثير الريبة ويحرف الأفكار نحو فرضية العمل المدبر.

في هذا الإطار، يجب مقاربة فرضية العمل المدبر الفردي، فمن الطبيعي، في ظل الصراعات القائمة، أن تبرز بعض النيات المتأثرة عاطفياً بما يحدث في أوكرانيا على الأقل، فالضخ الإعلامي الغربي، الساعي لإظهار مظلومية زيلينسكي، والموجه نحو شيطنة الدولة الروسية وحلفائها، سينتج حتماً سلوكاً فردياً يملك إرادة القيام بأعمال تخريبية ضد المصالح الروسية.

في هذه الحالة، تبرز طبيعة نورد ستريم، الذي كان يحتوي لحظة تفجيره أكثر من 800 مليون متر مكعب من الغاز، والممتد على مسافة 1200 كلم، وعلى عمق لا يقل عن 70 متراً، لتنفي ظروف نجاح هذه الفرضية، فإمكانية تفجير نورد ستريم 1 و2 في أكثر من مكان ستتطلَّب تضافر جهود معقدة ومتشعّبة لا يمكن أن تتوفر لدى مجموعة من الأشخاص الذين يفتقدون غطاء دولتياً.

بناء عليه، يبقى الحديث عن العمل التخريبي المدبر دولتياً ضرورياً، إذ إنّها الفرضية الأكثر واقعية بالنسبة إلى ما أصاب الخطين. ففي الأساس، لا يمكن تصنيف مشروع نورد ستريم ضمن المشاريع العادية لنقل الطاقة بين الدول، إذ إن إمكانية تأمين أكثر من 55 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، أي ما يعادل أكثر من ثلثي حاجة ألمانيا، إضافة إلى خطورته الجيوبوليتيكية، إذ تم اختصار المسافة من 4196 كلم عبر خط يامال و37000 كلم عبر أوكرانيا إلى نحو 1200 كلم عبر بحر البلطيق، مع الإشارة إلى ما يعنيه هذا الأمر من إلغاء للأهمية الإستراتيجية لعدد من الدول، كأوكرانيا وبولندا وسلوفاكيا وغيرها، ستضمن لهذا المشروع أهمية غير عادية.

وبالتالي، فإن اختلافاً في وجهات النظر، بين المؤيدين لهذا المشروع والمعارضين له، وقع عند محاولة تقييم مدى تحقيق أمن الطاقة على المستوى الأوروبي من خلاله، وكذلك تأثيره في التوازنات الدولية في غرب أوروبا وعبر ضفتي الأطلسي.

في هذا الإطار، يفترض حصر الاتهام، السياسي على الأقل، بتخريب نورد ستريم، بالطرف الذي من الممكن أن يتضرر من خلاله. ووفق هذا المنطق، يجب استبعاد الطرف الروسي، إذ إنه مستفيد أساسي من هذا الخط، فالمصادر الرئيسية للغاز الطبيعي المنقول عبر نورد ستريم هي حقول روسية كانت تؤمن أكثر من 55% من واردات أوروبا.

ولذلك، كان الطرف الروسي عند بداية الأزمة في أوكرانيا حريصاً على أن يفصل مشروع نورد ستريم 2 عن تداعيات الأزمة. ولنتمكَّن من إقصاء فرضية تورط الطرف الروسي في هذا الفعل، يمكن الإشارة إلى أنه أوقف تصدير الغاز إلى أوروبا عبر نورد ستريم منذ أكثر من شهر.

لذا، إنَّ إمكانية تحقيق روسيا هدفاً متمثّلاً بتهديد أمن طاقة أوروبا لا يحتاج إلا إلى إغلاق بوابة المشروع في منطقة أوست لوغا في لينينغراد أوبلاست، من دون أي حاجة إلى أي خطة بديلة.

وبناءً عليه، يبقى أن نقارب مدى تحقق الأهداف الإستراتيجية الأميركية التي قد تتحقّق من خلال هذا التخريب. فمن خلال عدم واقعية اتهام الطرف الأوروبي بهذا العمل، نظراً إلى ما تعرض له أمنه الطاقوي منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، إذ تعترض إجراءات البحث عن بديل للنفط والغاز الروسي عقبات كثيرة، أقلها عدم توفر مصادر موثوقة للطاقة البديلة، وصعوبة التعويل على إمكانية تأمين بديل من مناطق أخرى لأسباب مالية وأمنية، وإذا أضفنا إلى ذلك عدم امتلاك الدولة الأوكرانية الإمكانيات اللوجستية للقيام بهذا العمل، من حيث بعد المسافة وعدم امتلاكها قدرات عسكرية مناسبة، يمكن حصر البحث في كيفية إثبات التورط الأميركي المباشر في ما تعرَّض له المشروع من تخريب.

منذ بدء التخطيط لمشروع نورد ستريم 1، أخذت الولايات المتحدة موقفاً معارضاً منه، إذ إنّه سيحرّر مصادر الطاقة الأوروبية من التبعية لبعض دول أوروبا الشرقية، التي لا تتوانى عن التعبير عن ارتباطها بعلاقات إستراتيجية تعكس نوعاً من التبعية للولايات المتحدة الأميركية.

ونتيجة لهذا التحرر، فإنَّ العلاقات الأوروبية الروسية قد تدخل في مرحلة جديدة يمكن تصنيفها في إطار التكامل والتكافل بين الطرفين. إضافة إلى ذلك، فإن الأسعار العادلة لالغاز المصدر إلى أوروبا عبر بحر البلطيق ستجعل الغاز الأميركي المسيل باهظ الثمن، بما يلغي أيّ إمكانية لزيادة الصادرات الأميركية إلى أوروبا.

ولأنَّ الجانب الأوروبي آثر عدم الانجرار وراء المخطط الأميركي الذي سعى لإقفال نورد ستريم 1 كردٍّ على ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، واتخذ قراره باستكمال تنفيذ نورد ستريم 2 رغم كل الضغوط الأميركية التي مورست، وانطلاقاً من بدء مقاربة الساسة الأوروبيين لأزمة الطاقة في أوروبا وفق معايير المصالح القومية، وإمكانية فصل أمن الطاقة في أوروبا عما يحدث في أوكرانيا، يمكن بسهولة الاستنتاج أنَّ خيار تفجير الخطوط سيبدو مناسباً للإدارة الأميركية.

من خلال هذا الفعل، ستضمن الولايات المتحدة انصياعاً أوروبياً لخياراتها الإستراتيجية في إدارة المعركة، فما كان يغري الجانب الأوروبي، عبر البلطيق، لم يعد من الممكن التعويل عليه، إذ إنَّ أي محاولة لإصلاح الخط وإعادة ضخ الغاز فيه قد تحتاج إلى وقت طويل ليس في مصلحة أوروبا. وبذلك، سيتحول الغاز الأميركي المسيل الباهظ الثمن إلى خيار وحيد قابل لضمان حاجة أوروبا على أبواب الشتاء.

ومن خلال هذا الواقع، سيتمكَّن الأميركي من رسم أفق المعركة في شرق أوروبا وفق خياراته، بحيث سيضمن انصياعاً أوروبياً خلف تطلعاته. فما أصبح يجمع بين الطرفين، بعد تخريب نورد ستريم، سيضمن للجانب الأميركي حرية الحركة في شرق أوروبا وغربها، إذ نجح في تكريس ارتباط أمن الطاقة الأوروبي بالطاقة الأميركية، بعدما كان قد حقق هدف ارتباط القارة أمنياً بحلف الناتو وقواعده العسكرية المنتشرة في مجمل دولها.

شاهد أيضاً

شرفة المنزل حيث استشهد مختار بلدة الطيبة الحاج حسين منصور كان يتواجد عليها ٨ أشخاص آخرون ، حالت العناية الإلهية دون إنفجارها ما كان سيؤدي لوقوع مجزرة محققة . ما جرى أن القذيفة أصابت مباشرة الحاج حسين ما ادى لإستشهاده نتيجة قوة الإصطدام به .