عاصفة داخلية في جهاز الشرطة الإسرائيلية ضد الوزير والمفتش العام: “كما في أنظمة ظلامية ومنظمات إجرامية”!

 سليم سلامة

 

لا تهدأ، إطلاقاً، ولا تنتهي موجات الغضب والنقد والمعارضة التي لا ينفكّ يثيرها “وزير الأمن القومي” الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، وحزبه ونواب ووزراء هذا الحزب (عوتسما يهوديت) بتصريحاتهم وممارساتهم المختلفة منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية التي يشكل فيها هذا الحزب ركناً ائتلافياً مركزياً، وبصورة أكثر حدة وخطورة منذ اندلاع الحرب التدميرية على قطاع غزة بدءاً بحملة التسليح الشخصية الواسعة لأعداد هائلة من المواطنين اليهود في شتى المدن والبلدات الإسرائيلية التي أطلقها ونفذها هذا الوزير على وجه السرعة في الأسابيع الأولى من الحرب في استغلال سريع واضح لهذه “الفرصة الذهبية”، رغم أن مشروع هذه الحملة قديم نسبياً وسابق لأحداث يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، مروراً بدعوات صدرت من نواب ووزراء داخل حزبه “لإلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة” (الوزير عميحاي إلياهو) وانتهاء بدعوات أخرى من هؤلاء النواب والوزراء أنفسهم، الأسبوع الأخير، لاحتلال قطاع غزة بالكامل وإقامة مستوطنات يهودية هناك (الوزير إلياهو نفسه).

لكن إذا كانت موجات الغضب والنقد والمعارضة المذكورة قد أثيرت في الحيز الجماهيري العام، السياسي والاجتماعي تحديداً، إلا أن الموجة الأخيرة ربما تكون إحدى الموجات الأشدّ خطراً، من حيث أن هذه العاصفة الداخلية التي تجتاح صفوف الشرطة الإسرائيلية في الفترة الأخيرة هي أشبه بما يمكن وصفه بـ “انتفاضة داخلية” في إحدى أهم المؤسسات السلطوية في دولة إسرائيل، مؤسسات حفظ الأمن والنظام العام ومؤسسات إنفاذ القانون. ذلك أن هذه العاصفة قد تكون لها تداعيات شديدة الخطورة على كل ما يتعلق بعمل الشرطة وأدائها وتأدية مهامها الجسيمة في أي نظام ديمقراطي عادي، فكم بالحري في وضع كالذي يميز “النظام الديمقراطي” في دولة إسرائيل، وخصوصاً على خلفية الاتهامات التي يوجهها أفراد وضباط الشرطة المشاركون في هذه “الانتفاضة” بشأن “استيلاء بن غفير على جهاز الشرطة، بتواطؤ انتهازي من جانب المفتش العام للشرطة”، يعقوب شبتاي.

*”إحكام السيطرة من أدنى إلى أعلى”*

حالة التململ وعدم الرضى في داخل جهاز الشرطة الإسرائيلية، من أعلاه إلى أدناه، تشكل مادة إخبارية وتحليلية غنية منذ استلام بن غفير مهام منصبه هذا، لا سيما على خلفية حقيقة انعدام أي خبرة نظرية أو تجربة عملية لديه عن الشرطة ومهماتها وطرق وأدوات عملها، إلى جانب خلفيته الجنائية الغنية وحقيقة إدانته في محكمة إسرائيلية بالانتماء إلى تنظيم إرهابي. وهما الحقيقتان الكافيتان للتساؤل: كيف يمكن لشخص بهذه المواصفات أن يكون المسؤول عن الشرطة وسياساتها وهرمها الوظيفيّ من ناحية وزارية؟ وفي هذا السياق، فإن ما كشف عنه تحقيق صحافي نشر قبل أيام قليلة يوضح، بصورة لا يطاولها شك، ليس فقط أن ذلك التساؤل كان صحيحاً وفي مكانه تماماً آنذاك، بل إن هذا التساؤل لم يعد ذا أهمية أو ذا علاقة، لأن الواقع الذي نجح بن غفير في فرضه على جهاز الشرطة حتى الآن قد تجاوز التساؤل إياه وكل ما يدور في دائرته.

فقد كشف تقرير مركز “شومريم”، الذي يعرّف نفسه بأنه “مركز للإعلام والدمقراطية” وبأنه “جسم إعلامي غير سياسي غايته تعزيز أسس الديمقراطية في إسرائيل من خلال المشاريع الإعلامية والتعاون مع وسائل الإعلام الإسرائيلية الأخرى”، عن تشبيه العديد من أفراد وضباط الشرطة ما يجري في داخل الجهاز في الفترة الأخيرة بـ “ما يجري في أنظمة ظلامية وفي منظمات إجرامية”! وذلك ضمن تعليقات ورسائل يتبادلها هؤلاء في مجموعة واتساب داخلية وخاصة. ويضيف هؤلاء أن جولة التعيينات الأخيرة التي جرت في داخل جهاز الشرطة وتدخل الوزير المسؤول فيها، بصورة شخصية ومباشرة، “تثير عاصفة قوية في داخل الجهاز، من أعلى قياداته حتى أدنى أنفاره، كما تصل اهتزازات هذه العاصفة وأصداؤها إلى الطابق الأعلى” ـ أي، الطابق الذي تحتله قيادة وزارة الأمن القومي، فوق الطابق الذي تحتله القيادة العليا لجهاز الشرطة.

ضمن رسائل الواتساب التي تبادلتها مجموعة أفراد وضباط الشرطة، نُشرت أيضاً رسالة كان قد وجهها عدد كبير من رجال الشرطة إلى المفتش العام، يعقوب شبتاي، قبل إجراء جولة التعيينات الأخيرة، وحذروه فيها من “جو الإحباط الذي يخيّم على كثيرين من الضباط الكبار والجيدين حيال الطريقة الفاسدة والمرفوضة التي تتم بها إجراءات الترقية والتعيين في شرطة إسرائيل”. وأضافت تلك الرسالة: “كثيرون من هؤلاء الضباط فضّلوا عدم التنافس على مناصب في هذه الجولة، وباسمهم نريد أن نحذر ونسأل: هل من القيميّ والاستقامة في نظرك أن تكون غالبية نتائج المداولات حول الترقيات قد حُسمت وأغلِقت وأصبحت معروفة مسبقاً لكل العاملين في هذا الجهاز، حتى قبل مرحلة تقديم الترشيحات للمناصب المختلفة وقبل مرحلة المقابلات الشخصية؟”!

بعد فترة قصيرة من توجيه هذه الرسالة إلى المفتش العام، أُعلنت رسمياً التعيينات الجديدة فجاءت مطابقة تماماً لـ “التوقعات”، وهو ما اعتبره أفراد وضباط كثيرون تجسيداً واضحاً لـ “استيلاء بن غفير وإحكام سيطرته على جهاز الشرطة، بتواطؤ فعلي من جانب المفتش العام في مقابل تعيين عدد من أصدقائه ومقربيه”. وأوضح الضابط (متقاعد) دودي حيون، الذي أشغل حتى قبل فترة وجيزة منصب “قائد لواء يهودا” ضمن “منطقة يهودا والسامرة” (الضفة الغربية)، حسبما ورد في تحقيق “شومريم” الذي أعدّته روني زينغر ونشر يوم 12/12/23، أن “استيلاء بن غفير على الشرطة يجري من خلال تعيين قادة الألوية، لأنه حين يكون هؤلاء مدينين للوزير، فسيقومون هم أيضاً بالتالي بتعيين من يريده الوزير من تحتهم. وبهذه الطريقة، فهو يستولي على الجهاز ويُحكم سيطرته عليه من أدنى إلى أعلى”.

 

*”الوزير والمفتش العام يعقدان*

*صفقات حول التعيينات”*

“أحد الضباط الكبار في الشرطة الإسرائيلية وأحد المطلعين جيداً على ما يجري في الوزارة وعلى التطورات الأخيرة”، كما وصفته مراسلة “شومريم”، تحدث إليها عمّا يجري وراء الكواليس لكنه رفض الكشف عن هويته فقال إن “المفتش العام شخصية لا تتحمل الضغوط ولذا فهو يعقد صفقات مع الوزير بحيث يتم تعيين المقربين إليه، من شرطة حرس الحدود بشكل خاص، في المناصب التي يريدها هو لهم. في المقابل، يسمح الوزير للمفتش العام بتعيين ضباط مقربين إليه في مواقع ومناصب أخرى”. ورداً على سؤال كيف يعرف الوزير أي الضباط يريد وهو الغريب تماماً عن جهاز الشرطة من قبل، يجيب الضابط المذكور بالقول: “لقد تعرف على بعض ضباط الشرطة وبنى معهم علاقات خلال فترة عمله كمحامٍ، أما جميع الآخرين فسكرتيره الأمني الخاص، وكذلك المفتش العام، هما اللذان يأتيان بهم إليه”!

من جانبه، قال المفتش العام الأسبق للشرطة الإسرائيلية، موشي كرادي، إنه يسمع من كثيرين جداً من العاملين في جهاز الشرطة عن مدى الإحباط من واقع “اللعبة المبيوعة” ـ بحسب وصفه ـ التي يديرها المفتش العام الحالي، شبتاي، مع وزيره، بن غفير. وأضاف: “دائماً كان هنالك من تم تعيينه بفضل علاقات معينة. لكن، إذا كان هذا ينطبق في السابق على حالات متفرقة هنا وهناك وتخص أشخاصاً محددين، فإننا نتكلم اليوم عن ظاهرة واسعة الانتشار في الجهاز وعن تعيينات كثيرة ولمناصب رفيعة وحساسة جداً من دون أي مؤهلات أو من دون أي اعتبارات مهنية. هذا ما يحصل، فعلياً، عندما يتفق الوزير والمفتش العام فيما بينهما على توزيع حصص التعيينات بينما يبقى جميع الآخرين مجرد ديكور”.

ويضيف كرادي: “أعلم، مؤكداً، من ضباط كبار أنهم، وآخرين مثلهم، أصبحوا مقتنعين تماماً بأنه ليس ثمة إجراء منظم وسليم في التعيينات كما ليس ثمة معايير واعتبارات مهنية للتعيينات والترقيات، كما كان في السابق. هذا حضيض لا سابق له في الشرطة ـ أن تجري ترقية الأشخاص الملائمين لأجندة الوزير، السياسية، لمطامع شبتاي ليفي الشخصية، ولرغبات حنمئيل دورفمان، رئيس طاقم مكتب الوزير”.

أما الضابط الذي رفض الكشف عن هويته فقال إن رسالة الضباط الحادة اللهجة التي أرسلت إلى المفتش العام وجرى تداولها في مجموعة الواتساب بين الآلاف من رجال الشرطة “كشفت عن حقيقة الحالة التي وصل إليها جهاز الشرطة في إسرائيل ـ حالة احتضار. فالوزير والمفتش العام يستهتران بكل الإجراءات الرسمية المعمول بها والمتبعة منذ قيام الدولة، يرقّيان إلى مناصب رفيعة وحساسة جداً مقربين غير مؤهلين وغير ملائمين وبدون اعتبارات مهنية، إضافة إلى “إعارة” عدد كبير من الضباط من الشرطة لوزارة الأمن ليشغلوا فيها وظائف غير محددة، غير واضحة وربما غير لازمة أيضاً”.

*تعيين واحد دالّ ـ “لواء يهودا”!*

أحد التعيينات الخطيرة التي تجسد تسييس جهاز الشرطة وفق رغبات الوزير ونزعاته، كما يشير إليها ضباط “الانتفاضة الداخلية” في الجهاز، هو تعيين الضابط نيسو غويطه لمنصب قائد “لواء يهودا”، في “منطقة يهودا والسامرة”، خلفاً للضابط يوسي جولان، علماً بأن هذا اللواء هو المسؤول مباشرة عن محطات ومراكز الشرطة الإسرائيلية في كل من: عتصيون، معاليه أدوميم و… الخليل، “التي هي المحطة البيتية بالنسبة لبن غفير”. وبسبب هذا التعيين تمت ترقية غويطه من رتبة لفتنانت كولونيل (رائد) إلى رتبة كولونيل (مقدَّم).

يشكل هذا التعيين، في نظر هؤلاء، شذوذاً مضاعفاً: أولاً، لأن منصب قائد لواء في الشرطة “هو المنصب الأخير الذي يشغله ضابط برتبة رائد ولا يتم تعيين ضابط من رتبة أدنى من ذلك لهذا المنصب، ثم بعد ذلك يمنحونه الترقية بسبب المنصب”. وثانياً، لأن غويطه كان من مرؤوسي النقيب كوبي يعقوبي، السكرتير الأمني للوزير بن غفير. ولأنّ بن غفير يعرف بن غويطه جيداً؛ “فقد كان غويطه قبل ذلك ضابطاً في لواء تسيون في القدس وتولى قمع مظاهرات بلفور (المناوئة لنتنياهو والمُطالبة باستقالته في أعقاب تقديم لائحة اتهام جنائية ضده، في أيار 2020) بيد حديدية. وفي آب 2020 أدين غويطه بارتكاب مخالفتي اعتداء على متظاهرين وعلى مصور صحافي”!

شاهد أيضاً

ضابط إسرائيلي يختطف طفلة رضيعة من غزة قبل أن يُقتل لاحقا في المعارك

كشف جندي إسرائيلي، النقاب عن أن ضابطا بالجيش صديقا له، اختطف رضيعة فلسطينية من قطاع …