هل هي إعادة ترتيب للبيت الداخلي

بقلم الاعلامية بشرى الزيني

هل هي إعادة ترتيب للبيت الداخل ،الذي لطالما ظهر للعلن بتنسيقه وترتيبه وإشراقه، أم عملية تصحيح جارية في القارة العجوز ، حمل لوائها الشعب الفرنسي بطبقته الوسطى والفقيرة ، أم هو تطور موضوعي تفرضه متغيرات التاريخ والجغرافية

ربما لم يكن صدفة أن يبدأ الحراك في فرنسا مع أعياد الميلاد ، وربما هي صدفة يفرضها قدر كان يوماً احمق الخطى فوصل بهم إلى ما وصل ، مشاكل كبرى ظهرت وتفاقمت فلم تعد الأساليب الممكنة والمتبعة للتعامل معها ناجعة رغم ما تحمله من دعوة للحوار وتنازلات تبتغي احتواء الغضب الشعبي قبل كل شيء إلا أن مشاهد المدرعات وقنابل الصوت و الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه والسيارات المحترقة .. تعيد إلى الأذهان ربيعنا العربي بنكهة أوروبية هذه المرة، ورغم أن القادة هناك تابعوا عن كثب مايجري في منطقتنا وأدلوا بدلوهم في كثير من قضايانا ، وقعوا في الفخ، فجابهوا مشاكلهم السياسية بقوة البوليس وكانت الحلول متخبطة ومتأخرة فزادت الطين بلة فكنا امام مشهدين ، المواجهة تارة بين الشعب والحكومة مع إخفاق الأخيرة بإقناع أحدٍ من المتظاهرين بعدم التمرد والاحتجاج سواء بوسائل الحوار او القمع ، ومشهد العدوى الذي بات ينتقل بين بلد أوروبي وآخر بطريقة دراماتيكية توحي باشتعال الفتيل كله وإن كانت البداية فرنسا.
ولكن الشتاء أتى ، شتاءٌ قد يكون قاسياً على قارة عجوز لازالت مطامع استعادة النفوذ والإرث الثقافي وقيادة قد تمتد خارج الحدود نصب عيون قاطنيها من القادة الأوروبيين
واقع الحال في أوروبا يتحدث عن وباء ، كان مرضاً فاستشرى في الوقت الذي ظن فيه السقيم أنه صحيح ، فبدأت الأثار والأعراض تظهر وتنبئ بمستقبل ضبابي ، قد يكون السواد فيه هو الطاغي
فالقرارات الأخيرة والسياسات الأوروبية المتبعة والمبنية على ارتهانات خارج حدودها بدأت بالأزمات المالية ” ذات التأثير الأكبر على الاقتصاد ” وتبعاتها المختلفة ووصلت إلى حد إنفاق الموارد على المشاركة بصراعات عدة خارج القارة تحت مسميات وهمية بشكل يقارب إلى حد كبير ما سببته أزمة الرهون العقارية عام 2008 من فقاعة أزمات امتدت إلى يومنا هذا وعلى مايبدو لن تنتهي
حيث ادى تضاعف الدين الحكومي على مستوى العالم بصورة كارثية إلى المزيد من التضخم في العالم ولاسيما الغرب ، لتبدأ دائرة الاجترار حل وحيد للحكومات دون القدرة على اجتراح حلول جديدة ، فكانت سلسلة القرارات التي تدعو إلى تخفيض الاستهلاك بغرض تخفيض الديون تدريجياً أو على الأقل وقف تراكمها ، في طريق يسعى إلى وقف دعم الاقتصاد نهائياً وهو ما بدأت أثاره بجملة قرارات جديدة اتخذتها الحكومات وكان تأثيرها السلبي جلياً على عامة الشعب الذي انتفض أخيراً بسلسلة احتجاجات غير مسبوقة لم تقتصر فقط على فرنسا وحدها بل امتدت إلى العديد من الدول الأوروبية ، والمطالب واحدة لكنها متصاعدة بدأت بتحسين مستوى المعيشة وانتهت برحيل أصحاب الرؤى والسياسات الاقتصادية والاجتماعية الفاشلة .
وبالرغم من كل هذه المقدمات المنطقية ، يتحدث البعض عن أن مايجري اليوم في فرنسا وشقيقاتها قد يكون نوع من المؤامرة الأميركية على القارة العجوز ، بدأت شراراتها منذ أن طرح ماكرون فكرة الجيش الأوروبي الموحد التي طرحها ماكرون كبديل عن الابتزاز الذي يمارسه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الاتحاد الأوروبي، لكي يتحمل تمويل الوجود الأمريكي في القارة العجوز، ضد أي تهديدات خارجية محتملة .
هو سبب قد لاينفصل عما سبق فثمن الخروج من العباءة الأميركية باهظ وهي التي تحكم قبضتها جيداً على العنق الأوروبي ، قد يكون مايجري نوع من ابتزاز جديد لبلاد ديمقراطية الممارسة ولكن قرارها لم يكن يوما إلا رهين القرار الأميركي والمصالح الأميركية التي قد يكون لها اليد الطولى فيما يجري كسبب ربما وقد يكون كنتيجة .

شاهد أيضاً

الثورة لا تحدها الأرض ، وقفة تضامنية من برلين مع لبنان

خاص الموقع الواقع برس أقامت الجالية اللبنانية في ألمانيا بالتنسيق مع الرئيس السيد أحمد أحمد …