المصدر : مكور ريشون
- اخضرار الطبيعة هذه السنة اخضرار داكن. عندما نصعد شمالاً إلى روش بينا، ونجتاز سهل الحولة، تبدو لنا الحقول متوهجة بلون شديد الخضرة. بين جبل الشيخ المهيب، وهضاب رميم، يمتد شريط ضيق من الأرض المزدهرة، يُفرح القلوب. في كفر- بلوم، بقي عدد قليل من السكان، وفي بيت هيلل، بقي 100 من أصل ألف ساكن، أما كريات شمونه، فهي مدينة أشباح. لكن وراء الكتل الأسمنتية الضخمة التي تقطع الطريق في تل- حاي، هناك منطقة عسكرية مغلقة بالكامل. النصب التذكاري طرومبلدور [الأسد الذي يزأر] في تل حي مهدد، وكذلك كيبوتس كفر- جلعادي. حزب الله يراقب المطلة الخالية من الناس من 3 جهات، ويضرب الجليل بصواريخ كورنيت، وبالمسيّرات الهجومية.
- الكلّ يعرف أن نحو 85 ألف مواطن إسرائيلي اضطروا إلى مغادرة منازلهم القريبة من الحدود اللبنانية، وأصبحوا لاجئين في بلدهم. يوجد 9000 عنصر مدرب من قوات الرضوان تقريباً، مستعدون للقيام بهجوم شبيه بهجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر من الجنوب اللبناني. ولدى حزب الله ما يقارب الـ 40 ألف مقاتل، وللميليشيات الفلسطينية نحو 30 ألف مسلح. كما أن الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في سورية كثيرة. وفي حال نشوب حرب شاملة، ستكون إسرائيل في مواجهة جبهتين في الشمال مختلفتَين، حيث سيحارب ضدها 100 ألف مقاتل من “محور الشر”، ملتزمين تدميرها.
- ونذكّركم بأنه من مجموع 150 ألف صاروخ لدى “جيش الإرهاب الشيعي”، يوجد 5000 صاروخ دقيق. ويقدَّر عدد صواريخ الكورنيت بمئة، وعدد المسيرات القتالية بـ 2000. كما أن لدى حزب الله صواريخ مضادة للدروع متطورة وصواريخ بر- بحر. من هنا، فإن خط 72 كلم الذي يفصل بين الدولة اليهودية وبين لبنان الراديكالي، هو خط شديد التوتر وشديد الخطورة. والتهديد الذي ينطوي عليه أخطر بكثير من تهديد خطر غزة.
- المعضلة واضحة: الوضع الحالي لا يُحتمل. وليس في إمكان إسرائيل قبول أن يسكن سكان كريات شمونه في طبريا. كما لا تستطيع إسرائيل قبول وضع يكون فيه من الصعب العيش في مرغليوت، وفي المنارة، وفي يفتاح. وإذا لم يعُد سكان الجليل في أقرب وقت إلى منازلهم، فستنهار الصهيونية من تلقاء نفسها. لكن الحرب الشاملة مع حزب الله، ومع الميليشيات الفلسطينية والميليشيات الموالية لإيران، معناها حدث لم نشهد مثله في تاريخنا. لا نعرف ماذا سيجري في قواعد سلاح الجو عندما ستهاجَم بمئات الصواريخ الدقيقة. وليس واضحاً ماذا سيحدث لمحطات توليد الطاقة عندما ستُقصف. ولا نعرف إلى أي حد إسرائيل مستعدة لتحمُّل هجوم على منشآتها الاستراتيجية وبناها التحتية الحيوية.
- يقول المتفائلون المعتدلون إن الحل المهذب للمعضلة هو تطبيق القرار 1701. وأن المجتمع الدولي سيجبر لبنان على تطبيق القرار المشهور الصادر عن مجلس الأمن، وإبعاد حزب الله إلى ما وراء الليطاني. والولايات المتحدة وفرنسا هما اللتان ستحلان المشكلة بطريقة سياسية. بينما يقول المتشائمون الناشطون إن الجيش هو الذي سيقوم بالمهمة. وبعد الانتهاء من تفكيك “حماس”، نقوم بعملية عسكرية محدودة في الجنوب اللبناني، تجبر نصر الله على تطبيق القرار 1701، رغماً عنه.
- لكن يوجد شك كبير في أن عملية ضد لبنان يمكن أن تبقى محدودة. وعلى الأرجح أنها ستتحول إلى حرب شاملة. وثمة شك أكبر في أن العمل الدبلوماسي سيجبر أكبر تنظيم “إرهابي” في العالم على قبول انسحاب مهين. وفي جميع الأحوال، ونظراً إلى أن عناصر حزب الله مقاتلون مدربون على حرب العصابات، مزروعون وسط السكان المدنيين، ليس من الواضح قط ما هو مغزى إبعادهم إلى ما وراء الليطاني. من الصعب تنفيذ سيناريو يقتلعهم من قراهم الشيعية في الجنوب اللبناني، في حين توجد في الأنفاق تحت الأرض مخازن سلاح متطورة وآلاف الصواريخ.
- هناك خيار آخر، هو خيار القرار 1559. في 2 أيلول/سبتمبر، أصدر مجلس الأمن قراراً بشأن نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية. قيام حملة دولية تطالب بتطبيق هذا القرار بشدة، يمكن أن تشكل تهديداً استراتيجياً لحزب الله، وأن تخلق صداماً بين هويته كحزب لبناني، وبين هويته كطابور خامس إيراني متقدم. ونتيجة ذلك، سيواجه نصر الله مشكلة سياسية حقيقية، وسيتبدد زعمه أنه درع لبنان، وتنكشف حقيقة أنه حوّل لبنان إلى دولة فاشلة منقسمة وفقيرة.
في أي حال، النقاش المصيري بشأن الشمال يجب أن يجري الآن. لا يمكن انتظار نهاية العملية البرية في غزة. ولا يمكن تجاهُل المشكلة الإنسانية والأمنية التي تزداد تفاقماً، ولا تكفي التصريحات التي يطلقها كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين خلال زياراتهم للجليل الأعلى. إن علَم حزب الله، الذي يرفرف على بُعد مئات الأمتار من تل- حي، يتطلب منهم رداً صهيونياً مناسباً. لكن يجب ألّا يكون رداً متسرعاً، بل يجب أن يكون جذرياً، حكيماً، وصارماً.