دماء على درب الحسين: قافلة “آل الرميمة”.. شهداء لا ينقطعون
كتبت / عبير عبدالحكيم الجنيد
لم تتوقف قافلة العطاء.. لم تجف ينابيع البذل. ها هي أسرة “آل الرميمة” الأبية تقدم وردة جديدة من بستان شهدائها، ليلتحق الشهيد البطل نصر الدين جميل الرميمة بركب أسرته الذي لم ينقطع منذُ بداية العدوان. إنها قافلة لا تعرف الوهن أو الاستكانة، تسير بثبات على درب الشهادة، كأنما كتب عليها أن تكون امتداداً لدرب لم ينقطع منذ كربلاء.
لن أنسى ذلك الصوت..
ربما لم أكن حاضراً بينهم جسداً، لكنني سمعت صدى جراحهم عبر هاتف يتنفس ألماً. وقت الحادثة اتصلت بأخت من بيت الرميمة بعد “حادثة الإبادة التي ارتكبت بحقهم “، وكان صوتها يحمل في طياته كل معاني الصمود. كانت تحكي، فأرى المشهد أمامي: دموع لا تسقط، قلوب تنزف إيماناً، ونفوس تتعالى فوق ألم الدنيا. كان صبراً لا يمكن أن يصدر إلا عن قلوب تعلقت بالله عز وجل، وارتوت من معين الحسين عليه السلام.
ثم دار العام، وضربت آلة الإبادة أسرة “بيت الجنيد” في تعز، فاهتزت مشاعري وكأن الجرح نفسه يعاد. وقتها فقط أدركت أن ما سمعته لم يكن مجرد حكاية، بل كان مدرسة كاملة في الثبات والعزيمة.
فأدركت أن كربلاء اليمن.. مشاهد لا تُمحى
وفي العاشر من محرم، وفي المسيرة التي أقيمت في صنعاء بينما كانت السماء معتمة كأنها تشاركنا الحداد، وقفت في المسيرة. وعندما كنت أتذكر الحادثة التي حصلت مع أسرة بيت الجنيد تذكرت أسرة آل “الرميمة” وكأني أقرأ في أعينهم المشهد نفسه. لقد أعادتهم الذكرى إلى ذلك اليوم المشؤوم، يوم “انتصار الدم على السيف”، يوم كربلائهم.
فكيف لأحد أن يسمع تلك الحادثة ولا يتخيل ذلك المشهد مشهد الإبادة: منازل أُحرقت حتى تحولت جمراً وغباراً. أضرحة هُدمت كأنما يريدون محو الذكرى والروح. أجساد شيوخ طاعنين في السنّ تُذبح بلا رحمة. شباب في ريعان العمر تُقطع أطرافهم ثم يُرمون من فوق شاهق. نساء،مرضى، رُضّع.. لم يحترم جسد ولا قدسية. ومن نجا من الموت ،اقتحمته أقبية التعذيب في سجون المرتزقة، ومنهم من فقد أثره، وبقيت أسرته معلقة بين شفا اليأس والأمل، يتمنون أن يكون غائبهم شهيداً يُزار، على أن يكون مفقوداً لا يُدرى أين استقر به العذاب.
فأصبحت تلك الدماء متصلة.. وأصبحت عهد خالد
إنها ليست مجرد تضحيات، إنها قربان عظيم قدّموه لله عز وجل. كيف لا يكون عظيماً وهم يسيرون على نهج جدهم الحسين؟ لقد أصبحت دماؤهم الزكية امتداداً لتلك الدماء التي سُفكت في أرض كربلاء، وارتبط مصير رجالهم بمصير أصحاب الحسين عليه السلام، فلم يخلُ مشهد اليوم من صدى مشهد الأمس.
إن الجريمة التي ارتكبت بحق هذه الأسر ليست مجرد قتل، إنها عملية تطهير عرقي، إبادة لذكرى وشرف وأرض. لقد أرادوا أن يقتلعوهم من جذورهم، فلم يعلموا أنهم يغرسونهم في قلب التاريخ.
فسلام على الثكالى.. وموعدكم الجنة
فسلامٌ عليكم أيها الآباء الذين شيّعوا أبناءهم وهم يرفعون راية الإيمان. سلامٌ عليكم أيها الأمهات التي أرضعتموهم حليب العزة حتى شربوا من كأس الشهادة. سلامٌ عليكم أيها الأبناء الذين تربّيتم في حجر الشهادة، فصبرتم جميلاً.
أما العزاء.. فهو أن موعدكم الجنة، بجوار الحسين وأهل الحسين وأصحاب الحسين. فأنتم منهم، ودماؤكم من دمائهم، وعهدكم من عهدهم.
لن تنقطع القافلة.. ما دام في العروق دماء، وفي القلوب إيمان، وفي الذاكرة.. كربلاء.
—
الواقع برس اخبار محلية وعالمية