لا يتمثّل التواطؤ غير المكتوب بين السعودية وإسرائيل فقط في حقيقة أنّ النفط العربي يضخ من السعودية إلى الشرايين الأوروبية تحت الحماية الإسرائيلية، بثمنٍ يدفعه النظام السعودي نقداً، لجعل إسرائيل قادرة على توفير حماية أفضل في الأرض السورية المحتلة لمصالح الإمبريالية، ولكن يتمثّل أيضاً في الأنباء التي تقول أنّ “الأرامكو” بالاتفاق مع الحكام السعوديين وافقت سراً على إعطاء إسرائيل ما قيمته (20) مليون دولار كعائدات على مرور النفط السعودي في الأراضي المحتلة.
ومع ذلك، فإنّ هذين الأمرين ليسا سوى نتيجةً لواقعٍ أكثر عمقاً وتعقيدًا. ومن قصر النظر الاعتقاد بأنّهما جاءا مقطوعي الصلة بأسباب وارتباطات موضوعيّة تجعل من مجمل ما يحدث، على المدى القصير وعلى المدى الطويل، تعبيراً عن حلفٍ سريّ غير مكتوب ولكنه موضوعياً قائمٍ فعلاً، بين النظام السعودي وبين إسرائيل.
وباختصار نستطيع أن نُوجز ذلك الحلف السري غير المكتوب بأنه يتركز في إستراتيجية الاستعمار الإمبريالية، المُسماة بإستراتيجية شرق السويس، فإذا كانت إسرائيل تلعب في تلك الإستراتيجية دور أحد فكّي الكماشة فإنّ السعودية تلعب في الجهة المقابلة دور فك الكماشة الآخر.
وهذا العنوان يفترِض إلقاء نظرة تفصيليّة على كثير من الجزئيات التي تحدث، والتي لا يمكن فهمها على حقيقتها إن لم تُوضع في سياق ذلك العنوان، من قضية الحلف الإسلامي الذي انتهى مع ولادة ممسوخة في الرباط، مروراً بقضيّة الخليج العربي والانسحاب البريطاني المُنتظر إلى البراقع السعودية المُزيّفة، المُسماة بدعم الصمود العربي ودعم الفدائيين، إلى العدوان على جمهورية اليمن الجنوبية، إلى الموقف المعروف من مؤتمر القمة الأخيرة، نهايةً بخطط السعودية في المستقبل في شبه الجزيرة، والتي لا تبدو مُمكنة بغير المخططات الإسرائيلية الراهنة.
يقول التقرير السري الخارجي الذي توزعه “الإيكونومست” البريطانية على نطاقٍ محدود، في النشرة التي كان تاريخها 18 كانون الأول الماضي، أنّ المعارك التي نشبت في منطقة الوديعة بين السعودية وجمهورية اليمن الجنوبية كانت أكثر عنفًا مما تصوّر العالم، وكشفت النقاب عن أن القوات السعودية استخدمت على نطاقٍ واسع طائرات “اللايتنتننغ” التي وفرتها لها بريطانيا في اتفاقية وُقعت بين الرياض ولندن قبل 4 سنوات.
والواقع أنّ مشكلة الصدامات العسكرية في منطقة الوديعة تختلف كليًا عن صدامات الحدود التي تفجّرت في أكثر من مكان في البلاد العربية، فالنزاع هنا ليس بالدرجة الأولى خلافًا على تخطيط الحدود، أو حول السيطرة المباشرة على قيمة اقتصادية أو استراتيجية محددة، لكنّها تتعلق بمجمل الصراع ذي الطبيعة الصدامية بين النظام السعودي الرجعي وبين البؤرة الثورية الفاعلة والمؤثرة، التي يمثلها وجود جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية.
وما يجعل الصورة أكثر حدة الآن مما كانت عليه في أي وقتٍ مضى، هو مجموع التطورات التي حدثت والآخذة بالحدوث في المنطقة: فهزيمة الأنظمة العربية الوطنية في معركة حزيران 1967، والظروف بالغة الصعوبة– التي ما تزال وستظل إلى فترة طويلة- تقيد حركتها وتحاصرها، تشكل بالنسبة إلى النظام السعودي الذي رشح نفسه فورًا لقيادة الهجوم المعاكس على مختلف التيارات التقدمية والوطنية في المنطقة، فرصة مناسبة مدعّمة بالمصالح الإستراتيجية والاقتصادية للولايات المتحدة، للانقضاض من جديد “ولتصفية حساباتها”.
والانسحاب البريطاني من الخليج العربي المقرر في 1971، يجعل إلحاح الظروف التي تجدها السعودية مناسبة لبسط نفوذها على الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية، أكثر قوة الآن مما كانت في أي وقتٍ مضى، ووسط ذلك كله، تشكل الصفقة التسلّحية التي عقدتها السعودية مع الولايات المتحدة وبريطانيا بما قيمتها 500 مليون جنيه، حافزًا يصعد بسرعة مع بداية وصول الدفاع والتجهيزات الأولى لتلك الأسلحة، الدور السعودي في منطقة شبه الجزيرة العربية وفي المناطق المحيطة بها.
إنّما يشغل بال السعودية –فوق ذلك كله ومع ذلك كله-، هو ما عبر عنه تقرير “الإيكونومست” السري بما يلي: “في جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، اتضح تأثير السوفيات والصينيين، وفي جمهورية اليمن يوجد تأثير سوفياتي ومصري، وفي العراق تتربع في السلطة حكومة بعثية مناهضة بعنف للملَكية، وحتى بالخليج العربي ذاته، فإن ما يسمى (جبهة تحرير الخليج العربي المحتل)، التي تركّز مركز قيادتها في العراق، لها كما يُقال خلايا ناشطة في البحرين “.
وبغض النظر عن أسلوب “الإيكونومست” في وصف الأخطار المحيطة بالسعودية وانحياز اصطلاحاتها الوصفية لتلك الأخطار إلى الجانب السعودي، إلّا أن الحقيقة هي أن السعودية لا تستطيع أن تتمدد في شبه الجزيرة العربية على فراش نظامها الرجعي الوثير، في وقتٍ تضطرم فيه تغيرات اجتماعية وسياسية ثورية في الجنوب اليمني، وفي وقتٍ تتصاعد فيه باضطراد الثورة المسلحة التي تقودها الجبهة الشعبية لتحرير ظفار.
ويوضح تقرير “الإيكونومست” السري هذه الحقيقة عبر الأسلوب التالي: “ان السعودية لا تريد أن ترى دولةً عند حدودها الشرقية، في إمارات الساحل العُماني، تسبب لها المتاعب، في وقتٍ لديها ما يكفيها من هذه المتاعب في الشمال والجنوب، فاتحاد إمارات الخليج لا يشكل منافسًا في نطاق القوة السياسية فحسب، بل يوفر جوًا ممكنًا لنمو تنظيمات مضادة للملكية في أمكنة أخرى من الجزيرة العربية.
محور التخطيطات السعودية
ذلك كله –على أيّ حال- يطرح واحدة من أعقد المشاكل الراهنة في العالم العربي وأكثرها سخونة، وموازية في جميع الأحوال مع الصراع المحوري الدائر بين العرب وإسرائيل، ومن قُصر النظر بالطبع، اعتبار المسألتين مقطوعتي الصلة ببعضهما.
إنّ حقائق الإستراتيجية السعودية- إذا جاز إعطاء الموضوع هذه الصفة لأن الإستراتيجية هذه هي في الحقيقة إستراتيجية الإمبريالية في منطقة شرق السويس- هي ذاتها التي انعكست في الصِّدامات المسلحة بين السعودية وجنوب اليمن في منطقة الوديعة وشرورة، وهي ذاتها التي انعكست في الدور السعودي– الإيراني، “المتسق ولكن غير المنسق، إلى الآن، تمامًا”، في تطورات قضية اتحاد إمارات الخليج العربي، بل إنها هي ذاتها التي انعكست بصورة أوضح على الموقف السعودي في مؤتمر الخرطوم (أيلول 1967) وهي التي تمتد انعكاساتها إلى أبعد من ذلك في الحقيقة، تمتد إلى صفقة إيرانية – سعودية، عُقدت بين الأمير فهد وشاه إيران في واشنطن، بمباركة البيت الأبيض عند زيارتهما للبيت الأبيض.
وتمتد أيضًا إلى تأثير متزايد نحو “توريط” العراق في المسألة الكردية، وتمتد أيضًا إلى محاولات تتصاعد باضطراد لتصفية الوجود الثوري لجمهورية اليمن الجنوبية، ليس فقط بالعمل التآمري، ولكن بالقوة العسكرية المباشرة أيضًا.
وتمتد أيضًا إلى اضطّرار سعودي– مباشر أو غير مباشر- للتنصّل العملي من مسؤولية المعركة المتحدمة بهذا القدر أو ذاك، ضد العدوان الإسرائيلي، لأنّ عدم حسم تلك المعركة يشكّل بالنسبة للسعودية ليس فقط إذعانًا للمخططات الإمبريالية التي باتت تمثل طرفًا لا ينفصم من أطرافها، ولكن أيضًا لأن “تثبيت” الحركة الوطنية العربية في مأزقها الراهن هو فرصة سعودية لتحقيق أهدافها التقليدية.
ما هي إستراتيجية شرق السويس؟
إلّا أنه قبل المضي في تحليل ذلك كله، لا بد من إلقاء نظرة موضوعية على ما يُسمى اصطلاحًا بالإستراتيجية الإمبريالة المقررة لشرقي السويس، كي نتبين موقع السعودية في خارطة هذه الإستراتيجية، وبالتالي دورها الحالي والمحتمل في مجمل تطورات أحداث المنطقة.
من المعروف أنه في أواخر عام 1965 تم الاتفاق بين بريطانيا والولايات المتحدة على توحيد السياسة الإستعمارية للبلدين في قارتي آسيا وأفريقيا، وخصوصًا في البلدان العربية الغنية بالنفط، وذلك من أجل التعاون والمشاركة في أعباء الدفاع عن المصالح الأنجلو- أمريكية، وفق ما صار يصطلح على تسميته بإستراتيجية شرق السويس الجديدة.
لتحقيق هذه الإستراتيجية الموحدة، جنّدت مجموع القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية لتلعب دور “الحزام” الإمبريالي:
– فهناك مجموعة قواعد بريطانية وأمريكية جديدة تم بناؤها في “جزيرة كوكوس” وفي “جزيرة ديجو جارسيا” وجزيرة “الدابرا” وجزيرة “سيشل” في المحيط الهندي. وتقع هذه القواعد في منتصف المسافة تقريبًا بين القواعد البريطانية والأمريكية في سومطرة وماليزيا والفلبين وسنغافورة في آسيا، والقواعد الأمريكية والبريطانية في الحبشة وكينيا في شرق أفريقيا.
– وترتبط سلسلة القواعد هذه بسلسلة أخرى ذات أهمية خاصة من القواعد العسكرية البريطانية والأمريكية، تمتد من خليج عدن ومدخل البحر الأحمر، ثم على طول ساحل عُمان على المحيط الهندي، وصعودًا على شواطئ الخليج العربي حتى البحرين والظهران في السعودية.
ومن الواضح أن ها “الحزام الفرعي” من القواعد يهدف بالدرجة الأولى إلى تطويق الجزيرة العربية، مرتبطًا من ناحية أخرى بالحزام الأساسي، الممتد من شرق آسيا إلى شرق أفريقيا.
إن إستراتيجية شرق السويس الجديدة، تعتمد على نقطتي ارتكاز رئيسيتين بالإضافة للمراكز البريطانية التقليدية في أفريقيا وروديسيا واتحاد جنوب أفريقيا، ومعظم مستعمراتها السابقة”، وهاتان النقطتان هما:
أوّلًا: اتحاد ماليزيا سابقًا “أي ماليزيا وسنغفاورة ومستعمرات بريطانيا في جزيرة ساراواك وكاليمانثان صباح”، وهي مناطق غنية بالمطاط والمعادن.
ثانيًا: “وهي الأهم بالنسبة للمصالح الإمبريالية”، المنطقة المحيطة بالخليج العربي، التي كانت تسندها فيما مضى بالدرجة الأولى القاعدة البريطانية في عدن، ثم نقاط الارتكاز الملحقة بها في قطر والبحرين وأبو ظبي ودبي والشارقة.
وهذه المنطقة تمثل موقعًا رئيسيًا لامتصاص الانتاج الصناعي البريطاني، يفوق دخله 200 مليون جنيه استرليني كل عام، وينتج ثلاثة أخماس مجموع واردات بريطانيا من البترول.
الوجود الاستعماري العسكري بالجزيرة
على ضوء هذه الخطوط العريضة لإستراتيجية شرق السويس الجديدة الاستعمارية، يجدر بنا أن نلقي نظرة على التجسيد العسكري الواقعي في شبه الجزيرة العربية لهذه الإستراتيجية، التي -منذ 1965- تقرر أن تتولى فيها بريطانيا دور “البوليس الاستعماري” من السويس إلى سنغافورة.
فلبريطانيا، في هذه المنطقة، السلسلة التالية من القواعد:
– في ظفار:
يوجد قاعدة “جلالة” الجوية البريطانية المجهزة بقوة ضاربة من الطائرات النفاثة والمزودة بالصواريخ ووحدات المدفعية والمشاة وشبكة من أجهزة الرادار، ومخازن سلاح وذخيرة وقنابل نووية، ومحطة لا سلكية قوية تربطها بمجموعة من القواعد في الأقاليم والمناطق الأخرى، والمهمة المركزية الراهنة لهذه القاعدة الآن هي العمل على قمع ثورة ظفار.
– في عُمان:
ولبريطانيا فيها:
* قاعدة مصيرا الجوية والبحرية، وفيها مخازن الذخيرة والتموين للأسطول البريطاني
* قاعدة مسقط البحرية والجوية
* قاعدة البريمي الجوية
* قاعدة الشارقة الجوية
وبالإضافة لذلك، فلبريطانيا مجموعة من المعسكرات الكبيرة، والقواعد الجوية والبحرية الصغيرة، في البلدات والمناطق المجاورة: رأس الجد، بحار، عبرى، نزوة، الفجيرة، رأس الخيمة، أم القوين، عمان، أبو ظبي، وغيرها.
– في البحرين:
* قاعدة الجفير الجوية البريطانية، حيث ترابط بصفة مستمرة ثلاث حاملات طائرات، وخمس مدمرات، وست كاسحات ألغام ووحدة من مشاة الأسطول، وحاملات للجنود ومحطة لاسلكية، كما يوجد فيها مقر المخابرات العسكرية البريطانية في الخليج العربي.
* قاعدة المحرق الجوية الاستراتيجية القائمة في الجزيرة المعروفة بهذا الاسم، وهي تضم سربين من الطائرات المقاتلة “هوكر هنتر” وسرب من طائرات النقل “بيفرلي” وقوة مؤلفة من 3 آلاف جندي من المظليين ووحدة رادار، ومحطة لاسلكية وفرقة حراسة للقاعدة مزودة بكلاب بوليسية مدربة.
* قاعدة الهملة البرية، وتقع غربي المنامة، وتضم وحدات عسكرية من سلاح المشاة والمدفعية والدبابات والمهندسين ومحطة لاسلكي ومستودعات سلاح وذخيرة.
وقد استخدمت بريطانيا هذه القاعدة أثناء العدوان على مصر، عام 1956، وفي عمان عام 1957، وضد اليمن الشمالية، وضد ثورة جنوب اليمن، وفي قمع الحركة الوطنية في البحرين عام 1965.
والجدير بالذكر أنه في عام 1967 قامت بريطانيا بتوسيع هذه القواعد الثلاث، وهيأتها بالدرجة الاولى للقدرة على استقبال وحدات الأسطول والقوة الجوية الأمريكية الناشطة في المنطقة.
الدور السعودي شرق السويس
إنّ هذين الحزامين العسكريين اللذين تزايدت قيمتهما بعد توحيد الإستراتيجية البريطانية والأمريكية شرقي السويس “حزام سنغافورة كينيا”، “حزام البحرين- أسمرة”، لا يكتملان في الواقع تماماً، إن هما لم يلتقيا في نقطة ارتكاز محورية وثابتة.
هذه “النقطة- المفتاح” هي السعودية.
فبعد هزيمتها في عدن، وقع اختيار بريطانيا على جزر البحرين كبديل لقاعدة عدن الشهيرة، لم يكن هذا الاختيار فقط وليد “الظروف الأفضل”، التي تُهيؤها اتفاقيات بريطانيا مع البحرين، والمُجحفة من حيث أنها تضمن النفوذ البريطاني على البحرين لمدد طويلة، لا حدود زمنية لها، بل كان أيضاً نتيجة عوامل أخرى لا تقل أهمية:
موقع البحرين الاستراتيجي في مواجهة منطقة “الشرق الأوسط”.
موقعها في منطقة النفط.
وضعها السياسي نتيجة المطالبة الإيرانية بها والجذب السعودي لها واللذان يجعلانها أكثر قبولاً “للتطويع والمساومة.”
إلا أنّ البحرين لا تستطيع أن تُقدّم كل “مواهبها” الإستراتيجية إن هي لم تكن مكملة– كحلقة نفوذ استعمارية مباشرة- لتلك الحلقة المركزيّة في السعودية. من هنا، جاءت فكرة “الحلف الإسلامي”- قبل 5 حزيران- مُنطلقة من السعودية، ومُقترنة بشحن كميات ضخمة من السلاح البريطاني والأمريكي للرياض.
وفي الوقت الذي أخذت فيه بريطانيا توسّع قواعدها الرئيسية الثلاث في البحرين، مضت- بالشراكة مع الولايات المتحدة- لتجعل القواعد الأمريكية الكبيرة في السعودية ذات قيمة عسكرية أقوى.
اتفقت السعودية مع بريطانيا على استعارة (900) ضابط بريطاني لإنشاء شبكة جديدة للدفاع الجوي، ليس على شواطئ خليج العقبة ولكن قرب حدود اليمن.
تسلمت السعودية من الولايات المتحدة معدات للنقل العسكري وصواريخ هوك وطائرات نفاثة وأجهزة رادار.
سهّلت لها لندن وواشنطن استخدام جيش من المرتزقة الأجانب ولم يعد سراً الآن أنّ البلد الوحيد الذي يتفوّق على الكونغو في استخدام المرتزقة الأوروبيين هو السعودية، وكيف انعكست هذه المساعدات؟ انعكست بأن أنشأت السعودية في فترة قصيرة نسبياً (37) قاعدة عسكرية تتمركز على مسافة لا تتجاوز (120) كم امتداداً من اليمن.
التصور الإمبريالي للحزام السعودي
كي نضع ذلك كله في سياق موحد، ينبغي أن نتذكّر التقييم الذي أعطاه هارولد ويلسون رئيس الوزراء البريطاني لهذه الخارطة: “ينبغي على بريطانيا أن تبقى قوية في شرق السويس إذ لا يمكنها أن تتخلّى عن دورها العالمي في تلك المنطقة، ولا التزاماتها فيما وراء البحار، ولا عن الحقوق المشروعة للمصالح التقليدية.”
إنّ حديث ويلسون عن “الدور العالمي لبريطانيا” و”الالتزامات” و”الحقوق المشروعة” يأخذ معناه وتوضيحاته مما ذكرته وثيقة صدرت عن معهد الدراسات الاستراتيجية البريطانية عام 1966.
“… وبريطانيا مُلتزمة رسمياً بالدفاع عن اتحاد الجنوب العربي وعن المحميّات الخارجة عن الاتحاد المذكور، كما أنها مُلتزمة رسمياً في الخليج الفارسي بالدفاع عن البحرين وقطر والفجيرة، ضد أي هجوم أو عدوان، وفضلاً عن هذه الالتزامات الرسمية فإنّ بريطانيا تعتبر نفسها- كما يعتبرها الكثيرون- ملتزمة أدبياً بالدفاع عن سائر دول الخليج، التي ما تزال مسؤولة عن علاقاتها الخارجية،… وكل ذلك هام في تأكيد الوجود العسكري لبريطانيا في مناطق المحيط الهندي والجنوب الشرقي لآسيا”.
وتمضي الوثيقة المذكورة لتضع أصبعها على النقطة الرئيسية:
“… ومن شأن القواعد العسكرية في شبه جزيرة العرب والخليج الفارسي دعم النفوذ الغربي في الشرق الأوسط والتدخل ضد الأعمال العدوانية المحلية، بالإضافة إلى أنها تساعد في فتح الطريق الاستراتيجي للقواعد العسكرية البريطانية في المحيط الهندي وجنوب شرق آسيا، للحد من التوسع الشيوعي في المنطقة، وكذلك فإنّ الهدف الرئيسي من وجودها هو ضمان الاستمرار في شحن بترول الشرق الأوسط ومنع أي نزاع في المنطقة المجاورة أو القضاء عليه والمساعدة على التدخل العسكري البريطاني.
اتفاق الأمير فهد والشاه
على إيقاع هذا كله، دخل النظام السعودي إلى مرحلة ما بعد هزيمة حزيران.
وعلى إيقاع ذلك كله ضبط الموقف السعودي خطواته وهو يدخل إلى مؤتمر الخرطوم وإلى المؤتمر الإسلامي وإلى مؤتمر القمة العربي الخامس في الرباط، وعلى إيقاع ذلك كله دخلت الأصابع السعودية لتعزف نغمتها الخاصة في جملة النغمات النشاز، التي عزفها مؤتمر حكام إمارات الخليج في رمضان الماضي، وعلى إيقاع ذلك كله ساقت السعودية قواتها إلى منطقة الوديعة لتفتعل الاشتباكات المسلحة مع جنوب اليمن.
وعلى إيقاع ذلك كله صافح الأمير فهد شقيق الملك فيصل شاه ايران، تحت ظلّ نيسكون منذ زيارته الأخيرة لواشنطن، وتحادثا كما يقول تقرير “الإيكونوميست” متحفظاً، على الشكل التالي: “في تشرين الثاني الماضي قالت تقارير أنّ الأمير فهد وزير الداخلية السعودي عقد اجتماعاً مع شاه إيران في أمريكا، وذكر أنّ اتفاقاً توصّل إليه الطرفان ليُوضع موضع الفعل إثر الانسحاب البريطاني من الخليج العربي، وفي هذا الاتفاق يؤكد الشاه حقوق إيران في البحرين ويؤكّد فيصل حقوق السعودية بواحة البريمي، أما قطر ودبي فستوضعان تحت الحماية الإيرانية ويدعمان مطالبهما بالبحرين، وفي هذا الاتفاق ستقوم السعودية وإيران بجهود للحفاظ على السلام في الخليج وذلك عن طريق تحقيق مجالات التأثير الخاصة بهم هناك، وقد ذكر أنّ الشاه أكد للأمير فهد أنّ العراق لن يُشكّل تهديداً لاستقرار تلك المنطقة، وقد قال الشاه للأمير فهد أنّ (16000) من الجنود العراقيين موجودون في الأردن كجزء من القوة العسكرية العربية ضد إسرائيل، وأنّ (30) ألفاً مشغولون في الشمال ضد الثورة الكردية، وشاه إيران يقوم حالياً بتزويد الأكراد بكمية من السلاح، كافية فقط لتحقيق إزعاجات ضد الجيش العراقي، لكنها غير كافية لتشكيل دولة كردية، الأمر الذي يخلق مشاكل بين إيران والأقليّة الكردية فيها.”
ومهما يكن من أمر الفهم الخاص لـ “الإيكونوميست” إزاء القضايا التي طرحها تقريرها السري المشار إليه، فإنّ الذي يهمّنا هو هذا الدور المشترك السعودي الإيراني، والذي تتضح أبعاده على ضوء ما ذكرناه عن استراتيجية شرق السويس الجديدة، وعن الموجة التي تأخذها التطورات ليس بالنسبة للخطط المتبعة لساحل عمان وإماراته وحسب، ولكن أيضاً للحشود السعودية المتصاعدة ضد اليمن.
إنّ مجمل تلك الوقائع يُشير، بصورة تتضح بازدياد، إلى أنّ الحلف السري غير المكتوب القائم عملياً بين إسرائيل والسعودية، فالمخططات السعودية هذه التي تُشكّل حلقة لا تنفصم عن الاستراتيجية الإمبريالية في منطقة الشرق الأوسط هي في جوهرها مخططات مُكمّلة لتلك التي تلعبها إسرائيل، والتي تُشكّل بدورها حلقة لا تنفصم عن استراتيجية الإمبريالية في منطقة الشرق الأوسط.
إنّ السعودية وهي تمضي في لعب حصتها من المؤامرة الكبرى لا تتسلّح فقط بمظهر شكلي خدّاع، من دعم مزعوم للجبهات العربية وللعمل الفدائي، ولكنها تتسلّح بنفوذ وفّره لها الصمت الرسمي العربي، لتضغط داخل جامعة الدول العربية بهدف عزل جمهورية اليمن الجنوبية، تمهيداً لمحاولة تصفيتها وبهدف تسكيت العرب وراء ستائر مؤتمر القمة الإسلامي عن الدور التآمري الذي تلعبه مع إيران، لمصلحة الاستراتيجية الإمبريالية في منطقة شرقي السويس
شاهد أيضاً
الثورة لا تحدها الأرض ، وقفة تضامنية من برلين مع لبنان
خاص الموقع الواقع برس أقامت الجالية اللبنانية في ألمانيا بالتنسيق مع الرئيس السيد أحمد أحمد …