النوّاب السُنة “المُستقلّون”… ماذا يُمثّلون؟

 

بين مُطالبة مجموعة من النوّاب السنّة “المُستقلّين” بأن يتمثّلوا في الحُكومة المُقبلة بحجّة أنّهم يمثّلون 45 % من الشارع السنّي، ورفض رئيس الحكومة المُكلّف ​سعد الحريري​ ذلك، بحجّة أنّ هؤلاء النوّاب لا يُمثّلون أيّ حزب وازن، بل هم مجموعة من النوّاب المُنفردين جرى تجميعهم ضُمن كتلة نيابيّة مُصطنعة للضغط السياسي…

أضيفت عقدة جديدة إلى مسار تأليف الحُكومة. فهل فعلاً يُمثّل النوّاب السنّة الذين يُغرّدون خارج عباءة “المُستقبل” 45 % من الشارع السنّي، وبالتالي هل يحقّ لهم بوزير؟.

بداية لا بُد من الإشارة إلى أنّ 10 نُوّاب سُنة فازوا في الإنتخابات النيابيّة الأخيرة من خارج إصطفاف “تيّار المُستقبل”، وذلك من أصل 27 نائبًا هم مجموع النوّاب السُنة في مجلس النوّاب بحسب الدُستور اللبناني.

وبغضّ النظر عن أسباب هذا التحوّل الأوّل من نوعه منذ العام 2005، والتي تتراوح بين تضعضع “تيّار المُستقبل” خلال مرحلة الإنتخابات، ودُخوله في تحالفات خارج خط “​14 آذار​”، وتشكيل بعض القوى التي تضمّ جزءًا من أنصاره المُتشدّدين السابقين لوائح مُنفصلة ومُنافسة له، لا شكّ أنّه لم يعد بإمكان “المُستقبل” الحديث عن حصريّة تمثيل الشارع السنّي، ولوّ أنّه لا يزال يستحوذ على 16 نائبًا سنيًا، إضافة إلى رئيس الحكومة السابق النائب تمام سلام (نال 9,599 صوتًا) الذي يُعتبر حليفًا للمُستقبل.

لكن في الوقت عينه، إنّ هؤلاء النوّاب العشرة ليسوا كلّهم من مُعارضي “المُستقبل” وهم ليسوا ضُمن تكتّل نيابي سياسي واحد.
وبالتالي، بعد تمييز النائب بلال عبد الله (نال 8,492 صوتًا) الذي ينتمي إلى كتلة “اللقاء الديمقراطي” برئاسة تيمور وليد جنبلاط، والذي فاز بالتحالف مع “تيّار المُستقبل” في الشوف، يتراجع العدد إلى تسعة نوّاب.

وليس بسرّ أنّ رئيس الحكومة السابق النائب ​نجيب ميقاتي​ (نال 21,300 صوت) يُشكّل من جهته حالة مُستقلّة، وهو يرأس تكتّل “لبنان المُستقل” الذي يضمّ أربعة نوّاب من طرابلس، وربّما يُعتبر الأحقّ لأن يتمثّل سُنيّا من خارج دائرة “المُستقبل” كونه حاز شخصيًا على أعلى عدد من الأصوات التفضيليّة ضمن مذهبه، لكنّه إختار التموضع بموقع وسطي، وعينه على موقع رئاسة الحُكومة مُستقبلاً وليس على أي موقع وزاري حاليًا.

إلى ذلك، إنّ النائب عن بيروت فؤاد مخزومي (نال 11,346 صوتًا) يُعتبر بدوره مُستقلاً وخارج الإصطفافات الحادة.

وكان لافتًا أنّ نائب صيدا ​أسامة سعد​ (نال 9,880 صوتًا) الذي يُعتبر من المُعارضين الرئيسيّين لتيّار “المُستقبل”، أدرج نفسه في خانة المُعارضة المُستقلّة، ورفض الإلتحاق بأي تكتّل سياسي آخر.

وبذلك، يكون بقي 6 نواب من أصل 10 من خارج عباءة “المُستقبل”، هم على التوالي النواب: ​عبد الرحيم مراد​ (نال 15,111 صوتًا)، و​عدنان طرابلسي​ (نال 13,018 صوتًا)، و​جهاد الصمد​ (11,897 صوت)، و​فيصل كرامي​ (نال 7,126 صوت)، ووليد سكريّة (نال 6,916 صوتًا)، و​قاسم هاشم​ (نال 6,012 صوتًا). لكن وعلى الرغم من إنضواء هؤلاء النوّاب ضمن تكتّل سياسي بإسم “لقاء النوّاب السنّة المُستقلّين”، فإنّ إثنين منهم ينتمون في الواقع إلى تكتلات نيابيّة وسياسية أخرى كانت السبب المُباشر وراء فوزهم أصلاً، والمقصود بذلك النائب سكريّة الذي هو عُضو في كتلة نوّاب “حزب الله”، والنائب هاشم الذي ينتمي إلى كتلة “التنمية والتحرير” برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه برّي. أكثر من ذلك، إنّ هذا التجمّع النيابي يضمّ نوّابًا فازوا في دوائر مُختلفة، مُستفيدين من دعم قوى “8 آذار” لهم، سياسيًا بشكل دائم، وإنتخابيًا خلال مرحلة الإنتخابات، وبالتالي وعلى الرغم من تمتّعهم بحيثيّة شعبيّة مناطقيّة بغضّ النظر عن نسبتها، إنّ الأصوات التفضيليّة التي حازوا عليها لا تنحصر بالناخبين السنّة، بل هي مُوزّعة على العديد من الطوائف والمذاهب الأخرى.

وبالتالي، لا يُمكن الحديث عن تمثيل هؤلاء لما مجموعه 45 % من الشارع السنّي، لكنّهم من دون شكّ يتمتّعون بحيثيّة شعبيّة سمحت بوصولهم إلى الندوة البرلمانيّة بفضل قانون الإنتخابات النسبي أوّلاً، وبفضل الدعم اللوجستي الكبير الذي خُصّص لهم من قبل قوى “8 آذار” في الدوائر التي ترشّحوا فيها.

وفي الخُلاصة، إنّ مسألة تمثيل هذا التجمّع السنّي في الحكومة من عدمه هي عرضة لزاوية رؤية الأمور، فإذا كانت المسألة مُرتبطة بحجم الأصوات التفضيليّة يكون من المُحقّ أن يتمثّل هؤلاء بوزير، أمّا إذا كانت المسألة مُرتبطة بتركيب كتلة مُصطنعة فاز أفرادها في دوائر عدّة، يُصبح هذا التمثيل غير عادل، خاصة أنّ أنّه سيكون على حساب تراجع تمثيل “المُستقبل” في الحكومة إلى 4 وزراء سنّة فقط (بينهم رئيس الحُكومة) ووزير مسيحي ماروني (في مُقابل منح رئيس الجُمهورية وزيرًا سنيًا)، وهو ما لن يقبل به الحريري بأي شكل، باعتبار أنّ رئيس الجُمهورية سينال عددًا إجماليًا مُماثلاً من الوزراء في إطار “حصّة الرئيس” حتى لو لم يكن مدعومًا بكتلة نيابيّة. وبالتالي، ما لم يُقرّر رئيس الجُمهورية إسناد موقع الوزير السنّي من حصّته لحلّ هذه المُعضلة، أو ما لم تُقرّر قوى “8 آذار” تجاهل هذا المطلب من جديد، فإنّ أزمة كبيرة ستُضاف إلى أزمات التأليف التي يعمل الأفرقاء على حلّها منذ خمسة أشهر حتى اليوم.

شاهد أيضاً

مجازر إسرائيل = عدالة السما كتير قوية/دكتور عباس

بسم الله الرحمن الرحيم إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ …