منذ الحلقات الاولى، ادركنا ان “دقيقة صمت” (سامر رضوان، وشوقي الماجري) يقدم طرحا دراميا لائقا. معالم القصة كانت توحي بالكثير .. والخطير في آن. نبش المخفي، وكشف المستور.. وتعرية الاجهزة الفاسدة في الدولة. تريثنا خشية ان يقع النص في الوهن والضعف، او يشوبه التطويل عبر حلقات مفرغة، الا ان العمل يبدو انه كسب الرهان.. ومعه كسبت كل من شركتي “ايبلا” و”الصباح اخوان”.
يمكن القول بأن “دقيقة صمت” (عرضته “الجديد” و”ابوظبي”) يساهم في تغيير المعادلة الدرامية السائدة في السنوات الاخيرة. أعاد الاعتبار للنص، الذي بات يفصّل غالبا على قياس المنتجين- التجار، او الطارئين على المهنة. فقدم الكاتب سامر رضوان سيناريو جريئا ومحبوكا ورشيقا في آن، بالشكل والمضمون، بالحنكة والتشويق. غيّر العمل قواعد اللعبة التلفزيونية القائمة على مقولة “الجمهور عايز كدة”، وقدم بديلا فيه عناصر القوة والمسؤولية. وبذلك فهو من الاعمال القليلة التي يتفق حولها الطرفان: جمهور ونقاد.
لعل الكاتب لا يستهين بالمُشاهد، او ربما يريد ان يرفع من ذائقته الفنية. وفي الحالين فقد اعاد العمل الى الدراما هيبتها، حيث للمخيلة خصوبتها، وللكلمة قيمتها، وللحوار سلطته، وللمغزى رسالته. يفضح مجموعة من الضباط الفاسدين والمجرمين بأمرة نافذين كبار في الدولة، وهؤلاء لا يعكسون الصورة في سوريا فحسب، بل انهم نماذج موجودة على امتداد وطننا العربي. علما ان الحلقة الأخيرة آثرت عدم التعميم. ثمة مسؤولون شرفاء، ولو قلة، لا يبيعون وطنهم. ويحمل ذلك إما تشخيصاً لواقع او املاً في وطن.
غير ان جدلية اخرى تم تناولها، وتتعلق بنظرة السلطة الى المجتمع وتطويعه لصالحها. هكذا بدا الناس مأخوذين بكذبة اخترعها “العميد عصام” (خالد القيش)، حول عودة “امير ناصر “(عابد فهد) من الموت. صدقها البعض وبل دافع عنها بقوة. وفي ذلك ادانة مزدوجة: للسلطة التي تنظر الى الناس كمجموعات ساذجة، ولهذا “البعض” من العامة المستند الى فرضيات ايمانية منزوعة المنطق. مما يسهّل التلاعب به.
من جهته، لعب المخرج الماجري دور الكاتب الثاني، قرأ النص بعينه ليعيد كتابته عبر الصورة. ضخ فيه العناصر المتخيلة التي تبث فيه روح الواقع. وأجاد ليس فقط لناحية واقعية الممثلين والاماكن، كالسجون وغيرها، بل ايضا في ضبط ابعاد الكادرات ودرجات الاضاءة… وقد سبق وتناولنا حرفية الابطال: عابد فهد، وستيفاني صليبا، وفادي صبيح وفادي ابو سمرا، ورنا شميس واياد ابو الشامات… كما شكل الفنان فايز قزق علاقة فارقة في العمل. كذلك خالد القيش، الشاب الذي اضيف الى عمره سنوات، والى أدائه قفزات من النضوج.
القصة تدور حول “موضوع ما بيخطر على بال جن”، وفق ما قاله “العميد صفوان”، ولكنه ببساطة خطر على بال الكاتب. اثنان من المحكومين بالاعدام تم تهريبهما، ليعدم مكانهما آخران يملكان اسرارا تدين سياسيين كبارا. وتشعبت الحكاية لاحقا لتصل الى إلقاء القبض على شبكة الفساد، وهروب كل من “العميد عصام” و”أمير ناصر”(احد المحكوميْن بالاعدام) الى لبنان.
إنها نهاية ليست نموذجية بطبيعة الحال، لأن الرجلين متورطان بجرائم قتل، كل من موقعه، وكان يُتوقع توقيفهما من ضمن الشبكة، تبعاً لمنطق الحكاية وعدالة القضية المطروحة، ونصرةً لفكرة الدولة او ما تبقى منها على الاقل. الا ان النهاية جاءت مفتوحة على كل الاحتمالات. فمع الهروب الأشبه بالنفي (الطوعي) خارج البلاد، قد تكون العودة يوما وقد لا تكون، وقد تتم المحاسبة يوما وقد لا تتم، ليغدو الرجلان “كورقة شجر بياخدا الريح بطريقه، من منعرف لوين بتوصلنا”، (حسب كلام “العميد عصام”). نهاية غير تقليدية مشغولة.. وقابلة للتأويل. ومعها ترتفع عدسة الماجري نحو سماء الوطن في لقطة ختامية، حاملةً دلالة رمزية بليغة