لم يعد هناك أدنى شك في أنّ وزارة الصحّة العامة حُسِمَت لصالح “حزب الله” تبعا لمؤشّرات ومواقف عدّة تدل على توافق وشبه إجماع بين القوى والكتل السياسيّة على النأي بالنفس عن حصة الحزب.
فلم يعترض رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري على ذلك ولم يمانع إسناد الصحّة للحزب مع تحفّظات مقرونة باحتمال أنْ تفرض عقوبات أو أنْ يوقف المجتمع الدولي تمويله لها، حتى أنّ “القوّات اللبنانيّة” صاحبة الحق برفع الصوت والتمسّك بها لم تُصدِر أيّ إشارات اعتراض في هذا الصدد.
التوافق الداخلي قابله تصعيد خارجي، إذ لوّحت الولايات المتحدة الأميركيّة بعقوبات لوقف المساعدات الطبّية في المستقبل للوزارة وترافق ذلك مع حملة إسرائيليّة مزعومة عن انتشار قواعد صاروخيّة لـ”حزب الله” في محيط المطار الأمر الذي فُهِمَ منه أنه رسالة عابرة ومحددة الأهداف لتهديد لبنان الرسمي والتهويل على الرئيس المكلّف وهز العصا في حال الرضوخ لرغبة الحزب.
ولكنّ رسالة التهديد لم يكن لها تأثير سلبي، فتوزير حزب الله لا يواجه اعتراضاً داخلياً ولا عقدة وزاريّة في هذا الشأن، والرئيس الحريري ليس راغباً في توتير علاقته بالحزب بعدما تجاوزت مطب المحكمة الدولية وقطعت أشواطاً متقدّمة في التهدئة وحصل ربط النزاع بين الطرفين.
لم يعلن الحزب رسمياً أنّه يريد الصحة بل عبّر عن قراره بالمشاركة الفعّالة في وزارات تُعنى بهموم الناس من أجل مكافحة الفساد والهدر.
لكنّ تطلّع الحزب إلى وزارة خدماتيّة كان كافياً لفتح أبواب الخارج الذي يصنّفه
منظمة إرهابيّة ويُدرجه على لائحة الإرهاب.
أما في الداخل فإنّ وزارة الصحّة لم تكن محور نزاع ومنطقة اشتباك على غرار حقائب خدماتيّة أخرى كوزارة الأشغال العامة.
فالخلاف على حقيبة الصحّة أتى من الخارج فيما تبيّن أنّ هناك توافقاً سرياً داخلياً بين الرؤساء الثلاثة في شأنها، يسانده تفاهم “الثنائي الشيعي” على أنْ تكون وزارة المال من حصّة الرئيس نبيه بري والصحّة لـ”حزب الله”.
تكتيك الحزب الهادئ بعدم رفع سقوف المطالب والابتعاد عن صخب التأليف أراح الرئيس المكلّف الذي واجه حملة ضغوط في مسألة توزير “حزب الله”، وهكذا يمكن الجزم بأنّ عبور الحزب إلى السلطة التنفيذيّة من باب وزارة الصحّة بات منتهياً.
يُدرك “حزب الله” أنّ وزيره سيواجه تحديات كثيرة في وزارته ولن يكون بمنأى عن مضايقات ورسائل خارجيّة، فالتسويق بدأ باكراً لحملة مقاطعة الوزارة وحرمانها من المساعدات الأميركيّة بحجّة أنّه سيستخدم وزارة الصحّة لعلاج مقاتليه ومناصريه.
لكنّ “حزب الله” وفق أوساط في “8 آذار” يتعاطى مع العقوبات ضدّه على أنّها مسألة باقية إلى الأبد وهي في الأصل مطروحة دائماً، وأيّ وزارة سيستلمها سيتم التعامل معها بالمثل.
وقد حدثت تهويلات بـ”فيتوات” ضدّ وزرائه في الحكومة السابقة ليتبيّن أنّه تمكّن في وزارتي الصناعة والزراعة من تخطي الأمر، وتعامل ممثّلوه في الحكومة مع منظّمات دوليّة ومع الاتحاد الأوروبي.
جهّز “حزب الله” خطة صحّية شاملة، ووفق أوساط في “8 آذار” لن يكون صعباً على من خاض مواجهات وحروباً مع أكبر جيوش العالم أنْ يخوض غمار الحرب ضدّ الفساد في أيّ وزارة.
والتحسّب لمواجهة التهديدات الدوليّة قائم في إطار خطة عمل، فثمّة اقتراحات وحلول عدّة على غرار أنْ يعوّض الجانب الإيراني حجب المساعدات الأميركيّة في المستقبل.
فماذا لو قام الإيرانيّون بهذه المهمّة بعد أنْ سَبَقَ وقدّمت وزارة الصحّة الإيرانيّة عروضاً صحّية وأعربت عن جهوزيّتها لمساعدة لبنان ومدّه بأدوية للأمراض المستعصية؟