يُعدّ السيد هاشم صفي الدين من أبرز قيادات حزب الله في العقدين الماضيين، وشُخص كمحور مركزي في توازن القوى داخل التنظيم وفي علاقاته الإقليمية. هذه الورقة تحلل أسباب المكانة والتأثير وتستعرض كيف تترجَم هذه العناصر إلى ما يراه العدو “تهديدًا” عمليًا واستراتيجياً.
1. التاريخ والنشأة والمسار التنظيمي
1.1 النشأة والتعليم المبكّر
وُلد هاشم صفي الدين في بلدة دير قانون النهر (قضاء مرجعيون)، ونشأ في بيئة اجتماعية ودينية مرتبطة بالمدارس التقليدية للحوزة الشيعية. بعض المصادر تذكر دراسته في حوزة قم في إيران ثم عودته إلى لبنان للمشاركة في عمل التنظيمي.
1.2 المراحل الأولى داخل الحزب
في منتصف التسعينات ظهر اسمه ضمن قيادات حزب الله المحلية؛ عُيّن لاحقًا لرئاسة قطاع بيروت أو لحلول قيادية محلية ثم صعد إلى عضوية مجلس الشورى في المنظمة (المرجعية التشورية).
1.3 تطوّر دوره وصولاً إلى رئاسة المجلس التنفيذي
منذ أوائل القرن الحادي والعشرين تقلّد مناصب تنفيذية أولية ثم رُئِيَ المجلس التنفيذي للحزب، وهو الجهاز الذي يدير الشؤون السياسية والإدارية والاجتماعية للحركة. بمرور الوقت صار يُنظر إليه “كمرشحٍ طبيعي” لخلافة القيادات العليا، وتحوّل إلى إطار مؤسسي ثانٍ بعد مركزية نصرالله.
2. المناصب والصلاحيات (تفصيل تنظيمي)
2.1 رئيس المجلس التنفيذي
المجلس التنفيذي مسؤول عن الإدارة اليومية لهيكل الحزب: المؤسسات الاجتماعية، المؤسسات الإعلامية، الشبكات الخيرية، والإشراف العام على الساحة السياسية. كرئيس لهذا المجلس، كان لصفي الدين دور كبير في رسم سياسات الحزب المدنية والتنظيمية.
2.2 عضوية مجلس الشورى والمجلس الجهادي
مجمل مساراته تضمنت عضوية في مجلس الشورى (الهيئة الاستشارية العليا) وفي المجلس الجهادي الذي يُنسق الشق العسكري ــ هذا المزيج بين مسؤولية سياسية وتنفيذية وعسكرية يضع حامل المنصب في موضع تأثير مزدوج.
2.3 موقعه داخل تسلسل القيادة (الرجل الثاني/خلافة محتملة)
على مدار سنوات اعتبرته تحليلات عدة مرشحًا أو خليفة محتملاً للأمين العام، إذ يجمع بين الشرعية التنظيمية (عضويته في الهيئات العليا) والروحية (كمرجع شيعي). هذا وضعه في خانة مسؤولية استراتيجية وليس مجرد موظف إداري.
3. شبكة العلاقات الإقليمية والدولية
3.1 الروابط مع إيران ومراكز القرار في طهران
سجلّه السياسي والتنظيمي يتقاطع مع علاقات عمل وثيقة مع مؤسسات وقادة في طهران، وهو ما منحه غِنىً في الموارد، دعمًا استراتيجياً، وتبادل معلوماتي. هذه الصلة تجعل أي قرار أو موقف له تأثيرًا يتجاوز حدود لبنان.
3.2 الاتصالات مع حركات محور المقاومة (سوريا، العراق، اليمن، وفصائل فلسطينية)
كقائد إداري/تنسيقي، لعب دور حلقي في التنسيق مع جهات وإطار إقليمي يضم فصائل ودوائر استخباراتية وسياسية وعسكرية؛ وهذا يضاعف قدرة حزب الله على الحركة والتكيّف عبر القنوات الإقليمية.
3.3 شبكات محلية واحتماعات داخل المجتمع اللبناني
داخل لبنان، كانت له علاقات مؤسسية مع مؤسسات الرعاية والخدمات والتعليم والحِراك الاجتماعي الذي يُعتبر مصدر الشرعية الشعبية؛ هذا الربط يشكل غطاءً للمشروع وشبكة دعم زمن الأزمات.
4. أدوات القوة: عسكرية، استخبارية، مالية (تحليل تفصيلي)
4.1 البعد العسكري
التنسيق بين السياسة والميدان: وجوده في هياكل مثل المجلس الجهادي يعطيه اطلاعًا على التخطيط العملياتي (استراتيجيات الدفاع والهجوم والرد). هذا يشمل إدخال موارد لوجستية، توجيه تشكيلات ميدانية، وتحديد أولويات الأهداف.
القدرة على التعبئة المحلية: عبر بنى الحزب المجتمعية يستطيع تنظيم عمليات تعبئة سريعة على المستوى المحلي أو الإقليمي عند الضرورة.
4.2 البعد الاستخباري
شبكات جمع وتحليل المعلومات: من خلال موقعه التنفيذي يمكنه الإشراف أو التنسيق مع خيوط استخباراتية داخلية وخارجية — شبكات غير رسمية، قواعد بيانات، وجسور مع أجهزة حليفة. هذا يجعل من استهدافه أو تعطيله هدفًا ذا قيمة استخباراتية كبيرة للعدو.
قدرة التخطيط السري: إشرافه على ملفات تنفيذية يمنحه دورًا في تصميم سيناريوهات ردة فعل أو عمليات مؤثرة يصعب تتبّعها أمام مراقبة خارجية.
4.3 البعد المالي واللوجستي
إدارة الموارد: المجلس التنفيذي يتعامل مع مؤسسات قريبة من الحزب تتولّى جمع التبرعات، إدارة الموظفين، المشاريع التنموية، وما شابه — أي أدوات قد تُستخدم أيضًا لدعم القدرات العسكرية والخدماتية.
التصنيفات والعقوبات الدولية: إدراج اسمه في قوائم عقوبات أمريكية وغربية يُظهر أن دولًا اعتبرت وجوده محورًا في شبكات تمويل وأنشطة يصنّفونها تهديدًا — وهو ما أثر بدوره على طرق تحرّك شبكاته المالية ولكنه لم يلغِ إمكانياتها كليًا.
5. لماذا يُخيف العدو؟ ربط الخصائص بالتهديد العملي
1. مركزيته في صنع القرار وتكامل الأدوار: جمعه بين الصلاحيات السياسية والإدارية والعسكرية يجعل أي إجراء ضده لا يقتصر على تأثيرٍ على منصب واحد بل يمس حلقة كاملة من القيادة.
2. شبكته الإقليمية: علاقته بطهران ومحور المقاومة تحوّل تأثيره إلى امتداد إقليمي—استهدافه قد يستدعي ردودًا ليست محلية فقط.
3. القدرة على الاستمرارية والتعويض: وجود هيكل قيادي قادر على التعويض وشرعية داخل الحزب يخفف من أثر “قطع رأس القيادة” وعليه تقلق هذه الاستمرارية العدو.
4. الأبعاد الاستخبارية والمالية: شبكات الدعم والتمويل والاستخبارات تجعل منه عامل قدرة حقيقي يعقّد من مهمة تعطيل إمكانيات الحزب عبر وسائط تقليدية.
خاتمة مختصرة
مما سبق نخلص إلى أن مصدر “خوف العدو” من هاشم صفي الدين لم يكن نتاج صفة واحدة بل نتيجة التقاطع بين مركزية القرار، امتداد العلاقة الإقليمية، امتلاك أدوات مالية واستخبارية، والقدرة على الاستمرارية المؤسسية. لذلك فإن أي استراتيجية موجهة ضده تواجه تحديات متعددة الأبعاد — تكتيكية وسياسية واجتماعية — ما يجعل مقاربة الخصم لها طابعًا مركّبًا بين الضربات السريعة والحملات الطويلة الأمد.