المعارك الدائرة في شمال القطاع تُخاض في منطقة مبنية مكتظة سكانياً، وهو ما يقلص التفوق النسبي للجيش الإسرائيلي

المصدر : هآرتس
المؤلف : عاموس هرئيل 
  • لا يزال حي الشجاعية، الكائن في شرق مدينة غزة، موضع التمركز الرئيسي لحركة “حماس” في شمال القطاع، حيث لا يزال القتال العنيف دائراً. ويبدو أن الجيش الإسرائيلي، حالياً، بعيد كل البعد عن السيطرة على الحيّ، إذ أعلن الناطق باسم الجيش، هذا الصباح (الأربعاء)، مقتل 7 مقاتلين من لواء غولاني ووحدة الإنقاذ 669 [التابعة لسلاح الجو]، في معركة دارت مع مقاتلي “حماس” في الحي. من ضمن القتلى قائد كتيبة في غولاني، وقائدا سرّيتين في اللواء ذاته، بالإضافة إلى قائد سرية في الوحدة 669. كما قُتل جندي آخر في معركة دارت في موقع آخر في شمال قطاع غزة. لقد سقط القتلى السبعة في الشجاعية في أثناء محاولة الاستيلاء على القصبة في الحي، القلب القديم والمكتظ فيه. وتُظهر نتائج تحقيق أولّي أن الجنود وقعوا في كمين مركّب، شمل إطلاق صواريخ مضادة للدروع بصورة مباشرة، ثم تفعيل حقل ألغام ضد بعض قوات الإنقاذ.
  • أمّا في مخيم جباليا، فقد انخفض قليلاً منسوب المقاومة طوال الأيام الماضية. في حين تتواصل في مناطق أُخرى من شمال القطاع، التي تمكن الجيش الإسرائيلي من السيطرة عليها منذ وقت بعيد، كما تستمر الجهود المكثفة للبحث عن فوهات الأنفاق، والوسائل القتالية، والشقق التي يختبئ فيها مقاتلو حركة “حماس”. ومن وقت إلى آخر، تدور اشتباكات محلية، تشير إلى أن عناصر التنظيم لا يزالون ناشطين في المنطقة. أمّا في جنوب القطاع، فلا يزال الجيش يواصل صبّ جهوده على منطقة خانيونس، وضد الفرقة التابعة لحركة “حماس” في المدينة.
  • مقاطع الفيديو التي نشرها الناطق باسم الجيش بشأن المعارك، تشهد على صورة معقدة. فالمقاتلون العائدون من القطاع يتحدثون عن التقدم البطيء، المخطّط له مسبقاً، فضلاً عن أن جزءاً كبيراً من الوقت تمضيه القوات بانتظار استلام أوامر لاحتلال مناطق إضافية. لكن القتال نفسه، أي القتال الذي يخوضه جنود المشاة (والدبابات أيضاً، إلى حد كبير)، يجري من مسافات قصيرة جداً في مناطق مزدحمة بالمباني، تم هدم بعضها. إن المنطقة الحضرية، بالإضافة إلى فوهات الأنفاق التي ظل كثير منها قابلاً للاستخدام، يتيحان لخلايا “حماس” الاشتباك مع الجيش، وهذه الاشتباكات تقع من مسافات لا تتجاوز الأمتار المعدودة في بعض الأحيان.
  • في ظل هذا الواقع، ينخفض التفوق النسبي للجيش، والمتمثل في التكنولوجيا والمعلومات الاستخباراتية، وهو ما يكبّدنا أيضاً خسائر في الأرواح. تبدو الأمور واضحة جداً في التوثيق الذي نُشر بالأمس، والذي يظهر فيه مقاتل من وحدة “يهلوم” التابعة لسلاح الهندسة، وهو يقتل اثنين من “المخربين” في اشتباك من النقطة صفر، داخل شقة، ثم إصابته بشظايا قنبلة يدوية في أثناء قيامه بذلك. لا بد من أن المشاهدين في المنازل بهرتهم شجاعة المقاتل ورباطة جأشه، لكنهم لا بد من أن يسألوا أنفسهم ما إذا كان هناك طريقة أخرى، أكثر أماناً، للتعامل مع الخطر.
  • هذا النشاط الهجومي، تواكبه الجهود المتواصلة للعثور على جثث المخطوفين. يوم أمس، تم العثور على جثتَين، واحدة للرقيب أول زيف دادو، من لواء غولاني، والثانية لعيدان زكريا، الشابة التي شاركت في حفلة نوفا. يتم بذل كثير من الجهد الحربي في هذا السياق، إلى جانب العمليات الاستخباراتية. في أثناء العمل الحربي، قُتل خلال الأسبوع الماضي مقاتلان احتياطيان من لواء المظليين 551، وهما: الرائد إيال مئير بيركوفيتش، والرائد غال مئير أيزنكوت.
  • بموازاة ذلك، يبدو أنه لم يتم، حتى الآن، إحراز جهد جديد في الاتصالات المتعلقة بصفقة تبادُل جديدة. يحاول الوسطاء القطريون، وإلى جانبهم دول أُخرى مشارِكة، التوصل إلى صفقة جديدة، تشمل إطلاق بعض المخطوفين الـ 135. الأولوية هي للنساء والرجال المرضى والمسنين والجرحى. لكن حركة “حماس” لا تُبدي، حتى اللحظة، عُجالة في الاستجابة.
  • كانت الجولة السابقة من التبادل مصيرية بالنسبة إلى حركة “حماس”، لأنها كانت بحاجة إلى وقف إطلاق نار يستمر أسبوعاً، لكي تعيد تنظيم صفوفها، في ظل الهجوم الإسرائيلي. أما الآن، في الوقت الذي أصبح شمال قطاع غزة، في أغلبيته تقريباً، تحت سيطرة الجيش، وبعد انسحاب آمن لمعظم مسلّحي “حماس”، فلا يبدو أن قيادة الحركة تعاني جرّاء ضغط مماثل لِما عاشته سابقاً. قال مسؤولون في حركة “حماس” خلال الأيام الماضية أنه لن يتم إطلاق سراح مخطوفين آخرين إلّا في إطار صفقة شاملة، يتم فيها إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين المسجونين في إسرائيل. أَمّا الآن، فما من دلائل تشير إلى أن حركة “حماس” تشعر بأن قدرتها على المساومة في المفاوضات ضعفت.
  • في المقابل، وعلى الرغم من الحالة السيئة للمخطوفين (إذ أعلن الجيش الإسرائيلي وفاة أكثر من عشرين منهم)، فإن القيادة الإسرائيلية لا تبدو مستعجلة للتوصل إلى صفقة. هناك مصاعب سياسية كامنة خلف هذا الموقف: فنتنياهو يخاف من الانتقادات المحتملة التي قد يوجهها إليه الجناح اليميني المتطرف من الائتلاف، في حال قبِل صفقة أُخرى تظهر أنها تنازُل لـ”حماس”، وتعرقل استمرار التحرك البري.

حدود الصبر الأميركي

  • هناك استخلاص آخر سمعناه من الضباط والمقاتلين، يتعلق بالكمية الهائلة من الوسائل القتالية والعبوات الناسفة التي تعثر عليها قوات الجيش في عمليات التفتيش. لقد استخدمت حركة “حماس” أحياء كاملة في القطاع كمناطق عسكرية أجرت فيها استعداداتها، متسترةً بالمدنيين الفلسطينيين، للتصدي للاجتياحات الإسرائيلية. تشمل هذه الاستعدادات عمليات تفخيخ هائلة لمنازل، إلى جانب مخازن كبيرة للسلاح. وفي موازاة ذلك، تم بذل جهد كبير في حفر شبكة الأنفاق التي بدأ حجمها وتعقيدها يتفوق على أي تقديرات استخباراتية سابقة، وهذا النشاط كله، يضاف إلى أن عمليات إنتاج السلاح وتهريبه تجري من خلال الاختباء وراء المدنيين.
  • وصل السلاح المهرب، في أغلبيته، عبر أنفاق تربط بين جانبَي رفح، وليس من الواضح إلى أي مدى ساهم غض الطرف، الذي مارسه المصريون بصورة مقصودة، في إنعاش صناعة التهريب. لكن أكبر داعم للمشروع الحمساوي، هي قطر. إن مليارات الدولارات التي قامت قطر بتحويلها إلى قطاع غزة، كانت موجهة، ظاهرياً، لمساعدة السكان الفقراء، لكنها أنقذت حركة “حماس” من عبء القلق على المدنيين. علاوةً على ذلك، أشارت “نيويورك تايمز”، هذا الأسبوع، إلى أن المجمّع الاستخباراتي الإسرائيلي اكتشف، مؤخراً، أن قطر قامت بتحويل الأموال مباشرةً إلى الذراع العسكرية لحركة “حماس”، وعلى الرغم من ذلك، فإن الحكومة الإسرائيلية لم تتحرك لوقف الدفعات الشهرية المحوّلة من الدوحة إلى غزة.
  • نتنياهو هو المسؤول الرئيسي عن الأمر، وهو مسؤول أيضاً عن الفشل الإسرائيلي الذريع في التعامل مع القطاع على مدار نحو 15 عاماً، وهو يواصل إرباك الجمهور الإسرائيلي وتضليله. إن رئيس الحكومة يعيش الآن في خضم حملة إعلامية سياسية داخلية، والرسالة الأساسية التي يحاول إرسالها إلى الجمهور، هي أن ما من أحد سواه قادر على إحباط المخطط الأميركي لإشراك السلطة الفلسطينية في حُكم القطاع، في حال تحققت هزيمة سلطة “حماس” هناك. يقوم نتنياهو، بصورة يومية، بإطلاق تصريحات هجومية في هذا الشأن، في الوقت الذي ينشغل فيه بحسابات غريبة مع خصومه السياسيين. يوم أمس الأول، انشغل نتنياهو بمحاولة إثبات أن عدد القتلى الذين سقطوا نتيجة أوسلو، على مدار عقد وأكثر، يساوي عدد ضحايا هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر (على الرغم من أنه ليس من الواضح كيف لمثل هذه المقارنة العددية أن تخدمه).
  • في ضوء تصريحات نتنياهو، ربما بات من الواضح أكثر فهم تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي قال إنه معجب بنتنياهو، لكنه لا يتفق معه بشأن أمر واحد (يمكن أن نردّ الجزء الأول من هذه الجملة إلى الأدب الأميركي المفرط). قال بايدن أيضاً إن نتنياهو سيحتاج إلى إجراء تغييرات في تشكيلة حكومته، وحذّر من فقدان الدعم الدولي لإسرائيل. في موازاة ذلك، يواصل الرئيس الأميركي تبرير الهجوم الإسرائيلي، رداً على المجزرة، ومعارضة فرض وقف إطلاق نار الآن. وعلى الرغم من أن التصريحات تظهر متناقضة بعض الشيء، فإن خطوط التوافق بين البلدين يبدو أنها لا تزال واضحة جداً. إذا واصلت إسرائيل الاستجابة للمطالب الأميركية، وعلى رأسها السماح بالتدفق الكثيف للمساعدات الإنسانية للغزيين، فستوفر الولايات المتحدة للجيش الإسرائيلي مزيداً من الوقت للعمل في القطاع، بالصورة الموسعة التي يعمل وفقها الآن.  لكن الصبر الأميركي له حدود، ومن المحتمل أن نشعر بتغيير في الموقف الأميركي خلال أسابيع قليلة.
  • لقد اضطر نتنياهو فعلاً، وخلافاً لتصريحاته السابقة، إلى التراجع، والسماح أيضاً بإدخال كمية كبيرة من الوقود إلى القطاع، مع أن بعضه يصل إلى حركة “حماس”، بوضوح. لكن التصريحات الأخيرة الصادرة عنه، إلى جانب رفضه المشاركة في بحث عن المَخرج الدبلوماسي المستقبلي من المواجهة، يواصل خلق التوتر على الخط الذي يربط بينه وبين واشنطن. ستظهر الأمور غداً، حين يقوم مستشار الأمن القومي الأميركي جيك ساليفان بزيارة إضافية لإسرائيل والمنطقة.
  • سيتعين على ساليفان أيضاً التعامل مع التصعيد المتسارع بشدة في البحر الأحمر. لقد هاجم الحوثيون في اليمن يوم أمس سفينة أُخرى، أبحرت هذه المرة وهي ترفع العلم النرويجي، وهددوا بإغلاق مضيق باب المندب تماماً أمام حركة السفن المتوجهة إلى إسرائيل. المشكلة، كما يوضح ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي، ليست إسرائيلية فحسب. فهذا المسار القصير في اتجاه الشرق الأقصى، عبر قناة السويس والبحر الأحمر، يعبره 13% من حجم حركة الملاحة البحرية الدولية. وسيتطلب الأمر تحالفاً دولياً لمواجهة الأمر، كما جرى قبل أكثر من عقد من الزمن ضد القراصنة الصوماليين الذين نشطوا في المنطقة نفسها.

 

انعدام اليقين

  • في طقوس إشعال شموع عيد الأنوار، التي أقامتها هذا الأسبوع الأُسَر الإسرائيلية في جميع أرجاء البلد، كان من الممكن أن نرى، بوضوح، غياب مئات الآلاف من رجال الاحتياط العاملين على الجبهة (وفي القواعد العسكرية في الخطوط الخلفية) منذ أكثر من شهرين. إن هذا الواقع الأمني الشديد الاستثنائية جعل حياة العائلات في منازلها أصعب بصورة كبيرة، حيث يضطر كثيرون منها إلى التعايش مع انعدام يقين اقتصادي.
  • إن ما يشهده الجنود النظاميون والاحتياطيون، على حد سواء، هو أمر استثنائي جداً. لا يتعلق الأمر بالاضطرار إلى القتال في مناطق مبنية ومكتظة وخطِرة فحسب، بل الوقت الطويل الذي يدور فيه القتال بكثافة وشدة. لكن عبء الخدمة في الاحتياط، قد يذكّرنا خلال العام المقبل، بالعامين اللذَين تبعا اندلاع حرب لبنان الأولى [تراجُع في الاقتصاد الإسرائيلي].
  • في الحوارات التي أُجريها مع مقاتلي الاحتياط، يمكن للمرء أن يكتشف الحافز العالي على القتال، والإيمان العميق بعدالة المعركة. لكن يمكن أيضاً الشعور بعلائم الاستنزاف، والتساؤلات عن استمرارية المعركة ونتائجها المرتقبة. تبرز في هذه المحادثات أيضاً الانتقادات اللاذعة لطريقة عمل الحكومة، التي ينشغل وزراؤها في عملية نهب الأموال الائتلافية [الميزانيات التي تم تخصيصها لإرضاء أعضاء الائتلاف]. هؤلاء الوزراء الذين يقومون، بصورة بطيئة ومهملة إلى حد كبير، بمعالجة شؤون كثيرين من الإسرائيليين المتضررين من الحرب.
  • يبدو أن قيادة أركان الجيش الإسرائيلي لم تبدأ بعد باستيعاب حجم ما يجري في صفوف الاحتياط، والإسقاطات الكثيرة المتوقعة منه. هناك فجوة بنيوية قائمة بين الضباط النظاميين وجنود الاحتياط، وهي فجوة من الصعب جَسرها حتى في الأيام العادية. لكن الجيش الإسرائيلي سيضطر الآن إلى المسارعة والاستعداد بمخططات خاصة بجنود الاحتياط خلال العام المقبل، والالتزام بالشفافية في تعامُله مع جنود الاحتياط. فمن دون اتباع نهج جدي، ومنظم، ومنصف، تجاه وحدات الاحتياط، قد ينشأ صدع يؤثر أيضاً في أداء هذه الوحدات في القتال في المعركة.

شاهد أيضاً

دفورا ليس :مرّ 12 أسبوعاً، وقد ضقت ذرعاً من الادعاء بأن كل شيء على ما يرام

المصدر :هآرتس المؤلف : دفورا ليس أنا محطَمة؛ لقد مرّ 12 أسبوعاً، وكل ما أريد …