وقد أوضح تلك النقطة نابليون بونابرت حين أكد أن حرب العقل أقوى من حروب الأسلحة.
ورغم أن الحرب النفسية فرضت نفسها على البشرية منذ أقدم العصور، ورغم تبلور أهميتها ودورها في الحرب العالمية الأولى وفترة ما بين الحربين فقد أصبح استخدامها المعاصر أكثر اتساعا وتعقيدا مع توفر وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري؛ والتي أمكن بواسطتها الوصول إلى الملايين لمحاولة التأثير عليهم وتغيير سلوكهم، وزاد من أهميتها أيضًا استعاضة القوى العالمية الصراع المادي بالحرب النفسية، إضافة إلى ما تعانيه حاليًا كل المجتمعات تحت وقع ضربات الحرب النفسية المتتالية من انسحاق نفسي وروحي، لهذا كان موضوع الحرب النفسية من أخطر موضوعات الساعة محليًّا وعالميًّا، وليس الآن فقط وإنما في كل الظروف والأحوال.
مفهوم الحرب النفسية:
التعريف اللغوي: هي حرب معنوية أو سيكولوجية، اختلف المتخصصون في مبناها اللغوي؛
فمنهم من يطلق عليها حرب العصابات والحرب الباردة ومنهم من يطلق عليها حرب الأفكار والحرب الدعائية، ولكنهم جميعا اتفقوا على معناها القائل بإنها شكل من أشكال الصراع الذي يهدف إلى التأثير على الخصم وإضعاف معنوياته وتوجيه فكره وعقيدته وآرائه، لإحلال أفكار أخرى مكانها تكون في خدمة الطرف الذي يشن الحرب النفسية.
التعريف الاصطلاحي: هي استخدام الأنشطة التي تسبب الخوف والقلق لدى الأشخاص الذين تريد التأثير عليهم دون الإضرار بهم جسديًا.
وردت عبارة «الحرب النفسية» لأول مرة في مؤلف الكاتب الألماني الكولونيل بلاو، وكان رئيسًا للمعمل النفسي بوزارة الدفاع، وقد أصدره عام 1930 بعنوان «Propaganda ale wathe»، حيث وضع فيه أسس الحرب
النفسية، ثم شاعت عبارة «الحرب النفسية» خلال الحرب العالمية الثانية من قِبل الحلفاء ودول المحور على السواء، وكانت تعبر عن الدعاية المبنية على الاستفادة من دروس علم النفس، ومن بين أولى التعريفات للحرب النفسية في الجيش الأمريكي، التعريف القائل بإنها: «استخدام أي وسيلة بقصد التأثير على الروح المعنوية وعلى سلوك أي جماعة لغرض عسكري معين»”، ثم عُرفت في معجم المصطلحات الحربية للجيش نفسه بأنها: (استخدام مخطط من جانب الدولة في وقت الحرب أو في وقت الطوارئ لإجراءات دعائية بقصد التأثير على آراء وعواطف ومواقف وسلوك جماعات أجنبية عدائية أو محايدة أو صديقة، بطريقة تعين على تحقيق سياسة الدولة وأهدافها).
وقد عُدل هذا التعريف في طبعة المعجم اللاحقة بحذف كلمتي «في وقت الحرب أو في وقت الطوارئ»، لأن مجال الحرب النفسية لا يقتصر على هذه الأوقات فقط.
وهناك نسخة خطية للبحرية الأمريكية أُعدت عام 1946م وأعيد كتابتها عام 1950 جاء فيها « إن المهمة الأساسية للحرب النفسية هي فرض إرادتنا على إرادة العدو، بغرض التحكم في أعماله بطرق غير الطرق العسكرية ووسائل غير الوسائل الاقتصادية.
هذا ولا يوجد تعريف محدد للحرب النفسية، فهي مرتبطة بالعلوم النفسية والاجتماعية، وظهرت نتيجة ثمار الوعي النفسي والتطبيق العملي للعلوم النفسية الحديثة، وعلى الرغم من كونها ليست بالحرب المعروفة حيث الأسلحة والذخائر فإنها لا تقل ضراوة وفتكًا عن الحروب العسكرية، سلاحها الكلمة التي تؤثر بالسلب أو الإيجاب على المعنويات، بالإضافة إلى المشاعر والمواقف وتصرفات المجموعات المعادية أو المحايدة أو الصديقة لتغيير السلوك نحو الهدف والمقصد التي وجهت إليه الحرب النفسية، وذلك دعمًا لسياسة أو لأحداث راهنة، أو لخطة عسكرية، في ظروف الحرب أو الأزمات والمواجهات.