السنوار يبتكر صيغة جديدة وفتّاكة من برامج تلفزيون الواقع، ويعبث بعقول مواطني إسرائيل

المصدر : هآرتس
المؤلف : روغل ألفير

بات من الصعب تقدير الضرر النفسي الجماعي بإسرائيل، والناجم عن أيام الهدنة. لقد صدقت [المذيعة الإسرائيلية] يونيت ليفي عندما تركز، في كل مساء تقريباً، على القول إن التاريخ البشري لم يشهد مثل هذا البث المتلفز في أي مكان في العالم. هذا أمر جدّ فريد. يبدو الأمر كمدخل إلى عالم ترهب فيه التنظيمات “الإرهابية” المدنيين، وتقدم برنامجاً لتلفزيون الواقع، يتم تصويره في جهنم. أمّا الخطوط العريضة لصفقة تبادُل المخطوفين، فهي تمثل، عملياً، نسخة مرعبة من برامج الواقع هذه. نسخة من برامج الواقع التي تتجاوز خطّ اللا عودة، ولا تكتفي بطرد المشاركين إلى منازلهم، أو إلى جزيرة معزولة ما، كما يجري في برنامج نتفليكس الشهير “لعبة الحبّار”، بل تتعلق بحياة وموت أشخاص حقيقيين.
تعكس الخطوط العريضة للصفقة بعضاً من روح زمن الحضارات المظلمة، تحت تأثير عميق ومتواصل من موضة برامج الواقع المتعلقة بأنماط التفكير لدى الجماعات، وتصور الواقع في العالم كله. يعرف السنوار إلى أي حد مواطنو إسرائيل مدمنون على أجهزة تلفازهم، وهو يعلم تماماً ما الذي يحبون مشاهدته.
لقد اخترع لهم، أمام أبصارنا، برنامجاً لا يمكنهم أن يزيحوا أبصارهم عنه. وفي كل مساء، يُبشر هؤلاء بخبر إطلاق سراح نحو عشرة من المخطوفين. وحتى ذلك الحين، التوتر يجعلهم يلتصقون بشاشات التلفاز. وبعد ذلك، تأتي مرحلة التنفيس. يدرك المشاهدون الإسرائيليون أن السنوار يعبث بعقولهم، عبر نموذج قام هو باختراعه، مستلهماً برامج الواقع. إنه يعبث بمشاعرهم. وهم يدركون أن مَن يشارك في هذه اللعبة، هم عائلات المخطوفين، التي تمر بعملية تعذيب نفسي متواصل. لكنها تواصل اللعب، ويواصل المشاهدون التحديق.
يمثل الأمر تجسيداً لرؤيا “ألعاب الجوع” (Hunger Games)، حيث تضّطلع فيها إسرائيل بدور المشروع التجريبي، تماماً كما كان “الشعب الإسرائيلي” هو المشروع التجريبي للقاحات كورونا في العالم. هناك أشخاص حقيقيون، يعيشون في ظل خطر الموت المحقق والفوري. لكن برامج الواقع تتطلب وجود منافسة. فإن لم يكن هناك منافسة، فلن يكون هناك لعبة، ولن يكون لدينا منتصر. أين تكمن المنافسة في هذه اللعبة؟ إنها منافسة خفية عن العين، وهي ملطّفة، وتتبدّى في السؤال الأهم للبرنامج، هذا السؤال المتمثل في الشعار الخاص ببرنامج الواقع الوحشي هذا: مَن سيتحرر اليوم؟
إن التضامن مع عائلات المخطوفين، هو تضامُن حقيقي وصادق، طبعاً، لكن السؤال السابق هو السؤال الوحيد الذي يعتمل في الأنفس، لا سؤال غيره. يمثل الأمر نوعاً من لعبة يجب أن يخسر أحد طرفيها، تدور بين العائلات، رغماً عنها، ومن دون أن يبادر أي منها إلى اللعب فيها.
إن تمضية يوم إضافي في الأسر، هو اقتراب أكثر من الموت. عقارب الساعة تتحرك ومعها يقترب أجل المخطوفين. والمنافسة في هذه المسابقة، هي منافسة ضد عقارب الساعة هذه. لكن المنافسة أيضاً هي أيضاً على حق الأولوية في التحرر من الخطف. الأطفال قبل البالغين، النساء قبل الرجال، هناك تسلسُل هرمي. هذه هي الظروف المَرَضية المفروضة على مشاهدي اللعبة؛ وهناك أيضاً معضلات أخلاقية معقدة، على غرار ما يجري في أي برنامج أمر واقع، لكن هذه المعضلات مضاعفة ومضروبة عشر مرات عمّا هي الحال عليه في الألعاب العادية.
إن ألعاب التخمين في الأستوديوهات والمنازل بشأن هوية المخطوفين، مأخوذة مباشرة من برنامج “ألعاب الجوع” التلفزيوني. إن هذه الصيغة، عملياً، هي نوع جديد غير مألوف من الإرهاب: إرهاب الجماهير بواسطة نموذج برامج الأمر الواقع. دعونا نطلق عليها اسم “Terroreality”، وما يجعل هذه البرامج شديدة الفعالية والنفاذ، هو مكون أساسي في أي نموذج من نماذج برامج تلفزيون الواقع: شهادة المشاركين. تتوفر شهادة المشاركين هنا بشكل كبير. فأبناء أسر المخطوفين الذين لم يُفرَج عنهم، وظلوا حتى الآن في قطاع غزة، إلى جانب المقابلات مع عائلات المخطوفين المفرَج عنهم، توفر معلومات مهمة لمنظومة اللعبة، للجمهور المتعطّش لأصغر التفاصيل: التجارب، والصدمات، ولحظات السعادة، والحزن. كل ذلك، بطبيعة الحال، دراماتيكي إلى أبعد الحدود. إنه يبدو كما لو كان برنامجاً تلفزيونياً، يشعر الجميع بالحاجة إلى متابعته.

شاهد أيضاً

ضابط إسرائيلي يختطف طفلة رضيعة من غزة قبل أن يُقتل لاحقا في المعارك

كشف جندي إسرائيلي، النقاب عن أن ضابطا بالجيش صديقا له، اختطف رضيعة فلسطينية من قطاع …