المصدر : معاريف
- اليوم مع بداية سنة 2024، الحديث في إسرائيل عن اليوم التالي يجب أن يبدأ الآن. حالياً، يوشك الجيش الإسرائيلي على الانتقال إلى المرحلة التالية من القتال في قطاع غزة، بينما لا يزال هناك مسائل غير محلولة، وبصورة خاصة فيما يتعلق بالجبهة الشمالية في مواجهة حزب الله. الجيش بحاجة إلى مجموعة من القرارات من المستوى السياسي وتحديد الهدف، من أجل السماح له بالتخطيط بصورة تفصيلية للمراحل المقبلة في الحرب في غزة، وفي الساحة الشمالية. إن وضع آلية لليوم التالي الذي تصح تسميته، من عدة جوانب، بـ”اليوم الحالي”، ليس حاجة سياسية فقط، وخصوصاً في الجنوب، وفيما يتعلق بالعلاقات الثلاثية بين إسرائيل والولايات المتحدة ومصر، بل هو أيضاً بالنسبة إلى الجيش، حاجة عملانية عميقة إلى وضع هدف المعركة في قيادة المنطقة الجنوبية.
- وفيما يتعلق بالترابط بين مناطق القتال المختلفة، فإن الجدول الزمني للتقدم في منطقة خانيونس يقرّبنا من الانتقال إلى المرحلة التالية من الحرب في الجنوب، التي من المتوقع أن تعمل خلالها فرق أقل من الجيش الإسرائيلي في وقت واحد في القطاع. وهذه المرحلة تقرّب المستوى السياسي من اتخاذ القرارات المطلوبة في الساحة الشمالية في مواجهة حزب الله.
- في الأمس، قال نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، إن سكان المستوطنات الشمالية يستطيعون العودة إلى منازلهم، فقط بعد أن توقف إسرائيل تماماً الحرب في غزة. على الرغم من أنه من الواضح أن الحرب في غزة قد تستمر شهوراً طويلة. يلمّح حزب الله إلى أنه حتى بعد انتقال إسرائيل إلى المرحلة المقبلة من الحرب في جنوب غزة، فإنه يخطط لمواصلة الإبقاء على جبهة قتال فعالة في مواجهة إسرائيل، إلى أن يجري التوصل إلى حل سياسي لا يظهر في الأفق في هذه المرحلة .
- بالنسبة إلى المستوى السياسي في إسرائيل، إن المغزى هو الاقتراب من منعطف حاسم، بحيث لا يمكن الاستمرار في قبول الوضع الأمني في شمال البلد كوضع دائم شهوراً طويلة، ومن هنا يأتي احتمال اتخاذ قرار بشأن رفع درجة وقوة الردود على حزب الله بصورة كبيرة، الأمر الذي سيؤدي إلى تصعيد، ويتسبب باضطرابات كبيرة في الساحة الشمالية التي يمكن أن تتحول إلى الساحة المركزية للحرب، ما دام حزب الله يواصل إطلاق النار على إسرائيل، وما دامت قواته لم تنسحب إلى الوراء. ويدّعون في الجيش أن حزب الله يدفع أثماناً، بينها مقتل أكثر من 130 مقاتلاً وتضرُّر بناه العسكرية، وهي أكبر بكثير من الضرر الذي يتسبب به لإسرائيل.
- وحتى لو كان هناك شيء من الصحة في هذا الكلام، فإنه غير كافٍ لتغيير التعقيد الاستراتيجي الذي فرضه حزب الله على إسرائيل، بعد الهجوم “الإرهابي” لـ”حماس في السابع من أكتوبر.
انتقادات سياسية من اليمين، ومن المعارضة
- يمكننا أن نفهم منطق اتخاذ القرارات في الحكومة، القاضي بالتركيز على الحرب في مواجهة “حماس”، لكن في المقابل، من الواضح أن الوضع الناشىء في الشمال جرّاء القتال المتواصل، هو وضع غير محتمل، على الرغم من أنه حتى الآن، ما بين استخدام القوة العسكرية، أو استخدام الوسائل السياسية، لا توجد معادلة في إمكانها إعادة الهدوء إلى الحدود الشمالية مع لبنان، وفي الوقت عينه، تأمين الحماية والإحساس بالأمان للسكان. من هنا، إن ابتعاد قوات الرضوان في حزب الله هو شرط ضروري.
- لقد أوضحت إسرائيل في عدة مناسبات أنها تفضل محاولة حل الوضع سياسياً، لكن عندما يتحدثون عن العودة إلى القرار 1701، فإن هذا القرار يتضمن أثماناً مستقبلية قد تضطر إسرائيل إلى دفعها. كما أن اتخاذ قرارات معينة يمكن أن يؤدي إلى انتقادات سياسية لرئيس الحكومة من طرف اليمين والمعارضة اللذين سيدّعيان أن إسرائيل خضعت لابتزاز حزب الله.
- حتى الآن، لا يظهر حل سياسي قريب في الأفق، وأسلوب استخدام القوة العسكرية لا يؤدي إلى استعادة الردع على الحدود الشمالية، والصحيح الآن، أن حزب الله، على الأقل على صعيد التصريحات، يدّعي أنه لن يوقف إطلاق النار ما دام الجيش الإسرائيلي مستمراً في حربه على غزة. انتقال الجيش الإسرائيلي إلى المرحلة التالية من القتال في غزة يجري بالتدريج، ويؤثر في الواقع في الميدان. وننصح كل الذين تابعوا خلال الأشهر الثلاثة من القتال في الجنوب وأساليب المناورة ومكان وجود فرق الجيش الإسرائيلي في كل مرحلة، ألّا يتوقعوا احتفالات بانتهاء المرحلة الثانية من القتال والبدء بالمرحلة الثالثة.
…..
- في سنة 2024 التي تبدأ اليوم، من المتوقع أن تحمل خلال الأشهر المقبلة تساؤلات بشأن استمرار الحرب في غزة، مع احتمال كبير للتدهور إلى حرب، أو تصعيد كبير في مواجهة حزب الله في الشمال. الجهد المركزي الذي يبذله الجيش الإسرائيلي هو في خانيونس، ومن خلال الفرقة 98 التي تعمل فيها 7 ألوية. هذا الجهد هو الذي سيؤدي إلى زيادة الضغط العسكري على كبار المسؤولين في “حماس” فوق الأرض، وخصوصاً تحت الأرض، ومحاولة الوصول إلى كبار قادة الحركة. كما من المفترض أن يؤدي الجهد العسكري المكثف، وفق عقيدة الجيش، إلى التقدم أيضاً في موضوع إطلاق مزيد من المخطوفين.
منطقة عازلة في القطاع
- برزت في الأيام الأخيرة مؤشرات أولى، لكن من المبكر جداً رؤية أكثر من ذلك. في مقابل الجهد المركزي الذي يقوم به الجيش من خلال الاستمرارفي “تطهير” شمال القطاع، وباستثناء حيّ درج التفاح الذي لم تتم السيطرة العملانية عليه، وما زال يشهد معارك. إن ازدياد الحوادث في الأيام الأخيرة في مواجهة “المخربين” في مناطق واقعة تحت سيطرة الجيش منذ فترة طويلة، مثل بيت لاهيا، أو أحياء في قلب مدينة غزة، يدل جيداً على حرب العصابات التي من المتوقع أن يواجهها الجيش الإسرائيلي في كل مكان تبقى فيه قواته بصورة دائمة.
- وجود قوات ثابتة من أجل حماية محور الإمداد اللوجستي الذي يربط، عملياً، شمال القطاع بجنوبه، سيستمر في المرحلة المقبلة من القتال، وكذلك في الخطط المتعلقة ببقاء قوات تؤمّن الممر الشمالي، من منطقة إيرز، مروراً بالشاطىء، وحتى أقصى منطقة الجنوب في مدينة غزة. هذا الوجود في الميدان هو الذي يجب أن يؤمّن المرونة للجيش للقيام بعمليات أُخرى في الأشهر المقبلة في شمال القطاع…
- من بين القرارات التي يجب أن يتخذها المستوى السياسي في الأيام المقبلة هي المتعلقة بشمال القطاع تحديداً. مَن هي الجهة التي ستهتم بالسكان المدنيين الذين بقوا في مدينة غزة؟ وهل في استطاعة السكان في الجنوب العودة إلى الشمال؟ قضية من المنتظر أن يضغط الأميركيون من أجل حلّها، أم يجب الإبقاء على الوضع الحالي وزيادة الضغط على “حماس” من طرف السكان الغزيين.
- بالإضافة إلى الجهد المركزي الذي يبذله الجيش في خانيونس وفي وسط القطاع وجنوبه، فهو يعمل حالياً على إقامة منطقة عازلة، من هنا تأتي أهمية العمليات التي تجري في مخيمات البريج والمغازي وخربة خزعا وغيرها.
- في هذه المناطق المحاذية للسياج الحدودي، وفي مقابل المستوطنات الإسرائيلية، والتي استُخدمت كقواعد لانطلاق “المخربين” في هجومهم “الإرهابي” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، يوظف الجيش الإسرائيلي جهداً مضاعفاً في هدم البنى التحتية “الإرهابية”، وتدمير الأنفاق وكشف الميدان نحو مسافة كيلومتر من أجل السماح للجيش بسيطرة أفضل، وللمراقبة وتحسين القدرة الدفاعية عن المستوطنات.
- في هذا النمط من القتال، يتقدم الجيش، مرحلة تلو مرحلة، في تفكيك القدرات العسكرية للعدو الذي لا يريد الاستسلام، حتى لو كانت الكارثة التي يتسبب بها لغزة واضحة أمامه، وحتى الآن، وبعد 3 أشهر من القتال، من الصعب جداً رؤية نهاية الحرب.
- الأمر الأكيد هو أنه من دون هدف سياسي، سيكون من الصعب جداً مواصلة القتال وقتاً طويلاً بنجاح، في الوقت التي تتعمق الخلافات بين رئيس الحكومة وأعضاء الكابينيت الآخرين، ويجري تفضيل الاعتبارات السياسية التي تتدخل اليوم في اتخاذ القرارات، كل هذه مؤشرات لا تشجع، في مواجهة أشهر القتال الطويل التي تنتظرنا.