نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا للكاتب ديفيد هالبفنغر، يقول فيه إن سلاح رئيس الوزراء الإسرائيلي السري في معركته الانتخابية هو في الواقع ليس سرا.. إنه الرئيس ترامب.
ويشير هالبفنغر في مقاله إلى أن لوحات إعلانية ضخمة انتشرت في كل من تل أبيب والقدس قبل شهر، تحمل صورة لرئيس الوزراء والرئيس يتصافحان ويبتسمان، وتحت الصورة كلمتان هما “مستوى مختلف”، وهو ما يعني ضمنيا أن منافسي نتنياهو هم مجرد هواة.
ويلفت الكاتب إلى أنه قبل ساعات من إعلان المدعي العام الإسرائيلي نيته لتوجيه تهم الفساد لنتنياهو، فإن ترامب قال للمراسلين في فيتنام إن الزعيم الإسرائيلي “صلب وذكي وقوي.. وقام بعمل رائع بصفته رئيسا للوزراء”.
ويذكر هالبفنغر أن البنتاغون أعلن في يوم الاثنين الذي تلا ذلك، نشرا مؤقتا لقوات أميركية في إسرائيل، وفي يوم الأربعاء، قام نتنياهو، الذي يمنعه القانون الإسرائيلي من استخدام الجنود الإسرائيليين لتدعيم حملته الانتخابية، بنشر فيديو وصور له محاطا بالجنود الأمريكيين بدلا من ذلك.
ويعلق الكاتب قائلا إن “هذا كله يساعد نتنياهو كثيرا أمام الناخب الإسرائيلي في بلد حصل فيه ترامب على نسبة إعجاب قد تكون الأعلى من أي بلد آخر، بحسب الاستطلاعات. ولدى الإسرائليين أسباب كثيرة للإعجاب بترامب: فقد أمطرت إدارته نتنياهو بهدية تلو الأخرى، بما في ذلك نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وتخفيض المساعدات للسلطة الفلسطينية، وتبني الرأي الإسرائيلي بخصوص اللاجئين الفلسطينيين، وأن أجيال اللجوء الجديدة يجب عدم اعتبارهم لاجئين”.
ويقول هالبفنغر إنه “في الوقت الذي كان فيه هناك رؤساء ورؤساء وزراء على علاقة وثيقة، إلا أن علاقة ترامب ونتنياهو لم تكن لها سابقة في تاريخ البلدين، بحسب ما يقول الدبلوماسيون المخضرمون، ويتضمن ذلك توازيا في السياسة وصراعا مع الفضائح، وشبها شديدا في الطريقة التي يحقرون فيها المعارضين لهما، بالإضافة إلى أن العلاقة أفادت ترامب أيضا، فسياسات نتنياهو نفرت اليهود الديمقراطيين، وساعدت ترامب في تصوير الديمقراطيين على أنهم المصدر الوحيد للدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل”.
ويستدرك الكاتب بأن “ما سيسبق انتخابات 9 نيسان/ أبريل في إسرائيل قد يكون آخر احتفال لهما معا، فهزيمة نتنياهو أصبحت الآن احتمالا جادا، فحزبه تراجع بعد حزب رئيس أركان سابق له شعبية، هو بني غانتز، بحسب الاستطلاعات، وحتى لو فاز نتنياهو فقد لا يستطيع تشكيل حكومة؛ لأن غانتز وعد بألا يدخل معه في ائتلاف ما دام يواجه احتمال توجيه تهم له، وإن استطاع نتنياهو أن يشكل حكومة ائتلاف فإنها ستكون يمينية جدا، ما سيعقد وربما يعطل تماما خطة ترامب لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”.
وينوه هالبفنغر إلى أنه “في أمريكا ساعد تحالف نتنياهو الجديد مع حزب متطرف على السماح للديمقراطيين بانتقاده دون قلق من رد فعل الجمهوريين، بالإضافة إلى أن قضية ضده في المحاكم قد تؤدي إلى إزاحته من الحكم إلى الأبد”.
ويقول الكاتب: “لكن إلى الآن فإن دعم الإدارة مستمر: فقد أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو عن زيارة لإسرائيل في جولته الشرق أوسطية، التي تبدأ في 18 آذار، ويتوقع أن يصل الدعم السياسي لنتنياهو ذروته بعد ذلك بأيام، حيث يتوقع أن يحصل نتنياهو على اجتماع في المكتب البيضاوي، إن لم تكن مأدبة عشاء رسمية في البيت الأبيض خلال اجتماع الإيباك، وهي مجموعة الضغط المتنفذة المؤيدة لإسرائيل”.
ويفيد هالبفنغر بأن “دعم ترامب وصل إلى حد جعل المحللين المتابعين للمساعدات الأميركية لحملة نتنياهو يعتمدون على التخمين حول ماذا سيرمي ترامب ناحيته بعد ذلك: مجرد مديح، أم شيئا أكثر وزنا، مثل المصادقة على تشريع مدعوم من الحزب الجمهوري يعترف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان”.
وتنقل الصحيفة عن المفاوض المخضرم في الشرق الأوسط تحت رئاسة جمهوريين وديمقراطيين، آرون ديفيد ميلر، قوله: “اللعبة من ناحية ترامب هي أن يفعل ما بوسعه لتتم إعادة انتخاب بيبي”.
ويجد الكاتب أن “الأمر ليس غريبا أن يحاول رئيس لأميركا أن يؤثر على الانتخابات الإسرائيلية: فتعليق جورج بوش الأب لضمانات الديون ساعد إسحاق رابين في هزيمة إسحاق شامير بسبب تمرد شامير، وقام بيل كلينتون بعقد قمة عربية إسرائيلية وزيارة للبيت الأبيض، في محاولة فاشلة لمساعدة شيمون بيريز لهزيمة نتنياهو في 1996، وعلاقة نتنياهو السيئة مع كلينتون، الذي كان يعد مؤيدا لإسرائيل، ساعدت على خسارة نتنياهو بعد ثلاث سنوات في منصبه، بحسب أنشيل بفيفر، مؤلف (بيبي)، الذي يعد سجلا لسيرة نتنياهو”.
ويستدرك هالبفنغر بأنه “لم يسبق أن كانت هناك مثل هذه العلاقة المتبادلة، كما هي بين ترامب ونتنياهو، من حيث تشابه الأسلوب على الأقل، فمن الصعب مثلا معرفة إن كان نتنياهو يكرر مصطلح (مطاردة الساحرات)، الذي يستخدمه كل منهما لنزع الشرعية عن التحقيقات التي تعكر صفو إدارتيهما، باللغة العبرية أكثر من ترامب بالأصل الإنجليزي للمصطلح، ومع أن نتنياهو لا يهتم بأن يترجم تعبير (أخبار مزيفة) في منشوراته العديدة على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الوقت الذي يصنف فيه ترامب المؤسسات الإخبارية على أنها (عدوة الشعب)، فإن نتنياهو قام بنشر إعلان يعد فيه بألا يسمح للصحافيين بأن يقرروا نتائج الانتخابات، بالإضافة إلى أن نتنياهو يستخدم استراتيجية (الرجل الذي لا غنى عنه)، وهي شبيهة بقول ترامب في خطاب الترشيح في 2016: (أنا وحدي من يستطيع إصلاح الأمور)”.
ويشير الكاتب إلى أنه في تفاعل يشبه قاعات المرايا، فإن نتنياهو غرد قبل أسبوع يمتدح برنامج ترامب المفضل “فوكس أند فريندس”، ويقول لمتابعيه: “انظروا ماذا يقولون على أحد أكثر البرامج مشاهدة في أميركا حول الاضطهاد ضدي”.
ويبين هالبفنغر أنه “من ناحية الشخصية والسياسة، فليست بينهما مشتركات كثيرة، فيمكن قراءة (مستوى مختلف) بطريقة أخرى هنا، فنتنياهو قارئ نهم وطالب تاريخ، أما ترامب فليس أيا منهما، ونتنياهو يشهد له حتى منتقدوه أنه رجل دولة محنك، أنشأ علاقات مع بلدان كانت عدوة، أما سياسة ترامب الخارجية فقد أدت إلى تنفير حلفاء أمريكا في أنحاء العالم، ومع ذلك فقد سبق نتنياهو باستخدامه السياسة الشعبوية والكراهية الإثنية، ومهاجمة الإعلام لتحقيق أهدافه قبل ترامب بعشرين عاما”.
ويقارن الكاتب قائلا: “حيث اعتمد ترامب على دعم الطبقة العاملة من البيض، فإن نتنياهو اعتمد على خليط من اليهود الأرثوذوكس المتدينين والمهاجرين الروس والطبقة العاملة من اليهود الشرقيين، الذين عاش آباؤهم في العالم العربي، وحولهم إلى قاعدة سياسية متحفزة لتقتص من الأشكناز المنحدرين من الغرب، المتعلمين والليبراليين، بحسب أري شافيت، الذي قال: (كلاهما ناجحان.. واستطاعا أن يقودا ثورة ضد النخبة)”.
ويلفت هالبفنغر إلى أن بفيفر يذكر في سيرة نتنياهو أنه في حملة عام 1999، اتهم نتنياهو الإعلام بالتآمر مع اليسار؛ لإفشاله وجعل الجمهور الحاضر يردد خلفه “إنهم خائفون”، وقال بفيفر إن ذلك شبيه جدا بصرخة “اسجنوها” التي استخدمها ترامب ضد هيلاري كلينتون، مشيرا إلى أن كلا من البيت الأبيض ومكتب رئيس الوزراء رفضا الإدلاء بتعليق لهذا المقال.
ويورد الكاتب أنه بحسب المقربين منه، فإن نتنياهو كان متخوفا من فوز ترامب في تشرين الثاني 2016، فمع كراهيته لهيلاري كلينتون، إلا أنه كان يعرف ما يتوقع منها، لكنه لم يكن يعرف كيف سيتصرف ترامب.
ويستدرك هالبفنغر بأن “نتنياهو أدرك بسرعة كم هو محظوظ، فقد كان على علاقة شخصية مع جاريد كوشنير، زوج ابنة الرئيس، وديفيد فريدمان، محامي إفلاس الرئيس الذي تحول إلى سفير أميركا لدى إسرائيل، وهو مؤيد قوي للاستيطان في الضفة الغربية، وشيلدون أديلسون، أحد الداعمين الأساسيين لحملة ترامب، كان داعما مخلصا لنتنياهو لفترة أطول، حتى أنه يمول صحيفة إسرائيلية تؤدي دورا أشبه بدور (فوكس نيوز)، وباختصار اصبحت علاقة نتنياهو بالبيت الأبيض بطاقة يستخدمها مع الزعماء الآخرين الذين يرغبون في دعم إدارة ترامب، بحسب المسؤولين الإسرائيليين”.
وتنقل الصحيفة عن شافيت، قوله إن ما كان مفقودا لدى ترامب هو القيود التي مارسها كل من كلينتون وأوباما، ولذلك فإنه عندما انتخب ترامب “برزت شخصية نتنياهو الأكثر عدوانية ووقاحة واستغلالا أكثر من أي وقت سابق”، ويرى شافيت أن نتنياهو شعر بوجود ترامب أنه مرخص له بأن يهاجم قائد الشرطة والمدعي العام، وللتخلي عن اتفاقية مهمة بالنسبة لليهود الأمريكيين الليبراليين للسماح لغير الأرثوذوكس بالصلاة عند الحائط الغربي، وآخرها للتوصل إلى تحالف مع حزب عنصري معاد للعرب (أوتزما يهوديت)، الذي يقارن فكره بالفكر النازي.
ويبين الكاتب أن ذلك كله تسبب بتآكل الدعم بين اليهود الأمريكيين الليبراليين، فكتبت باتيا أونجار في “ذي فوروارد”، قائلة: “على الديمقراطيين أن يعبروا عن دعمهم لإسرائيل وموقفهم ضد نتنياهو.. قد يبدو الأمر صعبا، لكن التهم الجنائية الموجهة له، وتحالفه مع أوتزما جعلا الأمر أسهل”.
يقول هالبفنغر: “لو كان كرم ترامب هذا مع نتنياهو له هدف، مثل أن يجعل نتنياهو أكثر تقبلا لخطة ترامب للسلام فيمكن تفهم الأمر، والخوف طيلة الوقت لدى اليمين المتطرف الاسرائيلي هو أن ترامب سيسعى للحصول مقابل الدعم الذي قدمه لنتنياهو كله على قبوله بدولة فلسطينية مع عاصمة في جزء من القدس”.
ويجد الكاتب أنه “مع ذلك فإن نتنياهو يأتي خلف غانتز الذي يحظى بدعم يمين الوسط، الذين يعتقد أن لديهم استعدادا للتنازل لأجل السلام إن أبدى الفلسطينيون الاستعداد ذاته”.
ويعلق ميلر على هذا فيقول: “قد تكون لدينا لأول مرة في تاريخ العلاقة الأمريكية الإسرائيلية حكومة إسرائيلية أكثر مرونة وأكثر استعدادا للمضي إلى الأمام من الإدارة الأميركية”.
ويختم هالفنغر مقاله بالقول: “قد يفوز نتنياهو في 9 نيسان، لكن وعد غانتز بألا يدخل في ائتلاف معه سيضطر نتنياهو للتحالف مع أحزاب أكثر يمينية من الأحزاب التي يحالفها اليوم”.
Touring Golan w/Trump ally Lindsey Graham, Bibi puts in pitch for U.S. recognition of Israeli sovereignty: "It’s very important that the int'l community recognize this fact & accept it, & most especially, our great friend the U.S." =Trump's next big gift? https://t.co/LfUulLvGK9
— David Halbfinger (@halbfinger) March 11, 2019