البلد نحو الإفلاس

جمود قطاع المقاولات… يخرب بيوت عشرات الآلاف!

 

 

يهدد تطاول المصارف على أموال المودعين، وسياسة التضييق التي فرضتها للحفاظ على ما تبقى من ودائع لديها، بإفلاس أكثر من قطاع بدأ يعد العدة لإعلان التصفية النهائية.

 

ما يعني عملياً افلاس عشرات آلاف اللبنانيين، الذين إن لم تقتطع من رواتبهم الشهرية، يعيشون القلق من استمرار حالة البطالة القسرية المفروضة على اللبنانيين عموماً، وتمهد لتفليسات تقضم الحقوق بصورة مباشرة.

 

لا قروض سكنية ولا مشاريع إنمائية

 

من بين القطاعات المتضررة، التي تركت انعكاساً تراجيدياً على العجلة الاقتصادية، قطاع الإعمار والتطوير العقاري، الذي سبق باقي القطاعات في الوقوع بالشلل، منذ أن توقفت القروض الإسكانية، ومن ثم وقف عمل الكسارات والمرامل، وصولاً إلى تلاعب الصرافين بسعر صرف الدولار، وامتناع المصارف عن إعطاء الكفالات عموماً. وعليه، لم يعد الحديث عن شلل القطاع حكراً على توقف المشاريع السكنية، وإنما على مشاريع إنمائية، وعقود موقعة مع البلديات، ومجلس الإنماء والإعمار، ووزارات، بتمويلات محلية وخارجية، دخلت في دائرة الفسخ، أو التوقف المؤقت، ريثما تتبلور قيمة الدولار الحقيقية في المرحلة المقبلة، وتوفر المصارف مجدداً الاعتمادات والكفالات.

 

من مؤشرات بدء تدهور هذا القطاع، كانت لقاءات في الأيام الأخيرة، أجرتها نقابة المقاولين والمتعهدين مع المعنيين في مجلس الإنماء والإعمار، وفي وزارة الطاقة، لمطالبتهما بفسخ عقود موقعة سابقاً، أو استلام الأعمال بشكل جزئي، مع توقيف العقود التي ستؤدي بنودها الملزمة إلى تكبيد القطاع خسارات لا يمكنهم تحملها.

 

وبالفعل لجأ بعض المقاولين إلى تصفية حساباتهم مع الجهات المنفذة للمشاريع، وراحوا يبحثون عن توجيه آلياتهم إلى بلدان أخرى، غير معولين على انفراج الأزمة قريباً.

 

شرارة الدولار الحارقة

يشرح أحد المقاولين الذين يلتزمون عدة مشاريع في لبنان، أن أزمة القطاع الكبرى ولدتها شرارة الدولار، الذي يحتاجه المقاولون في تأمين المواد الأولية الأساسية، من باطون وحديد تسليح وأعمدة إنارة، ومحطات توليد كهرباء وغيرها، فيما المصارف، بعدم توفيرها الدولار، وضعتهم كسواهم رهينة السوق السوداء بأسعارها المتبدلة.

 

إلا أنه حسب نقيب المقاولين مارون الحلو، فإن عثرة القطاع الأساسية مرتبطة أيضاً بوقف التسهيلات المصرفية، والتي كانت تمنح على شكل كفالات، يستحصل عليها المقاولون، لقاء رهن المشاريع المنفذة، ويستخدمون أموالها لسداد تكاليفهم المسبقة، من مهندسين وعمال وطبوغرافيين، ولتأمين المواد الأولية. علماً أن هذه الكفالات تشكل شرطاً أساسياً من شروط رسو الالتزامات على الشركات المقاولة.

 

عمليا تضم نقابة المقاولين نحو 1800 مقاولاً في لبنان، 600 منهم فقط يسددون اشتراكاتهم. وبالتالي، كانوا يمارسون نشاطاً فعلياً على الأراضي اللبنانية.

 

حجم هؤلاء يغطي نحو 30 بالمئة من الناتج الوطني، كما يشرح الحلو، لافتاً إلى أن ثلث حجم دين المصرف المركزي للقطاع الخاص، هو لقطاع المقاولات والتطوير العقاري، أي ما قيمته 20 مليار دولار، وبالتالي فإن انعكاس تعثر هذا القطاع لا بد أن يشمل 30 بالمئة من القوة الإنتاجية التي لا زالت عاملة في لبنان، وبين هؤلاء مهندسين، وعددهم في جداول نقابة المهندسين 75 ألف مهندس، ثلثهم يعملون في الخارج، وثلثين في لبنان، نصف هؤلاء كما يقول الحلو، أي 25 ألف مهندس، يعملون في مجال المقاولات والدراسات، هذا إضافة إلى الطوبوغرافيين، تجار مواد البناء والأداوات الصحية وما يشغلونه من قوة عاملة، معامل إنتاج آلات الكهرباء، السائقين والعمال.

 

معظم هذه القوة الإنتاجية متوقفة كلياً حالياً، وفقا للمعنيين في شركات التطوير العقاري، والذين يتحدثون عن عجز في تأمين المستحقات من خلال استحقاق بعض الفواتير المقدمة لوزارة المالية أو البلديات، ذلك لأن سداد الفواتير هو بالليرة اللبنانية، فيما الموردون يطلبون ثمن البضائع بالدولار.

 

فسخ العقود.. ولا أعمال

قد لا ينطبق الأمر على المشاريع المنفذة عبر جهات خارجية مانحة، كالبنك الدولي، أو الصندوق الإسلامي والصندوق الكويتي، وغيرها من الجهات التي تمول مشاريع إنمائية أساسية بالعملة الأجنبية. ومع ذلك، امتنعت الجهات المنفذة، كما تقول المصادر، عن إعلان رسو بعض المشاريع على أصحابها، بسبب عدم قدرة الفائزين بالمناقصات على تقديم الكفالات المصرفية.

 

أما بالنسبة للعقود التي وقعت قبل فترة قصيرة من بدء الأزمة المصرفية الحالية، فهناك مطالبة من قبل نقابة المقاولين برفع قيمتها، وتسديدها بالدولار.

 

كما تطالب النقابة أيضاً بتسديد بعض المستحقات القديمة للمقاولين. وإذا لم يكن ذلك ممكناً، فبفسخ العقود مع إعفاء المقاولين من عقوبات التخلف عن تنفيذ المشاريع، وذلك ريثما تتأمن الحلول السريعة والناجزة، عبر تشكيل حكومة قادرة على إنقاذ الوضع الاقتصادي من الحالة التي وصل إليها.

 

قد يعتقد البعض، أن ما لم يتحقق من وفر من خلال إرساء المناقصات الشفافة، ربما يتحقق من خلال وقف كلي لمشاريع كانت تعتبر مزاريب للهدر والفساد في الدوائر الرسمية. إلا أن الطامة الكبرى، هي في وقوع تداعيات انهيار القطاع على القوة الإنتاجية العاملة، لتجرف معها الطبقة المتخصصة وتدفعها للبحث عن فرص عمل بديلة في الخارج. ما يهدد بإخلاء لبنان من نخبة، ظلّت تعمل في أصعب الظروف على أمل الوصول إلى يوم تسهم فيه خبرتها ببناء بلد

شاهد أيضاً

مجازر إسرائيل = عدالة السما كتير قوية/دكتور عباس

بسم الله الرحمن الرحيم إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ …