لماذا المفاوضات بين لبنان والعدو الإسرائيلي غير مجدية حالياً؟

الكاتب والمحلل السياسي يحيى دايخ 20 تشرين1 2025

إنطلاقاً من حدثين بارزين على الساحة هما: إتفاق شرم الشيخ لوقف حرب غزة الذي حصل في أكتوبر 2025، ومفاوضات سوريا‑إسرائيل الجارية منذ ما قبل أيلول 2025 دون تحقيق مضمون سيادي واضح.

يمكن طرح تساؤل إشكالي عن جدوى أي تفاوض (مباشر أو غير مباشر) تُسوق له الإدارة الأمريكية برعاية وسطاء ( مصر، قطر، السعودية وتركيا) دون أن يمتلك الطرف الآخر اي عناصر وأوراق قوة يتمكن من خلالها تحقيق مكتسبات سياسية تمكنه من حفظ سيادة أرضه وصون كرامة شعبه.

وبناءً على النموذجين أعلاه سيُبيّن هذا التحليل من المنظور الزمني والسياسي جدوى ونتائج من تلك التفاوضات والإتفاقات.

1. في 9 تشرين الأول 2025، تم الإعلان عن اتفاق تهدئة ووقف حرب في غزة بين الكيان المحتل وحماس برعاية مصرية‑أمريكية‑قطرية‑تركية، ضمن خطة أمريكية‑إقليمية أكبر.

 

2. في سبتمبر وسباقاً 2025، طُرحت مفاوضات بين حكومة سوريا الجولانية والعدو الإسرائيلي بوساطة أمريكية، حيث تقول المصادر إن الهدف “اتفاق أمني”‎، لكن اللافت أن إسرائيل تشترط إبقاء وجودها في الجولان المحتل القديم منه والجديد بالإضافة الى مناطق جنوب سوريا، ورفضت إنسحاباً كاملاً أو أي تنازلات سيادية لمصلحة سوريا.

 

في سياق وإسلوب هذا التفاوض، ما يُظهر أن الاتفاقات والمفاوضات تُصاغ بداخلها بنود تُفضّل الطرف الأقوى (إسرائيل) سواء من حيث السيادة أو النفوذ الأمني.

 

فعلى سبيل المثال، حكومة إسرائيل رفضت فكرة الإنسحاب الكامل من المنطقة buffer‑zone التي تعني المنطقة العازلة التي أوجدتها إسرائيل عند إحتلالها الأجزاء المتبقية من الجولان السوري ومناطق في جنوب سوريا، وصياغة الاتفاقات تُشير إلى “تخفيف التصعيد” وليس استرجاع كامل السيادة لسوريا.

وبالتالي لماذا يُفترض هذا أن يُعزّز طرح الانخراط في المفاوضات بين لبنان والكيان الغاصب الإسرائيلي الذي حتماً سيكون محفوفاً بالمخاطر؟

بعض من نقاط القوة والضعف في التفاوض

 

 

أ) فقدان أوراق القوة في المعادلة:

– أثناء التفاوض، طرف مثل لبنان إذا دخل من موقع ضعف أو من دون أن يملك ورقة ردع قوية أو تحالفات تحميه، فإنه معرض لأن يُحتوى ضمن إطار “ترتيب أمني” لا “استرداد سيادي”.

– تجربة سوريا تشير إلى أن الطرف المحلي (سوريا الجولاني) ليس طرفاً مهيمن أو قوي وإسرائيل هي التي وضعت شروطها (الوجود في كامل الجولان والجنوب، وجود مناطق محمية منه، منع التمكين والقدرة والسيطرة الجوية) بينما نظام الجولاني ما يبحث عنه التهدئة فقط أكثر من استرداد السيادة المطلقة على أراضيه وكرامة شعبه.

كما قال رئيس حكومة العدو نتنياهو:

أن مطلب الحكومة السورية بالانسحاب من منطقة buffer zone مرفوضة وهي “مزحة”.

 

– أما في غزة، الاتفاق المعلن يبدو في الظاهر “وقفاً للحرب” (حتى هذا الوقف خرقته إسرائيل وتسعى الى نقضه) وليس إعادة كاملة للحقوق أو خروج كامل للاحتلال أو السيطرة الإسرائيلية.

ما يدل على أن الجانب الأقوى استبق لنفسه مفتاح النفوذ والسيطرة.

 

 

ب) الدور الأميركي “كوسيط وليس كضامن للسيادة”

– الولايات المتحدة في هذه المفاوضات غالباً تُقدّم إطاراً نموذجياً وهمياً، لكنها لا تبدو ضاغطة ميدانياً على الطرف الأقوى (الإسرائيلي) لتحقيق التنازلات الرئيسية.

– كما في اتفاق غزة: رغم الإعلان الكبير والإحتفالات، لا يوجد حتى الآن وضوح تام حول تنفيذ المرحلة الأولى والمراحل اللاحقة كالانسحاب الكامل وإدخال المؤن والمستلزمات الطبية أو استعادة السيادة الفلسطينية، بل عادت لغة التهديد والوعيد والسحق والمحق الأمريكية الإسرائيلية على سواء.

بالتالي أن التفاوض الذي يُطرحه الأمريكي مع الإسرائيلي على دول المنطقة من المرجح أن يُستخدم كآلية لتثبيت نفوذ أمريكي أو إسرائيلي بدل أن يكون وسيلة استرداد للسيادة الكاملة للطرف الآخر.

 

ج) التوقيت الاستراتيجي يخدم الجانب الإسرائيلي

– عندما سوريا الجولاني أعلنت المفاوضات مع الكيان العبري، الأمر حصل في سياق حرب غزة وتشتيت الاهتمام، ما يجعل الدفع نحو التفاوض من طرف إسرائيل أكثر أريحية، لأن لبنان قد يكون محاصراً إعلامياً وديبلوماسياً.

– إن دخول لبنان في مفاوضات كبيرة في لحظة كما اليوم قد يؤدي إلى فرض ترتيبات أمنية وسياسية وعسكرية على لبنان، مقابل وعود إقتصادية وإنعاشية فضفاضة.

د) مخاطر بنود “تسوية منقوصة”

– مثال من سوريا: البنود المطروحة تشمل تهدئة مع إبقاء الإحتلال الإسرائيلي بوجوده في المناطق التي إستولى عليها، وليس استرجاع الجولان كاملاً وأجزاء واسعة من الجنوب.

وبالتالي في حال دخول لبنان المفاوضات، من المُحتم أن يُطلب منه مثلاً: تحديد حدود لمنطقة عازلة غير مسكونة أو إقامة منطقة صناعية إقتصادية حدودية (منطقة ترامب الاقتصادية)، نقاط مراقبة حدودية برية وبحرية، إستباحة دائمة جوية وغيرها من الترتيبات التي تنتقص من سيادته، عدا عن ترتيبات تضمن للعدو ملاحقة من تشك بأنهم مقاومة إن بنفسها أو عن طريق الحكومة اللبنانية، مقابل “وعد” بالإزدهار والإنعاش الإقتصادي وإعادة الإعمار، لكن ليس استرداد كامل للحقوق وعودة السكان أو ترسيم يُرضي السيادة اللبنانية.

بالخلاصة

لبنان في موقع تفاوضي حساس، حيث يراد له الدخول تحت الضغط العسكري والإقتصادي والإعلامي في “إطار تفاوضي” يُشبه النماذج السورية والفلسطينية التي لم تؤدِّ إلى استعادة الحقوق.

بالتالي إن دخول لبنان في مفاوضات أميركية‑إسرائيلية في هذا التوقيت قد لا يحمل ضمانات كافية لاستعادة السيادة أو تحقيق مطالب جوهرية، إن لم تكن مُجهزة من الطرف اللبناني بموقف قوي، تحالفات داعمة، وورقة ردع.

وعليه هناك احتمال كبير أن تكون المفاوضات أداة لفرض “أطر وقيود أمنية إسرائيلية يُسيطر فيه الجانب الإسرائيلي على المعادلة مع دعم وتسهيل أميركي، بينما لبنان يُمنح بعض المكتسبات الظاهرية والشكلية أو الفتات الاقتصادي دون تغييرات جوهرية في تآكل السيادة أو القدرة على أي مقاومة.

ولذلك، إذا دخل لبنان بدون تحضير إستراتيجي وعناصر وتحالفات قوية ، فقد ينتهي به الأمر بـ “شروط إستسلامية”، بدل أن يكون “اتفاق استحقاق” لصالح لبنان.

أخيراً يجب على لبنان التمسك بالنقاط السيادية وتوحيد القرار اللبناني (مقاومة + دولة) هو السبيل الوحيد لمنع فرض تسوية تخدم فقط أمن إسرائيل بدعم أمريكي.

والأفضل على صناع القرار السياسي اللبناني التريث لحين إنتهاء تنفيذ إتفاقات غزة وسوريا ومن ثم تقييم النتائج وأخذ القرارات المناسبة.

شاهد أيضاً

الشيخ نعيم قاسم: استقرار لبنان يتحقق بكف يد “إسرائيل” وهل أصبح لبنان سجنًا لمواطنيه بإدارة أمريكية؟

تحدث الأمين العام لحزب الله حجة الاسلام والمسلمين سماحة الشيخ نعيم قاسم، خلال حفل إطلاق …