في آب من العام الماضي، طالب مشرّعون أميركيون إدارة الرئيس دونالد ترامب، بفرض عقوبات على الصين، وفي الشهر الحالي، قال السفير الأميركي المتجول للحريات الدينية الدولية، سام براونباك، إن الصين “في حالة حرب مع الإيمان”، و كان خبراء أمميون قد دعوا السلطات الصينية إلى الإفراج الفوري عن محتجزين “بذريعة مكافحة الإرهاب”، وفي حين تلقى هذه المطالبات صدىً واسع في معظم البلاد الاوروبية التي توجّه الانتقادات نفسها الى بكين بين الحين والآخر، كل هذا جرّاء ما سمّوه “حملة قمع تستهدف أقلية الإيغور المسلمة”.
فما هو واقع المسلمين في الصين؟ وهل لبكين الحق بالخوف من تغلغل الارهاب في مجتمعها؟
يعيش في الصين مئة وعشرين مليون مسلم يندمجون مع كافة الفئات والشرائح والديانات المختلفة المنتشرة في المجتمع الصيني، وتمكنوا في الوقت نفسه من المحافظة على العادات والتقاليد الإسلاميّة والتمسك بشرائع الدين الإسلامي، ولكن، وكما في كل المجتمعات، نشطت جماعات تنشر الفكر التكفيري بين المسلمين في الصين، وتؤسس لخلايا ارهابية، استوردت التفكير المتطرف الممتد من تنظيم القاعدة في افغانستان وصولأً الى ارهاب تنظيم داعش والنصرة في سوريا والعراق.
وبالفعل شكّل بعض الايغور في الصين، ركيزة اساسية لبعض التنظيمات المتطرفة في الشرق الأوسط، وسطع نجمهم بشكل واضح في سوريا.. بعضهم انضم الى تنظيمات مختلفة كالنصرة واحرار الشام وداعش، ولكن العدد الاكبر منهم ينضوي تحت لواء الحزب الإسلامي التركستاني، وهو من الجماعات المتشددة الشرسة، التي تعتبر انقرة مرجعتيها الاساسية وتتلقى دعماً مستمراً من تركيا.
وهنا يتكرر السؤال ..
ألا يحق للصين ان تخاف من تفشي الارهاب في مجتمعها ؟؟
للاجابة على ذلك يجب ان نعرّج على واقع الايغور ومخططاتهم في سوريا، آخر المعلومات من هناك تؤكد ان الايغور بصدد اعلان امارة خاصة بهم، معلوماتٌ اشارت اليها مصادر خاصة، وتشير الى نية الحزب التركستاني اعلان مناطق جبل التركمان وجسر الشغور بريف اللاذقية وسهل الغاب بريف حماه امارة مستقلة، حيث اتُخذ القرار باستدعاء جميع مسلحي الحزب من جبهات ريف حلب للتوجه الى ريفي ادلب واللاذقية، بعد ان تمكن سابقاً من السيطرة على نقاط متقدمة من جبل الزاوية وهي شاغوريت وجدرايا بعد طرد احرار الشام منها.
التوسّع واعلان الامارة، هو طبع موجود لدى اغلب الجماعات الارهابية، فاذا كانت هذه النزعة موجودة لدى الارهابيين الوافدين من الصين الى سوريا..
ما الذي يمنع وجودها عند أولئك الذين بقوا في الصين؟؟
الصورة: “ألب أرسلان التركستاني” فجر نفسه بسيارة مفخخة شمال حماة- الثلاثاء 26 نيسان 2017
في سوريا، تشير المعلومات الى أن الحزب التركستاني (الايغور) تسلّم أسلحة متطورة من تركيا منها صواريخ مضادة للطيران، ما اكسب هؤلاء خبرةً في استخدام الأسلحة، ستشكل مستقبلاً معضلة لا مهرب منها:
أين سيذهب هؤلاء وما هي الوجهة التي سيستخدمون خبرتهم في مجال الاسلحة ضدها .. ومجدداً ..
الا يحق للصين ان تقلق من الخبرة التي اكتسبها هؤلاء خلال ممارستهم الارهاب في سوريا؟
للايغور في سوريا، تاريخ في التعاون مع اجهزة المخابرات الاجنبية، آخرها تسلًّم الحزب التركستاني، قذائف عدّلها خبراء فرنسيون مختصين بالاسلحة الكيميائية وتصنيع المواد المتفجرة في غرفة عمليات تابعة لهم في جسر الشغور…
الا يحق للصين ان تقلق من امثال هؤلاء الموجودين كخلايا نائمة داخل حدودها؟؟
كل ما سبق يؤكد ان لبكين الحق في التخوّف والاحتراز من الجماعات الارهابية التي غادرتها نحو سوريا، مثلها مثل كل دول العالم التي هاجر بعض حاملي جنسيتها سعياً للمشاركة في الارهاب، وبالتالي فان الحديث الغربي عن ” ذريعة” هو حديث غير منطقي او واقعي، فالصين فعلاً امام خطر ارهابي محدق بها، ولا يمكن تصنيف الارهاب الذي مارسه بعض الايغور في سوريا بانه “ذريعة”!!
بل هو خطر واقعي حقيقي وداهم ، لا يمكن للصين الا ان تواجهه.
وكما في الدول العربية والمسلمة، فان الدولة الصينية تقوم بدورها في محاربة الارهاب والتكفير والتطرف في المجتمعات المسلمة لديها، بشكل متوازن لا يمس بحقوق المواطنين المسلمين لديها، وهذا ما يبرز في المشاريع الاقتصادية والاجتماعية التي تخصصها الدولة الصينية للاقاليم التي يعيش فيها المسلمون وأهمها اقليم شينجيانغ، وانتشار المساجد في المنطقة، وحرية ممارسة الشعائر الدينية، وفي نفس الوقت تشدد السلطات الصينية رقابتها على المتهمين بالارهاب ومن لهم صلات به، فتراقبهم وتُدخل بعضهم الى مراكز تأهيل بغية اعدادهم للانخراط مجدداً في المجتمع.
هذا الواقع، لا يعجب الغرب طبعاً، والذي يسعى الى هز استقرار الصين، لاسيما انها المنافس الاقتصادي الاقوى في وجه الاوروبيين والاميركيين، فيتم استخدام معطيات واتهامات استخدمت نفسها لتدمير سوريا، هدفها ايهام الرأي العام العالمي بان هناك اضطهاد وحجز حريات.
في سوريا كان ” النظام العلوي” هو الشمّاعة، وفي الصين جعلوها “النظام الشيوعي”، فيما كل من عانى من مؤامرات الغرب، يدرك ان لا اساس لهذه الادعاءات، في كلا البلدين، بل ان الهدف منها هو تخريب البلد المستهدف وتمزيقه من الداخل، عبر ادعاء مناصرة اقلية ما ومدها بالدعم السياسي، وربما العسكري لاحقاً، وصولاً الى تحقيق الهدف المزمع، وهو تقويض استقرار البلد الهدف، وربما تشكل فنزويلا في يومنا هذا، خير مثال على ذلك، ويمكن الجزم لو ان عدداً لابأس به من المسلمين يعيشون في فنزويلا، لكانت سهام الاتهامات باضطهاد المسلمين اصابت مادورو ايضاً.
ختاماً، اذا ما جمعنا في المشهد، جرائم الارهابيين من الايغور في سوريا، والاتهامات الاميركية والغربية الكاذبة للسلطات الصينية باضطهاد المسلمين، وزدنا على الصورة الخبرة العسكرية المكتسبة للارهابيين وحنينهم لاحلال امارتهم في ارض موطنهم، فضلاً عن تواصلهم مع خلاياهم النائمة في الصين، يمكن القول، ان على الصين عدم الالتفات لكل الضجيج الغربي المفتعل ضدها، والتركيز على معركتها ضد الارهاب.