في كل مرة نتناول فيها موضوع علمي، على مستوى من الأهمية،نكون ملزمين بتحديد منهاج فكرنا،وإبراز مرجعياتنا الثورية ورسم الخطوط الفاصلة بين فكرنا وبين الفكر التحريفي،والنضال الإصلاحي، ومهما تطلب ذلك من تكرار للمفاهيم والمبادئ الأساسية التي ننطلق منها، كأدوات فكرية واقعية، ومفاهيم ثورية، نقدية ،تقدمية، وبديلة لمفاهيم الهيمنة الكولونيالية، أي المفاهيم الحقوقية والمبادئ القانونية كتعبير عن حقوق الإنسان والشعوب، ك تحديد لشرعية صراع الإنسان ضد الإنسان وضد الطبيعة في سياقها الاجتماعي والتاريخي وليس كمفاهيم مجردة بذريعة الهيمنة
أن اندلاع الحرب في أوكرانيا قد عزز تصورنا حول ما سميناه تدمير القانون الدولي من طرف المنظومة الإمبريالية عبر خلق مفاهيم حقوقية للتدخل، غير ذات تعريف قانوني، وذلك منذ سنة 1991 وتفردها بقيادة العالم ووضع مفاهيم الهيمنة ك-شروط لانتصارها في الحرب الباردة، خلقت كذلك مفاهيم سياسية، ترتكز على الجوهر الأيديولوجي للفلسفة الذرائعية البرگماتية والتي تقدم المفاهيم الحقوقية والمبادئ القانونية من جهة كمفاهيم ومبادئ كونية وشمولية، ولكنها عند الممارسة تتحول الى تعبير سياسي عن مصالحها وإخضاع المفاهيم الحقوقية والمبادئ القانونية للمصلحة يسقط عنها صفة الكونية والشمولية، و يحولها إلى أداة للهيمنة ودعم واقع السيطرة بالقوة.
حاولت النيوليبرالية أن تطرح ما يسمى بالواقعية السياسية كحل للنزاعات, رغم تعارضها مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي, فتمت مثلا إتفاقيات أوسلو احتكاما إلى الأمر الواقع هذا الأمر الواقع ماهو إلا نتيجة الإحتلال الإستيطاني الذي يعتبر جريمة في القانون الدولي وفي كل القوانين الوضعية منها والعرفية، لأنه ، و مهما ساقوا من تبريرات استعمارية في السيادة على أرض فلسطين هي للشعب الفلسطيني والسيادة مبدأ من مبادئ القانون ومنه ينبع الحق في تقرير المصير، والقانون الدولي يحترمها لكل الشعوب فلماذا لا تحترم للشعب الفلسطيني والصحراوي ـ راجع مبادئ إعلان القانون الدولي R2526/1970
وهذا بالضبط هو ما حدث في قضية الصحراء الغربية المسجلة على لائحة الأمم المتحدة للدول الغير مصفاة من الإستعم وحينما ساغ مجلس الأمن التي تهيمن عليه هذه القوى حل محتمل لقضية الصحراء الغربية الغير مصفاة من الإستعمار ساقه على الشكل التالي: حل دائم ومقبول واقعي يضمن للشعب الصحراوي ممارسة حقه في تقرير المصير ،وهنا نطرح السؤال عن معنى واقعي؟؟؟ ولا يمكن أن يعني إلا أخذ بعين الإعتبار أو شرعنة الواقع الذي خلقه الاحتلال العسكري الاستيطاني الذي مارسه الاحتلال المغربي بدعم القوى الإمبريالية منذ سنة 1975.بمعنى الواقعية السياسية أو سياسة الأمر الواقع الواقعة على الشعوب بالقوة والقهر هي محاولة إمبريالية لإسقاط الجريمة بالتقادم وانتهاك حق الشعوب واستعبادها قهرا
،إذن هذا التناقض الصارخ بين مفاهيم الهيمنة التي تعتبرها قوى الهيمنة حلولا للمشاكل العالمية وتعتبرها الشعوب المظلومة مفاهيم جديدة الإستعمار والإحتلال عمقت الهوة والشرخ ونبع منها فكر ونهج المقاومة على المستوى العالمي كرد فعل، والتاريخ علمنا أن الحركات التغييرية الكبرى في التاريخ تقوم دائما لتصحيح العدالة ومحو الظلم
إذن ما هي الواقعية السياسية إذا لم تكن السكوت عن الظالم والتواطؤ مع الظلم ،الواقعية الس ،والتدخل بذريعة حقوق الإنسان والتدخل على الأمم المتحدة نفسها من خلال تجميد الالتزامات المالية المخصصة لها أو من خلال ممارسة الإمتيازات اللا ديمقراطية التي تنعم بها الدول المهيمنة ك حق الفيتو، وهو ما يلغي أهم مبادئ الأمم المتحدة، في المساواة بين الشعوب كبيرها وصغيرها،، وكذلك مفاهيم التنمية المستدامة، وحرية التجارة العالمية هي كلها مفاهيم جديدة للهيمنة يتم في ظلها تغييب حقيقة نهب ثروات الشعوب وانتهاك حقها في السيادة
لا شك أن كل المرافعين عن عدالة القضية الصحراوية،وحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وفي الإستقلال،قد واجهتهم أفكار، مثل أن حق تقرير المصير، والمرجعيات الحقوقية والقانونية في هذا الشأن تعود إلى الماضي وأن العالم قد تغير، وان الواقع اليوم هو شئ آخر، وسمعنا كثيرا من السياسيين من دولة الإحتلال المغربي بل حتى من يدافعون عن الإحتلال من العامة أو ممن يتاجرون بقضية هذا الشعب، يرددون عبارة الواقع الموجود، او الواقعية، دون أن يتعرضوا الى الشروط التي خلقت هذا الواقع، وبدون مناقشة شرعية هذا الواقع وكأن الواقع الموجود يصبح شرعيا بموجب وجوده فقط وهذا، يضعنا موضع التعارض الكلي بين الحقيقة والخطأ لأن مسرح الجريمة واقع موجود، ولكن الجريمة لا مبرر ولا شرعية لها
.
فكثيرا مانسمع من وزير خارجية الاحتلال ناصر بوريطة،ومن أمثاله بأن حق تقرير المصير والإستقلال حلم من الماضي، وان الواقع الحالي،يفرض النظر إلى القضية، إنطلاقا من الواقعية السياسية !!!
وهنا نكتشف ثلاثة أشياء جوهرية:
الأولى منها هي رفض كيان الإحتلال المغربي للقانون الدولي والمفاهيم الحقوقية العالمية، رغم توقيعه لعدد هائل من الإلتزامات الدولية،وتبرير رفضه، بأنها قديمة، في الوقت الذي نعرف جميعا ان القانون لا يتغير إلا بتشريع جديد يلغي القديم، وأن الحقوق لا تسقط بالتقادم كالجرائم تماما، بدورها، لا تسقط بالتقادم، بمعنى الإعتراف الضمني بحق الشعب الصحراوي في الماضي ونكرانه في الحاضر ، إنما هو نكران للحق وانتهاك للقانون لأن حق الشعب الصحراوي مكرس بالقانون وبالنضال تاريخيا ومصون بدماء الشهداء الميامين.
والثاني، هو مفهوم الواقعية السياسية المبرر الذي يستعمله هؤلاء، وهو ليس مفهوما حقوقيا ولا له تعريف قانوني، وقد استعمله الكيانين الصهيوني والمغربي ليبرروا احتلالهم للأرض، بمعنى أنهما متواجدان على الأرض، وانهما يمارسان عليها كل الأنشطة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية، ولكن ما يغفل عنه جميعهم،هو أن هذا التواجد ناتج عن احتلال الأرض الذي هو جريمة في القانون الدولي، ناتج عن إباذة شعوبها الأصلية، وهو كذلك جريمة ثانية في القانون الدولي، ناتج عن استيطانها بجموع المستوطنين وهو جريمة ثالثة، إذن الواقعية السياسية ، هو مفهوم لتأبيد الهيمنة الإستعمارية، كمفهوم الحماية ، يقوم على جريمة ثلاثية، ينتهك القانون الدولي، وتحاول الدول الإمبريالية أن تعطيه تعريفا من خلال التواتر، والتكرار، وتستعمله كمبرر لجريمة الاحتلال والإبادة، والاستيطان.
والشيء الثالث الذي يمكننا استنتاجه هو أن هذا الواقع المفروض بالقوة أي واقع الإحتلال، وفي كل الدول المحتلة قد ادى اندلاع المقاومة الشاملة،سواء كانت منظمة ومركزة في تنظيمات سياسية أو شعبية ،أو عفوية و بدون قيادة أي يصبح ما يسمى بالواقعية السياسية هنا سبب مباشر لتهديد السلم والأمن الدوليين ويتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة، وينتهك القانون الدولي
لاشك أن الوعي الشعبي العام،يكون دائما متأخرا في إدراك هذه المفاهيم، ولذلك تأتي المقاومة دائما بعد الإحتلال والإستعمار، ولكن هذا الفهم الشعبي العام المتأخر هو هونفسه المحدد لأشكال المقاومة، وهو من يقودها، وإذا تكلمنا تخصصا عن الشعب الصحراوي، فمنذ أن تبنى الإحتلال مفهوم الواقعية السياسية، وتنكر لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والإستقلال،تبنى الشعب الصحراوي مراجعة التعاطي مع الأمم المتحدة والعودة الى المقاومة المسلحة، قد بينا، فيما سلف و بمافيه الكفاية، خطر مفهوم الواقعية السياسية، على الأمن والسلم الدوليين، ومنه على استقرار العالم، والتنمية والرخاء الاقتصاديين، والإخاء والتعاون بين الشعوب، والمساواة بين الأمم والشعوب كبيرها وصغيرها، كونها تقابل دائما بالمقاومة الشاملة.
الشعب الصحراوي منظم في الإطار السياسي، الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب :ممثله الشرعي والوحيد، الذي يؤطر هذه المقاومة، التي إنطلقت في شكل تصاعدي ، منذ دخول الحرب في نسختها الثانية في الثالث عشر نوفمبر 2020، والتي انخرط فيها الشعب الصحراوي بكامل أطيافه، وربما تمتد إلى صيغ نضالية أكثر عنفا وتأثيرا لان الشعب الصحراوي سيلجأ حتما كباقي الشعوب التي كافحت من أجل استقلالها، إلى جميع أشكال المقاومة التي ستصيب المخزن في مفاصل الضعف، ولن يستطيع ان يتحملها كما لم تتحملها أي قوة امبريالية ، استعمارية، من قبل ومهما كانت قوتها، وحجمها، إن وقوف بعض الدول الكبيرة إلى جانب الإحتلال المغربي، ووقوفها أمام الإنتصار الديمقراطي للقضية الصحراوية وإعاقة الشرعية الدولية، يجعلها تتحمل المسؤولية القانونية والتاريخية والأخلاقية لما ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة، لأن النظام الملكي الفاشل في المغربي ربط مستقبله بما آل هذه ولن تسفر عن أقل من رأس النظام الملكي، ولكن للأسف العميق ربما تترك كذلك سنوات من العنف والضحايا في المنطقة، وهذا يغيب عن حسابات الإمبرياليين النفعية كما غاب عنها قبل حرب العراق واليمن وليبيا وهلم جرا، لأن الشعوب مستعدة للتضحية مقابل حريتها وانعتاقها وسيادتها على أراضيها، ان الغرب الذي يدعم الآن مطلقا أوكرانيا في حربها ضد روسيا وتخليه عن شعب الصحراء الغربية وفلسطين في مقاومتهم للاحتلا المغربي والصهيوني انما يبرز ازدواجية معايير الغرب في التعاطي مع القضايا العادلة
مفهوم الواقعية السياسية هذا هو ما يتكلم به المسؤولين المغاربة وهو ما أفشل عمل الأمم المتحدة وشل دورها في إيجاد حل في قضية الصحراء الغربية ولعل الكلام عن حل, دائم, واقعي, متفق عليه , ويحفظ للشعب الصحراوي حقه في تقرير المصير , لا يكون إلا حلا خياليا لأن تطبيق اللائحة 1514 لا يمكن ان يضاف الى مضمونه أو ينقص منه شيئا والا اصبح غير قانوني ،وأصبح مبدأ مغاير لمبدأ حق الشعوب الغير قابل للتصرف في تقرير مصيرها, وفي الاستقلال، يعني يصبح مفهوما بدون تعريف قانون ،ولا يمكن تطبيقه أما الحل الواقعي فالمقصود منه هو الحل الظالم أي تشريع الاحتلال بمنطق القوة
الحل الواقعي، يعني التصرف في حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وفي الإستقلال، وهو انتهاك لروح القانون الدولي ومن هنا محاولة تحييد القانون الدولي، كمرجعية أساسية لحل قضية الصحراء الغربية، باعتبارها قضية تصفية إستعمار