.
.
كان ترامب جالسا في المكتب البيضاوي مشغولاً بحساب الأموال الطائلة التي حصدها من حظيرة الأبقار الخاصة بالكابوي الأمريكي، يعلو صوت فرانك سيناترا في غرفة الرئيس، فالرجل يحتاج إلى الرقص بهدوء على تلال الأموال الخليجية.
أعاد الرئيس الأمريكي حساباته جيداً، هناك الروسي الصاعد بقوة والمنتصر في الميدان السوري، وهاجس تشكيل صحوات سورية على غرار العراقية ضد الوجود الأمريكي في الشرق السوري هو أسوأ كابوس قد يهدد فترته الرئاسية، أعاد التفكير ملياً، قائلاً في قرارة نفسه، لقد حصلت على ما أريد من أموال الخليج ( الفارسي ) بحجة حمايتهم والوقوف بوجه إيران والضغط على روسيا من البوابة السورية، حسناً لقد اكتفينا، فليقم هؤلاء التنابل بتحقيق أحلامهم، فلا وقت لدي لعد الصناديق الخشبية الآتية من سورية والمحملة بجنودنا.
صحيح بأن ترامب وحده هو من أعلن نبأ انسحاب بلاده السريع من الأرض السورية ودون معرفة وزارة خارجيته ودفاعه بل واستخباراته، لكن المتابع للسياسة الأمريكية يعلم تماماً أن مسؤولي الإدارات المتعاقبة سواءً في البيت الأبيض أو الخارجية أو البتاغون أو الاستخبارات كل منهم يخرج بتصريح يختلف عن الآخر في الموضوعات الهامة، وهذا لا يعني أبداً عدم تنسيق أو تخبط إذ أن كل تصريح مختلف هو بمثابة تجربة يُراد معرفة ردود الفعل عليها ومن ثم اعتماد الأنسب بينها وفقاً لرجع الصدى عليها.
السؤال الأهم هل يستطيع الأمريكي احتمال خسارة جديدة أمام الروسي بفقدان جنوده وتهديد وجودهم بعد الانتهاء من الغوطة ودرعا؟ أيهما الأكثر ربحاً بالنسبة للأمريكي الانسحاب التدريجي والسريع من الميدان السوري والاكتفاء بمواقف سياسية ضاغطة بعد الحصول على مبالغ خليجية طائلة أم البقاء في سوريا والعيش تحت رحمة كابوس الخسارة والغرق في الوحل السوري؟
لقد رأى ترامب أن قرار تجميد 200 مليون دولار لإعادة إعمار المناطق التي تتواجد بها قواته هو الأنسب إذ أن صرف هذا المبلغ كمن يحرقه في نوبة غضب، هذا المبلغ يمكن صرفه في ساحات سياسية واستخباراتية أخرى طالما أن وجود جيشه سيكون مهدداً في الشرق السوري فلا جدوى إذاً من صرف هذه الأموال على تلك المناطق التي لن تتحول إلى حزام آمن برعاية أمريكية.
تصريح ترامب الذي قال فيه سننسحب قريباً من سوريا ودعوا الآخرين يعتنون بها، يدل على وجود امتعاض ويأس أمريكي من تحقيق أي هدف في سوريا، أما الآخرين الذين قصدهم ترامب فهم أنظمة الخليج ( الفارسي ) من جهة وبعض الدول الأوروبية التي تحاول جذب صبي الرياض بن سلمان إلى عواصمها من أجل امتصاص ما يمكنها من حليب الناقة السعودية.