إن المواقع الإلكترونية في لبنان، المنتشرة في كل المحافظات من الشمال إلى الجنوب، ومن البقاع إلى بيروت والجبل، تعرب عن استغرابها ودهشتها الشديدة للبيان الصادر عن نقابة الصحافة اللبنانية، الذي يحدّد شروطًا تعسّفية لتسجيل المطبوعات الإلكترونية، وكأننا في زمنٍ يعود إلى الوراء لا إلى المستقبل.
*ونسأل القيمين على النقابة:*
هل تعلمون أن المواقع الإلكترونية أصبحت المصدر الأول للأخبار في لبنان، ووكالةً إعلامية تعتمدها القنوات المحلية والفضائيات العربية والعالمية في تغطياتها اليومية؟
وهل تدركون أن داخل هذه المواقع يعمل صحافيون محترفون، وكفاءات عالية، ونخبة من الإعلاميين الذين يشهد لهم الناس بالمصداقية والسرعة والموضوعية، أكثر بكثير من بعض المنابر الورقية والمرئية التي فقدت دورها وتأثيرها؟
*وهل تعلمون أن الشعب اللبناني في الداخل والاغتراب* يحصل على أخباره من المواقع الإلكترونية، في الوقت الذي باتت فيه نشرات الأخبار التلفزيونية تعتمد في كثير من موادها على ما تنشره هذه المواقع من تقارير ومتابعات ميدانية؟
بل إنّ الصحف والقنوات نفسها أسّست مواقع إلكترونية للحاق بركب العصر، لأن الجميع يعلم أن الإعلام الرقمي هو المستقبل، وأن الورق أصبح من تراث الماضي.
نذكّركم أن المواقع الإلكترونية هي من تنقل الخبر والصورة، بالصوت والصورة المرئية والمسموعة، قبل نشرات الأخبار، وأن كل المؤسسات الإعلامية التحقت بنا في هذا المجال بعدما كانت تتأخر في نشر المعلومة.
*من أعطى نقابة الصحافة* الحق لتصدر قرارات وتشريعات تحدّد على هواها شروط الانتساب والشرعية، وكأنها سلطة تشريعية فوق الدولة؟
وهل تعلم النقابة أن عدد المواقع الإلكترونية في لبنان يفوق مئات المرّات عدد الصحف الورقية والقنوات الفضائية، وأن بيانها هذا لم يُقرأ إلا عبر هذه المواقع التي تحاول اليوم تجاهلها أو تقييدها؟
ونذكّر النقابة بأن هناك قانونًا لتنظيم الإعلام الإلكتروني موجودًا منذ أكثر من عشر سنوات في مجلس النواب اللبناني، ينتظر الإقرار الرسمي لحفظ حقوق المواقع والعاملين فيها، وليس لفرض رسوم أو قيود تعسفية عليهم.
*ونسأل بصراحة:*
أين كانت نقابة الصحافة خلال الحرب على لبنان، حين كانت المواقع الإلكترونية تنقل بالصوت والصورة والدمّ معاناة الناس وصمودهم، وسقط من إعلامييها شهداء وجرحى في الميدان؟
هل كانت النقابة تتابع الأحداث عبر الصحف الورقية أم عبر المواقع الإلكترونية التي تشاهدها اليوم تحاول تهميشها؟
وقبل أن تتحدث النقابة عن تنظيم الإعلام الرقمي، عليها أن توحّد صفوفها وتحدّد دورها أولًا، بدل أن تفرض قرارات فوق صلاحياتها.
فالمجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع هو الجهة الرسمية المخوّلة قانونًا برعاية وتنظيم شؤون المواقع الإلكترونية، وليس أي جهة أخرى.
من منطلق الإنصاف والموضوعية والمسؤولية الإعلامية والوطنية، لا بدّ من التوضيح أن المواقع الإلكترونية تُعدّ اليوم جزءًا أساسيًا من المنظومة الإعلامية الحديثة، وهي ليست مجرّد منصّات نصيّة أو ورقية، بل أصبحت وسائل مرئية ومسموعة وتفاعلية في آنٍ واحد.
فـأكثر من تسعين في المئة من محتواها يُستهلك عبر الهواتف الذكية، وهي أجهزة مرئية ومسموعة بطبيعتها، لا ورقية.
لذلك من غير المنطقي التعامل مع الإعلام الإلكتروني كامتداد للصحافة الورقية، لأن الواقع التقني والمهني يضع هذه الوسائل في خانة الإذاعة والتلفزيون الرقمي من حيث العرض والتفاعل والتأثير المباشر في الرأي العام.
كما أن عددًا من المواقع الإلكترونية مسجّل رسميًا كراديو وتلفزيون إلكتروني، ما يفرض تساؤلًا قانونيًا واضحًا:
هل تبقى هذه الوسائل ضمن صلاحية نقابة الصحافة الورقية، أم أن الوقت حان لإنشاء إطار نقابي حديث يواكب التطوّر التكنولوجي والإعلامي؟
من هنا، فإن العدالة والمهنية تفرضان على المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع أن يتعامل مع الإعلام الإلكتروني بوصفه قطاعًا مرئيًا ومسموعًا رقميًا مستقلاً، لا تابعًا للصحافة الورقية، وأن يعمل على تحديث الأطر القانونية والتنظيمية التي تكفل حقوق المواقع والعاملين فيها.
ويشمل ذلك الاعتراف بالمواقع الإلكترونية ككيان إعلامي متكامل له مرجعية قانونية واضحة، والمطالبة بإنشاء نقابة وطنية للإعلام الإلكتروني تُعنى بشؤون العاملين فيه وتنسّق عملها مع المجلس الوطني للإعلام. كما يجب وضع معايير مهنية شفافة تحافظ على حرية التعبير وتضمن المسؤولية، بعيدًا عن الاحتكار أو التقييد السياسي.
إن الإعلام الإلكتروني اليوم قطاع منتج واقتصادي بامتياز، يشغّل مئات الصحافيين والمحررين والمصورين والفنيين، ويشكّل مساحة تواصل رئيسية بين الداخل اللبناني والاغتراب. لذلك، فإن دعم هذا القطاع هو دعم مباشر للاقتصاد الوطني ولحرية الرأي والتعبير.
وعليه، نؤكد أن المطلوب ليس محاصرة المواقع الإلكترونية ولا فرض رسوم اعتباطية عليها، بل تنظيمها وفق رؤية وطنية حديثة، تعترف بها كوسائل مرئية ومسموعة رقمية، وتضعها تحت مظلة القانون العادل والمجلس الوطني للإعلام، مع تشكيل لجنة خاصة داخل المجلس تُعنى حصراً بالإعلام الإلكتروني وتنظّم علاقته بالنقابات الأخرى بما يحفظ الحقوق ويصون الحريات.
ونقولها بوضوح وبصوت واحد:
نحن أهل الصحافة يا نقابة، نحن من في الميدان، نحن من نلاحق الخبر ونتحمّل الأخطار لننقل الحقيقة.
فلنقم باستفتاء شعبي صادق حول عملنا وعملكم، ولندع الشعب اللبناني يحكم من منهما الإعلام الحقيقي ومن يعيش على أطلال الماضي.
*ختامًا،*
نؤكد أن المواقع الإلكترونية اللبنانية كانت ولا تزال صوت الناس، ومرآة الحقيقة، ودرع الوطن الإعلامي في كل الأزمات، ولن تقبل العودة إلى الوراء أو الخضوع لقرارات غير قانونية أو غير واقعية.
الإعلام الرقمي ليس عدوًّا لأحد، بل هو الجيل الجديد للإعلام الحر والمسؤول، ومن يحاول كبحه إنما يحاول كبح ضوء الشمس.
الواقع برس اخبار محلية وعالمية