بايدن يعرف جيداً أن نتنياهو يسعى لمواجهة مع إدارته خدمةً لحاجاته السياسية

المصدر : هآرتس
المؤلف : ألوف بانكس 
  • يتمتع الرئيس الأميركي جو بايدن بصفة غريبة، فهو يقصد ما يقوله. عندما قال إن “فلاديمير بوتين مجرم حرب”، هو قصد ذلك. وعندما قال إن “الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان”، قصد ذلك، وعندما قال إنه “ملتزم بالدفاع عن أمن إسرائيل”، هو قصد ما يقوله، لذلك، عندما يقول “لا أوافق على كلمة يقولها نتنياهو”، فهو يعني ذلك. وعندما يقول “إن الموقف الدولي تحوّل رأساً على عقب”، هو لا يقصد ذلك فحسب، بل يوضح أن هذا يسبّب ضرراً سياسياً للولايات المتحدة، وله شخصياً.
  • عندما يحاول الإسرائيليون فهم مغزى كلام بايدن، هناك معادلة واحدة يجب أن تكون واضحة: بايدن يحب إسرائيل، لكنه لا يحب نتنياهو. بايدن يؤمن بإسرائيل، لكنه لا يؤمن بنتنياهو. وهو يعتبر إسرائيل حليفاً للولايات المتحدة، لكنه لا يعتبر نتنياهو حليفاً. مَن يدرك هذا جيداً هو نتنياهو نفسه الذي سيحول تصريحات بايدن إلى دليل على أن الرئيس الأميركي يحاول إطاحته، بينما هو، ببطولته الفائقة، يقود إسرائيل في الحرب.
  • وبايدن لا يعتقد أن “على نتنياهو تغيير حكومته” فحسب، بل هو متأكد من أنه من الأفضل ألّا يكون نتنياهو رئيساً للحكومة. وعلى الرغم من قول بايدن إنه “معجب به”، فإن على القارىء الإسرائيلي أن يفهم أنها في اللغة الأميركية هي كلمة تحبّب من دون التزام.
  • لكن ما قصده بايدن في تصريحاته المتعلقة بنتنياهو لا يتلخص فيما قاله بالضبط، وهو بحد ذاته خطِر، لكن الأخطر يكمن فيما لم يقُله. لقد تناول مسألتين تتغلغلان في الأوساط المحيطة به منذ أسابيع، هما: نتنياهو يسعى، بالقوة، لمواجهة مع الإدارة الأميركية بشأن موضوعين: أولاً، صورة ومخطط إدارة الحرب والواقع السياسي  الأمني – السلطوي في غزة، أو ما يسمى بـ “اليوم التالي”؛ والثاني، تقدير الولايات المتحدة أن نتنياهو يأمل، بشدة، ويشجع على حدوث تصعيد – من خلال الحوثيين، أو من خلال حزب الله – يجرّ الولايات المتحدة إلى الحرب.
  • وفي الحالتين، فإن الدافع هو سياسي ومن أجل البقاء. أولاً، يأمل نتنياهو بتحميل الولايات المتحدة تهمة أنها هي التي منعته من تحقيق نصر تاريخي يغيّر الواقع. ثانياً، هو يأمل ببلورة الوعي وسردية جديدة: الفشل الهائل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، كان يمكن أن يتحول إلى إنجاز استراتيجي، لو هاجمت الولايات المتحدة إيران. ليس مهماً أن هذا حدث، أو لم يحدث، فالمهم في هذه اللحظة، في نظر نتنياهو، إبعاد نفسه عن 7 تشرين الأول/أكتوبر. الجيش والشاباك ضلّلاه وخذلاه. لكن المعجزة أنه عاد إلى رشده، وكزعيم تاريخي، كان على وشك إحداث تغيير جيو – سياسي تكتيكي، إلى أن لجمه بايدن.
  • تصريحات بايدن مهمة، بحد ذاتها، لأنها علنية. لقد قال بايدن كلاماً مشابهاً في أحداث داخلية، أو سياسية، في الأسابيع الأخيرة. بايدن ليس فقط لا “يوافق على أي كلمه يقولها نتنياهو”، بل هو أيضاً لا يصدق أي كلمة يقولها. هو مقتنع بأن نتنياهو يسعى لمواجهة، ومن المهم له أن يبدو مثل رامبو الذي يقف في مواجهة ضغوط أميركية، وبايدن مقتنع بأن نتنياهو يخوض حملة سياسية، ويحاول إعادة كتابة التاريخ.
  • على سبيل المثال، في الأمس، دخل نتنياهو في تحليل تاريخي للعلاقات الإسرائيلية – الأميركية.  فقال إن ديفيد بن غوريون كان قائداً عظيماً، لكنه في لحظة الحقيقة “خضع للضغوط الأميركية” (قاصداً استجابة بن غوريون لطلب الرئيس دوايت أيزنهاور، الانسحاب من شبه جزيرة سيناء في الفترة 1956-1957، بعد عملية قادش). وأضاف نتنياهو “رئيس حكومة لا يستطيع أن يقف في مواجهة ضغوط أميركية، عليه ألّا يقترب من مكتب رئاسة الحكومة”.
  • نتنياهو البطل الأسطوري الذي يعتبر نفسه مثل طائر الفينيق في سماء التاريخ اليهودي، يُحرّف التاريخ، كعادته، ويضعه في خدمة حاجاته. لا مجال للمقارنة بين سنة 1957 وبين سنة 2023، من زاوية الظروف الجيوسياسية، وخصوصاً ظروف علاقات التبعية بين إسرائيل والولايات المتحدة. في سنة 1957، كانت العلاقات باردة وبعيدة. ووجه الشبه الوحيد أن رؤساء الحكومات الإسرائيلية، حينها، لم يُستقبَلوا في البيت الأبيض، وهذا ما جرى مع نتنياهو منذ تأليفه حكومته في سنة 2022.
  • بايدن ضليع بالتاريخ، فعندما يقول إنه “يعرف نتنياهو منذ51 عاماً”، فإن هذا الكلام ليس دليلاً على الحب الذي صمد على مرّ السنوات، بل هو يتذكر أن نتنياهو كذب على بيل كلينتون، وعلى باراك أوباما، وكذب على دونالد ترامب، وهو يكذب على بايدن منذ كان نائباً للرئيس، وزار إسرائيل في سنة 2010.
  • من الناحية السياسية، تصريحات بايدن لها أهمية كبيرة: إنها مؤشر إلى نشوء فجوة حقيقية في المواقف والسياسات بين إسرائيل والولايات المتحدة، وإلى نفاذ صبر واشنطن.

شاهد أيضاً

دفورا ليس :مرّ 12 أسبوعاً، وقد ضقت ذرعاً من الادعاء بأن كل شيء على ما يرام

المصدر :هآرتس المؤلف : دفورا ليس أنا محطَمة؛ لقد مرّ 12 أسبوعاً، وكل ما أريد …