حين انتهت المعركة وساد الصمت فوق الأرض المحروقة، وجد الجنود جثمانه بين الركام. لم تكن ملاحظته الأخيرة وصية عن نفسه، بل عن قطة صغيرة.
ثلاثة أشهر كاملة، كانت طائرات الاستطلاع تلتقط مشاهد غير مألوفة من الجبهة: جندي يجلس وسط الأنقاض، يشارك قطة ضالة طعامه القليل. لم يفترقا يومًا؛ بين هدير القذائف وسكون الليل كانا كظلّين متلازمين — هو يحتضنها في معطفه لتتدفأ، وهي تضغط جسدها على صدره كأنها تعرف أن قلبه آخر ملجأ لها في هذا العالم القاسي.
ثم جاء الهجوم الأخير، العنيف، الذي أنهى كل شيء. عندما وصل المسعفون، وجدوه في المكان نفسه الذي توقفت عنده اللقطات، ومعه ورقة داخل معطفه تقول:
«أعرف أنهم يقتربون. سأقاتل من أجل صديقي، سأحميه حتى النهاية. وإن أصابني شيء، أرجو أن تتركوا معطفي هنا في حفرتي، فالشتاء قادم، وسيبحث عن دفء.
وبعد نقل جثمانه، وفّى أصدقاؤه بوعده وتركوا المعطف في مكانه كما كتب.
القط، وكأنها فهمت كل شيء، اتخذ المعطف ملجأه الأخير، تلتف بداخله لتحتمي بالدفء، وتبقى هناك كأنها تحفظ ذكرى الرجل الذي أحاطها بالحنان وسط الحرب.
بقيت هذه الصورة الصامتة — قطة واحدة، ومعطف يحوي ذكريات وفاء لم يمت، دليل صغير على صداقة استثنائية لم يعرفها العالم إلا من خلال صمت الركام.