الوقت – بعد 5 أعوام على احتلالها، كسرت الغوطة الشرقية أغلال الإرهاب وعادت إلى كنف الدولة السورية، وأُسدل اليوم الستار عن مأساة أكثر من مليونين ومئتي ألف شخص، بعد أن لفظت مدينة دوما إرهاب “جيش الإسلام” وطردتهم صاغرين إلى شمال البلاد.
من دوما بدأت الحكاية وفيها أيضاً انتهت بعد أن تمكّن الجيش السوري، وإيماناً منه بضرورة حقن الدماء وبعد مفاوضات استمرت لعدة أيام بشأن خروج إرهابيي “جيش الإسلام” من مدينة دوما في الغوطة الشرقية لدمشق، من التوصل لاتفاق بدأ تنفيذه وفق البنود التالية:
– خروج إرهابيي “جيش الإسلام” باتجاه مدينة جرابلس الحدودية مع تركيا في ريف حلب الشمالي الشرقي بسلاحهم الخفيف.
– تشكيل فريق عمل برئاسة روسية يضم ممثلين عن الجانب السوري والدول الضامنة لعملية “آستانا” لترتيب موضوع تسليم الأسرى المختطفين من المدنيين والعسكريين الموجودين في سجون “جيش الإسلام” للدولة السورية وكشف مصير الباقيين.
– تسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة الموجودة بحوزة “جيش الإسلام” للجيش السوري.
– يمنع وجود أي سلاح خفيف في مدينة دوما وسيكون تنفيذ هذا البند بعد تشكيل مجلس محلّي في دوما توافق عليه الدولة السورية.
وبدأ تنفيذ الاتفاق مساء الأحد بخروج الفارين من إرهابيي “فيلق الرحمن” إلى منطقة دوما عندما تقدّم الجيش السوري وبسط سيطرته على بلدتي حمورية ومديرا والذين يبلغ عددهم حوالي 200 إرهابي بالإضافة إلى أفراد عوائلهم.
أهمية نصر الغوطة الشرقية
النصر الكبير الذي حققه الجيش السوري في معركة الغوطة يمكن قراءته من عدد جوانب:
الجانب الإنساني والوطني المتمثل بقيام الجيش السوري بدوره في حماية المدنيين وتحرير أكثر من 2 مليون شخص من إرهاب الجماعات المسلحة، فحجم السخط الشعبي بين أهالي الغوطة الشرقية من الجماعات الإرهابية التي أخذتهم رهينة لقرارات خارجية عابرة للحدود كان واضحاً، فما أن أعلن الجيش السوري عن هدنة في المنطقة وأمّن ممرات لخروج المدنيين حتى قرر أغلب سكان المنطقة الارتماء بأحضان جيش بلادهم وخرج عشرات الآلاف عبر ممرات الجيش إلى المناطق التي أعدّتها الدولة السورية لاستقبالهم وباشرت على الفور بتقديم التسهيلات اللازمة لهم تمهيداً لنقلهم بشكل آمن إلى مراكز إقامة مؤقتة مجهزة بكل المستلزمات الأساسية لاستعادة حياتهم الطبيعية بعيداً عن الترهيب الذي مورس عليهم منذ سنوات من قبل تنظيمات امتهنت الإرهاب والتنكيل والتكفير.
أهالي الغوطة الشرقية لدمشق كانوا على علم مسبق بأن جيش بلادهم لن يتخلى عنهم، وكانوا على يقين أيضاً أن ليل الإرهاب والترهيب إلى زوال، ومع ذلك فإن سطوة الإرهاب والخوف الذي فرضته التنظيمات على أهالي الغوطة لسنوات منعتهم سابقاً من الكلام إلى أن تكسر حاجز الخوف برؤية جيش الوطن والوصول إلى بر الأمان سواء أثناء خروجهم إلى الممرات الآمنة أم من خلال وصول الجيش إليهم.
وعلى الصعيد الميداني والأمني فإن إعلان تحرير الغوطة الشرقية يعني أن العاصمة السورية دمشق أصبحت آمنة بنسبة لا تقل عن 98% ويبقى فقط جيبان في جنوب دمشق تنتشر فيهما بعض بقايا الجماعات الإرهابية المسلحة وهي الحجر الأسود ومخيم اليرموك، وهذه المنطقة سيتم الانتهاء من وجود الإرهاب فيها مباشرة بعد استكمال تنفيذ اتفاق دوما، ومن المتوقع أن يخضع هذان الجيبان إلى اتفاق تسوية مماثل لما حصل مؤخراً في الغوطة باعتبار أن المسلحين أضعف بكثير من المقاومة.
أما على الصعيد الدولي فإن الوضع بعد تحرير الغوطة ليس كما كان قبلها، فذريعة الكيماوي والتدخل العسكري الدولي (والأمريكي على وجه التحديد) قد انتهت، وبينما كانت الغوطة المسرح الجاهز والمعدّ مسبقاً لتركيب وإخراج مسرحية الأسلحة الكيماوية وإلصاق التهمة بالجيش السوري فإن الوضع اليوم بعد تحرير دوما قد تغير بالكامل، وبعد أن حطت معركة الغوطة رحالها وأعلن الجيش السوري النصر المؤزر فإن الإرهابيين ورعاتهم وصلوا إلى قناعة أن إسقاط الدولة السورية بات مستحيلاً، وتجلى ذلك في التصريحات الأخيرة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي أكد أمس الأول أن الرئيس السوري بشار الأسد باقٍ في منصبه ومن الصعب تنحيته.
اليوم إذاً تحقق النصر على الإرهاب الذي جثم على صدور أهالي الغوطة لسنوات، واليوم ينام أهالي الغوطة آمنين على حياتهم وحياة أطفالهم من ممارسات التنظيمات الإرهابية، التي اتخذتهم دروعاً بشرية منعاً لتقدم الجيش السوري، وهم مطمئنون على أموالهم وأرزاقهم التي عمد المسلحون على مدار الأعوام الخمسة الماضية إلى مصادرتها وسرقتها، وبعد اليوم لن يجوع طفل، ولن يفارق مريض الحياة بسبب نقص الدواء الذي كان يسلب منهم، ومن خرج من أهالي الغوطة إلى كنف الدولة ينتظر من حكومة بلاده المسارعة في إعادة إعمارها وتوفير الخدمات المعيشية والصحية والتعليمية ليتمكنوا من العودة إليها في القريب العاجل وهو ما سارعت إليه الدولة السورية بالفعل حيث بدأت تعمل على إعادة تأهيل عدد من المدارس في حمورية والنشابية كما سارعت إلى إعادة الخدمات الأساسية والصحية لأغلب مناطق الغوطة بعد ساعات من تحريرها.