أطفالٌ، طفولتهم تحت النار / بتول عرندس

✍ بتول عرندس

 

أطفالٌ، طفولتهم تحت النار

 

 

هم أطفالٌ وليسوا محاربين، هم تلاميذٌ وليسوا طرفًا في النزاع، فلما استهدفتهم آلة القتل والإجرام والهنجعية؟! أي حكايةٍ سيذكرها القلة الباقية الناجية من شراسةِ العدوان؟! ألإنهم أطفالٌ يمنيون، لا حيلة لهم ولا قوة، أم لأنهم أبناء أمةٍ رفضت الخضوع والخنوع والتبعية. كيف ودّعت الطفولة أرض الوطن، وكيف كانت آخر اللحظات؟!

 

وكأني عند حطام حافلتهم وشرارات النار وألهبة الدخان، أسمع تنهيدةٍ طفلٍ يلفظ آخر أنفاسه. عذرًا أماه، يمناه، فلما يعد الوطنُ وطنًا ولم تعد الحياةُ حياة. مهاجرًا أنا، مودعًا أرض الموتِ اليباب، فهنا لا قلمٌ أخطُ بهِ أحلامي ولا ألوانًا أصبغُ بها امنياتي ولا قصصًا تؤنس وحشتي في ليالي الموت القاتمة.

 

وداعًا أماه، فأنا في عين المعتدي لم أعد طفلًا، لم أكن طفلًا، ولن أكون طفلًا. انا جرثومةٌ تهدد خشونة قلوبهم السوداء، أنا سلاحٌ يهز مضاجع ضمائرهم المخدّرة، أنا ماءٌ يطفىء نار حقدهم وعدوانهم وبغيهم وجبروتهم. راحلٌ أنا، وحقيبتي الزرقاء التي لم تسعف طفولتي تركتها للموتى علّهم يفيقون مم سباتهم وعارهم، فتمنح الحياة حياةً وتمنحُ الطفولةُ طفولة.

 

لن تسهري بعد الآن، لن تقلقلي على دراستي فأنا اختصرتُ العمر وها أنا ماضٍ بصبرٍ ومضض. خططتُ في دفتر ذكرياتي معاناة الموت واصوات المدافع وأنين الجياع وآهات اليتامى. مؤلمٌ كيفُ تساقُ الطفولة نحو مذبحِ الموتِ يا أمي، ببنما يتمتعُ أطفال العالم بقضاءِ إجازة الصيفِ هنا وهناك.

 

سأبحرِ ومعي طفلُ غزة وطفلُ الروهينجا وأطفالٌ من عالمٍ أحرقته نيرانُ الأجندات العدوانية. لملمي شتات أشلائي واحتفظي بزي مدرستي الملطخ بالدماء، علّك تمسحين به ضمير الموتى ذات يومٍ فيرتد إليهم البصر. أنا موسى، ضعيني في صندوقٍ وألقيني في اليم، وانتظري سقوط فرعون زمني لتقر بالفرجِ والنصرِ عيناكِ. صبرًا يا حلوتي، يا ابنة اليمن العزيز، فقلبُك هذا سينتقمُ من جبورتهم، وإن غدًا لناطرهِ القريب.

موضوعات ذات صلة