ألواح شمسية تولد الطاقة خلال الليل من حرارة الأرض

 

تدخل ثورة الطاقة الشمسية مرحلة جديدة تماماً مع تطوير جامعات ستانفورد وكاليفورنيا في لوس أنجليس وكاليفورنيا ديفيس الأميركية في الأعوام الأخيرة تقنية قادرة على القيام بما بدا مستحيلاً حتى وقت قريب، أي توليد الكهرباء ليلاً حتى في غياب ضوء الشمس.

 

ويستخدم هذا المشروع، الذي لا يزال في مرحلة التجربة، مبدأ فيزيائياً يعرف بـ”التبريد الإشعاعي”، وهي عملية طبيعية تطلق من خلالها الأرض الحرارة في الفضاء بعد غروب الشمس.

 

والنتيجة هي نموذج أولي للوحة شمسية، تمثل نقلة نوعية غير مسبوقة، إذ يمكنها توليد الطاقة الشمسية ليلاً ونهاراً، من دون الاعتماد على البطاريات لتخزين كل الطاقة المجمعة خلال النهار، وأثار هذا المفهوم بالفعل اهتمام الباحثين والمستثمرين، فهو يشير إلى مستقبل تصبح فيه الطاقة الشمسية مصدراً أكثر استقراراً وقابلية للتنبؤ، والأهم من ذلك، متاحة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.

 

كيف يعمل التبريد الإشعاعي؟

 

لفهم هذه الألواح الشمسية الجديدة، لا بد من فهم الظاهرة الطبيعية التي تمكنها من ذلك، وهنا ننوه بأن جميع الأجسام تصدر إشعاعاً حرارياً، وخلال الليل، يطلق سطح الأرض حرارة على شكل أشعة تحت حمراء، تتسرب إلى الفضاء، حيث تقترب درجة الحرارة من الصفر المطلق.

 

ينشئ هذا الاختلاف في درجة الحرارة تدرجاً كافياً لتحريك الإلكترونات في أجهزة محددة تسمى “الخلايا الإشعاعية الحرارية”، وبدلاً من تحويل الضوء إلى كهرباء، كما هي الحال في الألواح التقليدية، تحول هذه الأجهزة تدفق الحرارة إلى طاقة كهربائية.

 

في عام 2022، أطلق فريق من جامعة ستانفورد نموذجاً أولياً قادراً على توليد نحو 50 ميغاوات لكل متر مربع خلال الليل، لا يزال هذا الرقم متواضعاً، ولكنه كاف لتشغيل مصابيح LED صغيرة أو أجهزة استشعار من بعد من دون بطاريات، في ما يحرز باحثون في جامعة كاليفورنيا ديفيس تقدماً في تطوير خلايا يمكن أن تتجاوز هذا المستوى، على رغم أنها لا تزال في طور التجارب المختبرية.

 

وبالنسبة إلى العلماء، لا يكمن الإنجاز الكبير في إنتاج الطاقة الحالي، بل في المبدأ الفيزيائي المثبت بإمكان إنتاج الطاقة الكهربائية باستخدام الحرارة التي تطلقها الأرض في الظلام الدامس.

 

أهمية هذه التقنية لمستقبل الطاقة الشمسية

 

على رغم أن الطاقة الشمسية التقليدية تعد من أسرع مصادر الكهرباء نمواً في العالم، فإنها لا تزال تعتمد على نقطة ضعف تتجسد بالتوقف التام للإنتاج ليلاً، وللتغلب على هذا الأمر، تستخدم أنظمة تعمل بالبطاريات لتخزين الطاقة الفائضة المنتجة خلال النهار.

 

مع التقنية الجديدة التي نتحدث عنها، قد يتغير هذا السيناريو، فعلى رغم أن إنتاج الألواح لا يزال بعيداً من المستويات التجارية، تشير النماذج الأولية إلى أنه في المستقبل، سيكون من الممكن توليد كميات صغيرة من الطاقة المستمرة على مدار الساعة، مما يقلل الاعتماد الكلي على البطاريات، وهذا ما سيفيد في تشغيل أجهزة الاستشعار من بعد، والأقمار الاصطناعية الأرضية، والأجهزة الزراعية، والبنية التحتية منخفضة الطاقة ليلاً.

 

كما سيكون من الممكن زيادة الكفاءة الكلية للأنظمة الهجينة التي تجمع بين الألواح التقليدية وألواح الرؤية الليلية، وخفض كلف الصيانة في البيئات القاسية حيث يكون عمر البطاريات محدوداً، ومن ثم الفكرة لا تتمحور حول استبدال التكنولوجيا التقليدية، بل استكمالها، بالاستفادة من فترة الليل للحفاظ على تدفق مستمر للكهرباء.

صعوبات يعالجها العلماء

 

أظهر باحثو جامعة ستانفورد، الذين نشروا مقالات تفصل بنية ألواح الرؤية الليلية وسلوكها الحراري، أن مواد معينة يمكنها إصدار إشعاعات تحت الحمراء بمستويات متحكم بها وتوليد تيار كهربائي مستقر.

 

في المقابل تعمل جامعتا كاليفورنيا في لوس أنجليس وكاليفورنيا ديفيس، على إنشاء خلايا حرارية إشعاعية باستخدام مواد شبه موصلة تسمح بزيادة الكفاءة، وتكمن الصعوبات الحالية في انخفاض كثافة الطاقة، التي لا تزال غير كافية للتطبيقات السكنية أو الصناعية.

 

مع ذلك يقول متخصصون الطاقة المتجددة، إن تطوير هذه الألواح يميل إلى السرعة، فقد استغرقت الطاقة الشمسية التقليدية نفسها أعواماً كنموذج أولي قبل أن تصل إلى أسعار تنافسية، ومن المتوقع أنه في غضون عقد من الزمن، يمكن أن يكون لهذه الألواح تطبيقات محددة على نطاق واسع.

 

ما بعد النماذج الأولية: أين يمكن استخدام هذه التقنية أولاً؟

 

بحسب العلماء، لن تكون البيئات الأولى التي ينبغي أن تعتمد ألواح الطاقة الليلية المنازل أو الشركات، بل محطات الأرصاد الجوية النائية، وأجهزة الاستشعار الزراعية المنتشرة في الحقول والغابات، وأنظمة الرصد البيئي، ومعدات الاتصالات في المناطق المعزولة، وأجهزة إنترنت الأشياء في المناطق ذات المناخات القاسية، والمعدات التي تعتمد حالياً على بطاريات قصيرة العمر.

 

ولا شك أن الميزة واضحة، فهذه الألواح الجديدة تعمل من دون صيانة، إذ لا تتطلب استبدالاً مستمراً للبطاريات، ويمكنها الاستمرار في العمل حتى في ليالي الشتاء الطويلة.

 

الفصل التالي من الطاقة الشمسية

 

بعد كل ما ذكرناه يقول الخبراء، إن هذا الاكتشاف مهم للغاية لأنه يفتح آفاقاً جديدة في هندسة الطاقة، أي القدرة على تحويل الانبعاثات الحرارية الليلية إلى كهرباء، وهو أمر كان في السابق مجرد فرضية نظرية.

 

وإذا ارتفعت أسعار الطاقة في الأعوام المقبلة، سيكون لهذه الألواح دور جوهري، إذ يمكنها أن تندمج في أسطح المنازل والواجهات والأنظمة الهجينة حول العالم.

 

وحتى في المرحلة التجريبية، تثير الألواح الشمسية الليلية جدلاً حول مستقبل شبكات الكهرباء واستهلاك الطاقة المنزلية، ومن نافل القول إن دمج الألواح النهارية مع الأجهزة الليلية سيحفز التحول العالمي في مجال الطاقة.

شاهد أيضاً

متى يجب أن تعطي طفلك هاتفا ذكيا؟ دراسة تحدد السن المناسب

نشرت مجلة “طب الأطفال” الأمريكية، يوم الاثنين الماضي، دراسة جديدة تؤكد أن منح الأطفال هاتفاً …