تعود العلاقات الثنائية بين الجمهورية العربية السورية و الجمهورية الإسلامية الإيرانية لما يربو على أربعة عقود منذ مطلع الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الراحل روح الله الخميني و قد وطد حافظ الأسد علاقات سورية مع الجمهورية منذ الأشهر الأولى و تنامت العلاقات السياسية بين البلدين بسرعةٍ و ثبات و تقاطعت الرؤية المقاومة للجمهورية مع الرؤية الشعبية السورية. دعم سياسي و عسكري و اقتصادي لا محدود قدمته الجمهورية الإسلامية الإيرانية على مدى عقد من عمر الأزمة السورية، علاوةً على كونها أحد الأطراف الضامنة و المهمة و لاعبةً أساسيةً في طاولة المفاوضات السورية-السورية و شريكةً في النصر السوري الذي تلوح نسائمه في الأفق.
⭕توقيت الزيارة و مدتها :
اختارت القيادة الإيرانية توقيت الزيارة بعناية بالتنسيق مع الجانب السوري في ظل المتغيرات السياسية الدولية و الإقليمية و التطورات المتسارعة التي طرأت على الملف السوري ناهيك عن التقارب العربي السوري الذي تفهمه إيران و تدعمه بشدة و ثقة نابعة من قناعة عودة سورية لعلاقاتها قبل الأزمة السورية و وجودها في القلب العربي دولةً عربيةً وجزء لا يتجزأ من الوطن العربي، و كذلك دورها اللافت في التقارب السوري التركي الذي طرحه وزير خارجيتها على القيادتين خلال زيارتين متتاليتين لدمشق و أنقرة و لازالت تسعى من خلال علاقاتها مع الروس و الأتراك و السوريين لتذليل العقبات أمام التقارب السوري-التركي. في خضِّم هذه التغيرات كانت طائرة الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي تحطّ بكل ثقة في مطار دمشق الدولي و ليتم استقباله كأخٍ عزيز في رحاب دمشق الفيحاء بين الشعب السوري الذي يعي و يدرك و يثمّن الدور الإيراني المهم في ما وصلت له سورية من نصر. استقبال رسمي و شعبي و لافتاتٌ تزيّن شوارع سورية مرحبةً بالرئيس الإيراني ضيفاً عزيزاً بين أخوته السوريين و بضيافة أخيه الدكتور بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية. رسائل مهمةٌ و قوية أرسلها الرئيس الإيراني للصديق و العدو و قد فهم الجميع مضامين رسالته و تجول في أحياء دمشق و حواريها معلناً أن دمشق الفيحاء آمنةٌ منتصرة و هاهي حارتها و شوارعها تشهد على ذلك و ليكون أول رئيس يأتي بزيارة دولةٍ ببرنامجٍ عملٍ مطوّل و جدول أعمالٍ اعتيادي مدروس و مفصّل يعد نقطة تحولٍ و طفرة تاريخية في تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين تؤسس لمستقبل من التعاون الثنائي المتبادلة طويل الأمد بين البلدين.
⭕ النتائج السياسية للزيارة التاريخية للرئيس الإيراني للجمهورية العربية السورية :
أكدت الزيارة على استمرار التنسيق السياسي بين البلدين و الدعم السياسي للشعب السوري و القيادة السورية في الملفات كافة بما يدعم الصمود السوري في المحافل الدولية و الإقليمية و استمرار التشاور الثنائي و تنسيق المواقف السياسية في إطار الوصل لحلٍّ سياسي سوري-سوري يرعى مصالح الشعب و يضمن وحدة أراضي سورية و ثوابتها الوطنية و الدستورية بغية الوصول لحلّ شاملٍ يضمن مستقبل سورية و استقلالها و سيادتها الكاملة و خيار السوريين الذي يختارونه لمستقبلهم وقفة الأخ مع أخيه. و كذلك تنسيق المواقف السياسية بين البلدين في القضايا الإقليمية و تنمية العلاقات للوصول لأعلى مستوى من العلاقات الثنائية السياسية المثالية. كذلك استمرار الجمهوريتين بالتشاور و المضي قدماً في حل المشاكل الإقليمية بما يضمن مصالح الشعب السوري و دعم خيار الحكومة السورية و ثوابتها في أي تحسن محتمل مع الدول الإقليمية خاصة تركية التي تشكل عاملاً مهماً لضمان الاستقرار في سورية من خلال حدودها مع سورية. كما حملت الزيارة في مضامينها السياسية تأييداً لإرادة الشعب السوري و استقلال خيار سورية في تطوير علاقاتها و تنميتها و تقديم دعم الجمهورية و ترحيبها لاستعادة العلاقات السورية مع أشقائها العرب لما تتضمنه تلك العلاقات من خير و استقرار على سورية و شعبها و المنطقة برمتها. و التأكيد على النهج المقاوم الذي تبنته و لاتزال سورية و إيران و مجابهة كل المشاريع الإستعمارية الهدامة التي تستهدف شعوب المنطقة و سيادة دولها و استقلالها.
⭕ جدول أعمال الزيارة و أثرها على مستقبل العلاقات الثنائية :
لقد ميّز الفترة السابقة الاتفاقيات السياسية و العسكرية و الدفاعية الثنائية بين البلدين و ذلك نظراً لتصدر الشؤون العسكرية لفترة الأزمة خلال العقد الماضي و لكن كان لزاماً بعد تحقيق النصر السوري تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين في كافة المجالات الاقتصادية و الثقافية و العلمية و الارتقاء بها إلى مستوى العلاقات السياسية المميزة و لهذا فلقد حملت الزيارة في طياتها توقيع أربعة عشر اتفاقية ثنائية في مجال الاقتصاد و التقانة و الطاقة و المصارف و الاتصالات و الزراعة و السياحة و تعد أكبر اتفاقية ثنائية بين البلدين حملت توقيع الرئيسين الإيراني و السوري في تاريخ العلاقة بين البلدين و تضمنت رسائل مهمة عن الإرادة الجادة للجمهورية الإسلامية في دعم سورية في النصر الاقتصادي كما تحقق النصر العسكري بسواعد الجيش العربي السوري و القوات الحليفة التي واجهت مع شعب سورية و جيشها الباسل أعتى انواع الإرهاب المنظم و المدعوم من أقوى الاستخبارات الدولية و الإقليمية. و لعل أهم ما تضمنته الاتفاقيات التوقيع على مشروع افتتاح مصرف مشترك يدعم التبادل التجاري بالعملتين المحليتين الريال و الليرة كتحدٍ للتغطرس و الإرهاب الإقتصادي الأمريكي و العقوبات الجائرة بحق سورية و شعبها. الزيارات المكوكية الأخيرة للوفود الإيرانية و التنسيق الدائم مع نظرائهم السوريين تؤكد التوجيهات الصارمة و الحازمة التي أصدرها كلا الرئيسين للحكومتين ببدء تعاون جدي عملي مثمر سريع البدء طويل الأمد و قد وصلت بعض هذه الاتفاقيات إلى البرامج التنفيذية و سترى النور قريباً و ستنعكس نتائجها على الوضع في سورية و رفع مستوى العمل و التبادل التجاري بين البلدين. أضف إلى ذلك تشكيل لجان متابعة لكل اتفاقية تحدد الأطر القانونية و الإجرائية و تعريف العقبات و توصيفا بدقة لايجاد حلول دائمة و سريعة تذللها و تزيل أثرها. و يشرف حالياً على العمل كل من رئيس مجلس الوزراء السوري و النائب الأول لرئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية. اتفاقياتٌ مهمّة بعناوينها و تفاصيلها لا تلبث حتى تظهر للعلن تخطُّ نهجاً و عناوناً لعلاقات متميزة عناونها معاً نكون أقوى و نكمل بعضنا البعض و ما تعانيه سورية و شعبها من أهات و آلام تُسمَع أصداؤه في إيران و أن العلاقات ماضية بقوة و ثقة لخلق نموذجٍ إقليمي للعلاقات المتوازنة الاستراتيجية في كافة المجالات عنوانها الأخوة و الصداقة و الاحترام المتبادل.
⭕الآمال و الطموحات و انعكاسات الزيارة التاريخية على الوضع في سورية :
يراقب السوريون اليوم و معهم الكثير سير هذه الاتفاقيات و ينتظرون النتائج الميدانية الملموسة لهذه الاتفاقيات و تحولها لواقع حقيقي عمليّ و كلهم ثقة بأن قيادتي البلدين يسعون بحزم لتوظيف الطاقات لتجاوز هذه المحنة التي اتت على كل شيء و يعي الرئيسان شخصياً مدى حساسية هذه الاتفاقيات و تطبيقها على الذهن العام في البلدين فإيران التي كانت حاضرةً بقوة في الأزمة آلامها و مشقتها و حتى انتصاراتها يجب أن تكون حاضرة أيضاً في كل الميادين في سورية حليفاً استراتيجياً مع احترام السيادة و الاستقلالية و أن حضورها كان بطلبٍ من الحكومة السورية و الشعب السوري و بشكلٍ دستوري لا يخفى ذلك على أحد بينما تستبيح تركية و الولايات المتحدة الأمريكية التراب السوري مستغلةً الفوضى و الإرهاب لفرض أجندتها على دمشق التي أبى و يأبى قائدها و شعبها الإملاءات و الاحتلال. و صفوة القول أن هذه الزيارة تاريخيةٌ قلباً و قالباً، عنواناً و مضموناً، أسست لمرحلة من الأخوة و التضامن و العمل المشترك و هدفها دعم سورية الغالية على قلوب كل شرفاء العالم و منهم الشعب الإيراني المقاوم الذي كان و سيبقى الحليف و الأخ و الصديق لسورية و شعبها حتى تحقيق النصر الكامل و استعادة كل شبرٍ من ثراها و العودة بها و إعمارها لما كانت عليه لتبقى عصيةً على الطامعين شامخةً شموخ شآمها و شعبها البطل و ليسجل التاريخ أن الشعبين انتصرا جنباً إلى جنب فجرح طهران بالأمس كان جرح دمشق و جرح الشام اليوم هو جرح طهران.
الكاتب و الباحث السياسي د. طارق حاتم