لم يحن بعد موعد الشّهادة”

 

” هـذه الـمرة قـصـة الــشهـيد عن لـسـان الـشـهيــد 🥀…

 

” لم يحن بعد موعد الشّهادة”

 

فتحت عينيّ بصعوبة لا أرى شيئًا إلّا الظّلام. أرتعد لا أستطيع التّنفّس أشعر بالبرد.

ردّدت بصوت ضعيف

-ماء …

لم يكن أحد يسمع أين أنا؟ لم أکن أتذکّر شیئًا.

أغمضت عینيّ مرّة أخرى بدأت أتذكّر صوت الطّائرات الحربيّة وبعده ذلك الإنفجار المهيب. أقوى صوت سمعته في حياتي. ولا أشكّ بأنّ صوت هذا الإنفجار أيقظ كلّ النّائمين حتّى النّبطيّة إذن أنا ٱستشهدت أين أنا؟ لا أعلم أين رفيقي الّذي كان معي في البيت؟ كم كان ٱنتقالنا إلى البرزخ سريعًا أحاول أن أحرّك يديّ أشعر بألم شديد. أوقن بسرعة بأنّ الكثير من الشّظايا قد ٱستقرّت في جسدي يعني هل أتيت مع كلّ هذه الشّظايا إلى عالم البرزخ؟ أيعقل؟ أشعر بالألم إذا كنت قد ٱنتقلت إلى عالم البرزخ إذا لماذا أشعر بالألم؟ لماذا لا أستطيع أن أتنفّس؟ لا أستطيع أن أتحرّك أشعر بطبقة كثيفة من التّراب على صدري

أردّد مرّة أخرى

-ماء

يملأ التّراب فمي الجريح أشعر بطعم التّراب والدّم …

لا … أنا لم أستشهد. أسمع من جديد صوت الطّائرات الحربيّة. هل ينفّذون غارة هنا مرّة أخرى؟ لم يبق شيئ ليدمّروه من جديد أسمع صوت المسيّرات لا أنا لم أستشهد. يعني مازلت لم أستشهد بعد ربّما ألفظ أنفاسي الأخيرة. أتذكّر أمّي كم مرّة طلبت منها أن تدعو لي بالشٌهادة؟ كنت أعرف أنّ دعاءها في حقّي مستجاب كنت أعلم لو كانت راضية سيكون الأمر أسهل أنا كنت أحبّ أن أستشهد مثل باقر مثل علي ألم تكن تحزن أمّي من هذا الطّلب؟ لماذا لم أفهم بأنّني بهذه الجملة أمزّق قلبها؟ لا أعلم. لا … أنا لم أستشهد

أحاول أن أحرّك قدميّ تحت الرّكام أتنفّس بصعوبة

-هل يسمع أحد صوتي؟

أضع رأسي على الأرض من جديد وأنتظر في صمت شهادتي أتذكّر أمّي أتذكّر زوجتي أحاول أن أتخيّل ٱبنتي التّي لم أرها بعد ولن أراها هل ستشبهني أو ستشبه والدتها؟ لا أعلم أشعر بأنّني أسمع صوتًا قويًّا في داخلي كأنّ أحدًا يقول لي لا تنم أريد أن أنام أشعر بالتّعب أشعر بالألم كلّ جسدي يحرقني أظنّ أنّ كلّ جروحي تنزف تحت الرّكام أريد أن أغمض عينيّ وأنام وأذهب إلى مكان ذهب إليه الكثير من رفاقي إلى مكان لا يوجد فيه غارات ولا طائرات مسيّرة و لا أيّ محتل ولكن شيئًا ما في داخلي يصارعني من جديد كأنّني كنت أسمع صوت أحد يصرخ في داخلي

-يا اللّه قم مازال دورك لم ينته. بقي الكثير من الأعمال ويجب أن تكملها … مازالت مهمّتك لم تنته ستأتي أيّام أصعب. هذا الطّريق يحتاجكم.

أحاول أن لا أهتم. أريد أن أغمض عينيّ صوت المسيّرات. أسمع من جديد نفس الصّوت في داخلي.

-يا اللَّٰه قم …

فتحت عينيّ من جديد. ردّدت بصعوبة

-يا اللَّٰه قم …

أخرجت نفسي بصعوبة من تحت الرّكام وكنت أنادي يا زهراء كلّ جسدي يرتعد والدّم ينزف من ألف ثقب صغير وكبير في بدلتي العسكريّة كلّ جسدي جريح بالشّظايا أين صديقي؟ يجب أن أجده كيف لي أن أجده أنا كنت في الغرفة وهو في المطبخ أردت أن أصرخ وأناديه لم أستطع كلّ جسدي ينزف كيف أستطيع أن أجده في ليلة مظلمة؟ في البيت المدمّر تحت صوت المسيّرات وظلال الطّائرات الحربيّة ناديته تماما كمن يريد أن يجد إبرة في الظّلام سمعت صوتًا ضعيفًا. أصلا لا أعلم كيف وصلت إليه

كأنّني كنت أسمع نفس الصّوت من جديد في داخلي

“لم يحن بعد وقت الشّهادة” مازال هذا الخطّ يحتاجكم …

لا أعلم كيف أخرجه من تحت الرّكام. أخرجته من تحت جزء كبير من السّقف الّذي وقع على صدره.

أصرخ فقط: “يا زهراء” و هو یردّد معي بصوته الضعیف:

“يا زهراء”…

لا أعلم كيف أخرجه أرى وجهه تحت ضوء القمر أرتعد كلّ وجهه ٱحترق لا أقول له شيئًا. آخذه بصعوبة خلف الجزء الصّغير من الجدران المتبقّية. صوت المسيّرات صوت القصف. صوت الغارات. همست في أذن صديقي بصعوبة

-لا تنم إنتظر قليلًا جاءت سيّارة الإسعاف سيأخذوننا إلى المستشفى

إقترب أحد المسعفين لا يصدّقون بأنّنا لم نستشهد. حتّى أنّهم أحضروا معهم أغراضًا لسحب جثامين الشّهداء.

قبل أن يغلق المسعف باب السيّارة إبتسم وقال

-لا أصدّق بأنّكم خرجتم من تحت هذا الرّكام أحياء.

أسمع صوته بصعوبة أشعر بالدّوار أبتسم وأقول

 

-لم يحن وقت شهادتنا لم تكتمل مهمّتنا بعد هذا الخطّ مازال بحاجة لنا يجب أن نكمل الطّريق …

 

«قصّة الشّهيد علي محمّد المقداد (ڪرّار العاشق) عن لسان الشّهيد علي محمّد المقداد

 

 

شاهد أيضاً

ألواح شمسية تولد الطاقة خلال الليل من حرارة الأرض

  تدخل ثورة الطاقة الشمسية مرحلة جديدة تماماً مع تطوير جامعات ستانفورد وكاليفورنيا في لوس …