كلمة النائب الدكتور عدنان طرابلسي في الجلسة العامة لمناقشة الموازنة
الاثنين والثلاثاء 27-28 كانون الثاني 2020
دولة الرئيس،
الزملاء النواب،
يجتمع المجلس النيابي اليوم في جلسته العامة لمناقشة موازنة عام 2020 في جلسة تاريخية لعدة أسباب وجراء الظروف الدقيقة والمرحلة العسيرة التي يمر بها لبنان. هذه الموازنة التي بين يدينا هي موازنة أعدتها الحكومة السابقة بتعجل وتسرع وتخبط، حكومة استقالت تحت ضغط الشارع ثم نأت بمعظمها عن تصريف الأعمال وتركت الرياح تعصف بالشعب اللبناني كما عصفت هي به عندما كانت حكومة عاملة، ولكنها لضعفها وتخبطها جعلت الشعب اللبناني ينزل إلى الشارع استنكارا واحتجاجا. وازداد الطين بلة عندما تراجع سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار، وحجبت البنوك عن المودعين ودائعهم، وجعلتهم ومازالت يقفون في المصارف كأنهم متسولون، وارتفعت الأسعار ومعدلات البطالة، وأغلقت مئات الشركات والمؤسسات أبوابها، وما بقي منها يئن ويترنح وبالكاد يستطيع دفع أنصاف الأجور، وارتفع منسوب القلق والاضطراب لدى اللبنانيين إلى حد جعلهم يتذكرون أيام الحرب الغابرة.
أقول بكل صراحة إن هذه الموازنة هي أشبه ما تكون بورقة امتحان لطالب لم يدرس شيئا وإنما جاء إلى الامتحان خوفا من ولي أمره فكانت نتيجته الفشل والرسوب.
إنها موازنة توضع في وجه حكومة جديدة لا علاقة لها بها، أما الحكومة التي وضعتها فقد أصبحت من الماضي.
إنها موازنة لا أستطيع تحمل عبء الموافقة عليها لأنني أرى أنها غير قابلة للتطبيق.
إنها موازنة غير واقعية اعتمد فيها مبدأ “التشحيل” والتخفيض بلا دراسة في الغالب، مثال ذلك أنها رحّلت بعض النفقات اعتباطيا إلى موازنات الأعوام القادمة فقط لتقول إننا خفضنا عجز الموازنة.
عن أية موازنة نتحدث في غياب الواردات منذ أكثر من ثلاثة أشهر؟
عن أية موازنة نتحدث وحركة الاعتراض الشعبي ما زالت في الشارع تطالب بالإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد.
عن أية موازنة نتحدث والأموال المنهوبة ما زالت منهوبة؟
عن أية موازنة نتحدث في ظل غياب الجواب الشافي عن ضياع الأموال الهبة التي دفعها الاتحاد الأوروبي لمعالجة البنى التحتية وفرز النفايات؟
لذلك فإننا ندعو الحكومة الجديدة إلى عدم الوقوع فيما وقعت فيه سابقتها، وندعوها إلى خطة إنقاذ حقيقية اقتصادية ومالية واجتماعية وبيئية وصحية، وننصحها أن تكون جدية وأن تتحمل المسؤولية ولا تضحك علينا بموازنة واهية جديدة لعام 2021 كمن يخفي رأسه تحت التراب.
نعم لا نريد موازنات واهية، نريد دعما حقيقيا للصناعة والزراعة وقطاعات الإنتاج. نريد خططا حكومية وموازنات تحقق لنا الأمن الصناعي والأمن الغذائي والأمن الاجتماعي.
لا نريد أن نكون دولة تتسول الأموال من الدول والصناديق الدولية.
نريد دولة تجلب ثقة الشعب بها وثقة المجتمع العربي والدولي.
نريد دولة تجعل اللبنانيين المغتربين أكثر تعلقا بوطنهم، لا يأتون إليه فقط للسياحة وزيارة الأهل بل للاستثمار وبناء المشاريع المنتجة.
نريد دولة تجلب الاستثمارات ورؤوس الأموال العربية وحتى الأجنبية.
نريد دولة تعتمد الحوكمة وهي مجموعة من المعايير والإجراءات التي تجعل وزارات وإدارات ومؤسسات الدولة تسير بشفافية وانتظام وتخفف من مخاطر الفساد والروتين الإداري.
عن أي موازنة نتحدث والبنى التحتية في خبر كان؟ منذ سنوات ونحن نسمع عن استثمارات في البنى التحتية والاستدانة في سبيل تطويرها، وقد تم تصنيف لبنان على أنه في المرتبة 118 من أصل 138 من حيث البنى التحتية. ومليار ونصف مليار دولار تقريبا تم إنفاقها لتطوير الصرف الصحي، ومع هطول الأمطار وهبوب العواصف يغرق المواطنون والبيوت والسيارات. أين الشفافية والمصداقية في صرف الأموال؟ وأين هي معايير الجودة؟ بل أين هي أصلا هذه البنى التحتية؟
عن أية موازنة نتحدث في غياب خطة لحدودنا البرية والتصدير من خلالها لنوصل السلع اللبنانية إلى الأسواق العربية؟
لماذا نقتل زراعتنا وصناعتنا ولا نفتح لها أبواب التصدير البري؟
وكم خشيتنا كبيرة أن نكون في مواجهة قرار خفي بجعلنا دولة فقيرة متسولة بلا سيادة ولا حرية ولا استقلال، دولة تملك تحت الأرض الغاز والنفط ولكنها تعيش فوق الأرض في حالة العوز والترنح والتخبط في الفساد.
عن أية موازنة نتحدث ونحن ما زلنا نقول إننا دولة سياحية، نعم سياحية ولكن مع انقطاع الكهرياء والمياه وعدم القدرة أو النية للاستفادة من النفايات بدل أن تكون عبئا ماليا وبيئيا.
عن أية موازنة نتحدث والحكومات تبحث في جيوب المواطنين والمزيد من الضرائب والرسوم بدل البحث عن بدائل علمية وعصرية؟
عن أية موازنة نتحدث بغياب الخطة الحكومية لتطوير قطاع الاتصالات بدل جعله مزرابا للهدر والمحسوبيات والتنفيعات؟
عن أية موازنة نتحدث والكهرباء ما زالت تكبد خزينة الدولة خسارة مقدارها مليارا دولار سنويا علما أن بلدا صغيرا كلبنان يمكن أن تعالج فيه مشكلة الكهرباء بوقت قصير وتكاليف هي أقل بكثير من الهدر القائم.
عن أية موازنة نتحدث وهناك الكثير من المؤسسات التي لا دور لها ولا عمل إلا كونها مزرابا للهدر؟
عن أية موازنة نتحدث والدولة ما زالت تدفع مبالغ طائلة بلا مبرر بدلات إيجار لمبان حكومية؟
زملائي النواب،
الناس في الشارع يطالبون بمحاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين ونحن مع هذه المطالب.
ونحن أمام مرحلة مفصلية ومسؤوليات كبيرة. وعلى المجلس النيابي أن يمارس دوره في المحاسبة، محاسبة الحكومة الجديدة
ومطالبتها بتحقيق مطالب الشعب ووضع حد للفساد والقهر والفوضى الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي يرزح تحتها الشعب اللبناني.
وأختم بالقول إنني لا أستطيع تحمل عبء الموافقة على موازنة غير واقعية وغير قابلة للتطبيق.
حمى الله لبنان وسدد خطى الصادقين الغيورين المخلصين.