المصدر : هآرتس
- لقد بذلت إسرائيل جهدها خلال الأيام الماضية، و”بصورة غير رسمية”، لعرض صور يظهر فيها عشرات الغزيين المعتقلين عراة، موجهة إياها إلى الرأي العام الإسرائيلي، وإلى الخارج أيضاً؛ الساحة الفلسطينية، والعربية، والدولية. وكان الهدف منها إظهار علامات الانكسار وفقدان السيطرة في صفوف حركة “حماس”، حتى بعد أن اتضح، في أثر رجعي، أن أغلبية المعتقلين ليسوا من عناصر “حماس” أو مقاتلي قوة النخبة التابعة لها، لكن الرسالة قد وصلت. على مدار الأيام الماضية، خرجت من القطاع صور مريحة أكثر للعين الإسرائيلية، ظهر فيها، على سبيل المثال، ضباط في الجيش الإسرائيلي وخلفهم العلم الإسرائيلي في ميدان فلسطين، في قلب مدينة غزة.
- ربما لم يبث جهاز الإرسال العسكري الإسرائيلي عبارة “غزة صارت في أيدينا” [في إشارة إلى العبارة التي انتشرت بعد حرب 1967 على لسان أحد ضباط المظليين الإسرائيليين “القدس صارت في أيدينا”]، لكن هذه هي الرسالة المقصودة عملياً وراء كل ما سبق، ففي سنة 1967، نفخ الجنود في الصور في حائط البراق، وها هم الآن يشعلون شموع عيد الأنوار في قلب مدينة غزة. ويمكن أن يضاف إلى هذه الصور أيضاً ذلك “التوثيق الاحتفالي” المتمثل في تفجير مبنى المحكمة في غزة، إلى جانب المباني العامة ورموز السلطة الأُخرى، أو الأبراج المألوفة في المشهد الغزي، على غرار أبراج الإعلام والتجارة. فهل هنالك ما هو أفضل من تمثيلات بصرية كهذه لتبرير أهداف الحرب، وسحق حركة “حماس”؟
- أمّا وسائل الإعلام التي تتحدث بلسان التيار السائد في إسرائيل، فهي، تقريباً، لا تقوم مطلقاً بتغطية عواقب الحرب على الحياة المدنية في قطاع غزة، وهي تتجاهل بصورة صارخة عمليات القتل والتدمير التي لا يمكن تصورها هناك. وعلى عكس وسائل الإعلام هذه، فإن وسائل الإعلام الفلسطينية والشبكات العربية تقوم ببث كل شيء؛ من القطاع ومن إسرائيل، من دون فلترة تقريباً، أو تحرير. فكل شيء مناسب للبث، وما لا يناسب البث يجد طريقه إلى وسائل التواصل الاجتماعي، ومقاطع الفيديو التي تنتشر عبر مجموعات واتساب أو تطبيقات تليغرام.
- حظيت مقاطع الفيديو التي يظهر فيها المعتقلون عراة باهتمام واسع في الساحة الفلسطينية، ولم يحاول أحد إخفاءها، إنما على العكس، فقد حاول كثيرون البحث في ملامح المعتقلين عن معارف أو أقارب، في محاولة لقول إن الحديث لا يدور بشأن عناصر حركة “حماس”. وفي إطار المعركة لاستقطاب الوعي، كان هناك فلسطينيون عرضوا هذه الصور واصفين إياها بأنها علامة ضعف في الجانب الإسرائيلي؛ إذ تبذل إسرائيل جهوداً من أجل البحث عن صورة انتصار بعد شهرين من المعارك. وهذا بينما ادعى آخرون أن الصور تثبت أن إسرائيل أطلقت حربها لتنتقم من الغزيين، سواء أكانوا منتسبين إلى “حماس” أو أي منظمة أُخرى أم لا.
- وإن ادعاءات كهذه هي السبب وراء انتشار عدة صور ومقاطع فيديو توثّق الأذى اللاحق بالمدنيين في القطاع، وخصوصاً الأطفال والرضع، إلى جانب من يبحثون عن أفراد أُسرهم تحت الأنقاض. ونظراً إلى حجم الدمار والقتل الهائلَين في قطاع غزة، فإنه ما من حاجة إلى بذل جهد استثنائي للعثور على توثيق كهذا. وهكذا، وبعيون فلسطينية، فإن “نجوم” الحرب الراهنة ليسوا المسلحين الملثمين الذين يضعون على رؤوسهم عصابة خضراء، ولا يحيى السنوار أو أبو عبيدة، الناطق باسم الذراع العسكرية لحركة “حماس”، إنما هم الأطفال في القطاع، والذين ينصب عليهم أغلب الاهتمام، وهؤلاء هم الذين يقعون في قلب المعركة على الوعي في الساحتين العربية والدولية.
- في هذه المعركة، يتضح أنه ما من منتصرين ولا خاسرين، وأن إسرائيل ستواصل بث صور تُبرز حاجتها إلى مواصلة القتال، وتبرر ضرب حركة “حماس” رداً على “مذبحة” السابع من تشرين الأول/أكتوبر. أمّا الفلسطينيون، فسيواصلون بث التقارير عن العدوان الإسرائيلي غير المسبوق أو الملجوم، وإلحاق الأذى بالمدنيين، وخصوصاً في صفوف النساء والأطفال.
- لكن، وفي نهاية المطاف، فمن المشكوك فيه أن يتمكن أي من الطرفين من تقديم صورة انتصار، وحتى بعد أن تضع هذه الحرب أوزارها، فسيجد الطرفان نفسيهما متقابلَين، وسيُضطران مجدداً إلى البحث عن طريقة للعيش معاً، أو جنباً إلى جنب. سيظل وراء هذه الصور الواقع الذي لن يتمكن أي من الطرفين من إنكاره.