التعبئة التربوية في فكر السيد هاشم صفيّ الدين
أولًا: المفهوم العام للتعبئة التربوية
يقدّم السيد هاشم صفيّ الدين مفهومًا واسعًا للتعبئة التربوية يتجاوز الأطر الأكاديمية التقليدية. فهي عنده ليست مجرد عملية تعليمٍ أو تلقينٍ للمعرفة، بل منهج لبناء الإنسان المقاوم فكريًا وروحيًا وأخلاقيًا.
التربية، كما يراها، هي أداة إعداد الأجيال القادرة على حمل الأمانة، وصيانة القيم، ومواجهة الانحرافات الفكرية والحروب الناعمة التي تستهدف المجتمع من الداخل.
ويرى السيد أن التعبئة التربوية ليست وظيفة محدودة بمؤسسة أو جهاز، بل هي مسؤولية جماعية تشمل المدرسة، البيت، المسجد، الجامعة، الإعلام، والحركة الثقافية بأكملها. فكلّ ساحة في المجتمع يمكن أن تكون ساحة تربية وتعبئة، إن حُملت بروح الرسالة.
ثانيًا: الأهداف الجوهرية للتعبئة التربوية
فكر السيد هاشم، للتعبئة التربوية أهداف عميقة متشابكة، أبرزها:
1. بناء وعي مقاوم
أن يفهم الجيل قضيته، ويعي موقعه في الصراع، ويُدرك أن المعركة ليست فقط عسكرية بل فكرية وثقافية.
لذلك يربط السيد دائمًا بين العلم والمعرفة من جهة، وبين الالتزام العقائدي والوطني من جهة أخرى.
2. تحصين المجتمع من الغزو الثقافي والإعلامي
يعتبر السيد أنّ أخطر أنواع الحروب هي تلك التي تستهدف الفكر والقيم، فيقول في أحد خطاباته:
> “العدو اليوم لا يحتاج إلى قنابل ليهدمنا، بل إلى فكرة مغلوطة تزرع في عقول شبابنا.”
لذا فإن التعبئة التربوية في رؤيته هي خطّ الدفاع الأول ضد الانهيار القيمي.
3. إعداد جيل مؤمن بالرسالة ومؤتمن على الاستمرار
الجيل الذي لا يتلقى فقط مفاهيم المقاومة، بل يعيشها وجدانًا وسلوكًا.
فالتعبئة التربوية تهدف إلى إنتاج الإنسان الرسالي الذي يفكّر بعقل الإسلام، ويتحرّك بروح المقاومة، ويخدم المجتمع بوعيٍ ومسؤولية.
—
ثالثًا: المنهج التربوي في فكر السيد هاشم
يرتكز المنهج التربوي عند السيد هاشم على ثلاثة أبعاد رئيسية:
1. البعد الإيماني – الروحي
التربية تبدأ من بناء العلاقة بالله، لأن الإيمان هو الذي يمنح الثبات في الميدان، والسكينة في زمن المحن.
فالمجاهد المربّى على التقوى لن تزلزله الشبهات ولا الترغيب ولا الترهيب.
2. البعد الفكري – المعرفي
السيد هاشم يشدد على أنّ المعرفة ليست ترفًا، بل سلاح مواجهة.
لذلك يدعو إلى توسيع الثقافة الإسلامية والقرآنية عند الشباب، وتعميق الوعي بتاريخ الصراع مع العدوّ، وفضح أساليب الاختراق الثقافي والإعلامي.
3. البعد الاجتماعي – الأخلاقي
التربية لا تكتمل من دون سلوك قيمي، فالمربّى في مشروع التعبئة يجب أن يكون قدوة في الانضباط، التواضع، والإخلاص في العمل.
هو يربط دائمًا بين الأخلاق والفاعلية، معتبرًا أن “التربية الحقيقية تُقاس بقدرة الإنسان على خدمة الناس لا على عدد شهاداته”.
—
رابعًا: دور المربي والمؤسسة
في فكر السيد، المربي ليس ناقلًا للمعلومة، بل قائدٌ للوعي وبانٍ للشخصية.
لذلك يشدد على صفات المربي الرسالي:
أن يكون قدوة في السلوك قبل التعليم.
أن يتعامل مع المتعلمين بروح الرحمة والمسؤولية.
أن يدرك حساسية المرحلة التي يعيشها الجيل الجديد في زمن الانفتاح الإلكتروني والتشويه الإعلامي.
أما المؤسسة التربوية، فهي عنده ركيزة المقاومة الناعمة، إذ تُنتج الفكر الواعي، وتحافظ على الهوية الثقافية والدينية للأمة. لذا كان يؤكد دائمًا على أهمية التكامل بين التعبئة التربوية والثقافية والإعلامية ضمن رؤية واحدة تخدم المشروع العام للمقاومة.
—
خامسًا: العلاقة بين التعبئة التربوية والمقاومة
من أبرز ما يميّز رؤية السيد هاشم أنه لا يفصل بين التربية والمقاومة، بل يراها مقدمة طبيعية لها.
فالمقاوم الحقيقي يولد من مدرسة تعبئةٍ تربويةٍ متكاملة.
هو لا يقاتل بدافع الغضب أو الحماسة فقط، بل بإيمانٍ عميقٍ وفكرٍ واضحٍ وبصيرةٍ نافذة.
ويؤكد السيد في أكثر من مناسبة أن “الميدان العسكري يحتاج إلى وعيٍ يحميه، كما يحتاج السلاح إلى عقلٍ يوجّهه”، ومن هنا تأتي أهمية التعبئة التربوية التي تمنح المجاهد وعي الهدف ومعنى التضحية.
—
سادسًا: التعبئة التربوية في مواجهة التحديات المعاصرة
في ظلّ التحديات الراهنة – كالحرب الإعلامية، التكنولوجيا المضلِّلة، تفكك الأسرة، والضغط الاقتصادي – يرى السيد هاشم أن التعبئة التربوية يجب أن تتطوّر بأدواتها وأساليبها، من دون أن تفقد جوهرها.
فهي مطالبة اليوم بأن تخاطب الشباب بلغة قريبة منهم، تجمع بين الأصالة والحداثة، وتقدّم نموذجًا عمليًا للإيمان الواعي لا المنغلق.
ويعتبر أن الانتصار في المعارك القادمة لن يكون بالسلاح وحده، بل أيضًا بقالتعبئة التربوية في فكر السيد هاشم صفيّ الدين هي مشروع نهضة متكامل، يُعيد للإنسان موقعه كصانعٍ للكرامة والوعي والانتصار.
إنها ليست نشاطًا مؤسساتيًا، بل حركة مستمرة لبناء الذات والمجتمع على قاعدة الإيمان والمعرفة والمقاومة.
ومن خلالها أراد السيد أن يؤسس لجيلٍ لا يكتفي بأن “يعرف المقاومة”، بل يعيشها فكراً ووجداناً وسلوكاً.درتنا على إنتاج جيلٍ مثقفٍ، ثابتٍ، متجذرٍ في قيمه، منفتحٍ في فكره، ومخلصٍ في عمله.
—
خاتمة