يتم طرح مسألة خروج القوات الأمريكية من سوريا بقوة في الفترة الأخيرة ویکاد یکون الخبر الوحيد الذي يخيّم على الأزمة السورية بعد العدوان الثلاثي الذي استهدف قواعد عسكرية وعلمية سورية يوم السبت الماضي، وبما أن هذا العدوان فشل في تحقيق أي نتيجة مرجوة منه أصبح موقف واشنطن أضعف من السابق ولم يعد بإمكانها الاستمرار في البقاء حتى ولو أغدقتها السعودية وفرنسا بالمال لكي تُبقي قواتها هناك.
والسؤال الأبرز الذي يطرح نفسه يتعلّق بمصير القوات الأمريكية في سوريا، في الأمس كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن خطة تعدّها إدارة الرئيس دونالد ترامب لإحلال قوات عسكرية عربية مكان القوات الأمريكية المنتشرة في سوريا، ولكن حتى هذا الحل لن يكون مجدياً وقد تحدثنا عن أسباب ذلك في مقال سابق تحت عنوان ” قوة عربية في سوريا: رسالة سياسيّة أم كذبة نيسان!”.
وحالياً أكثر ما يظهر في سياسة واشنطن هو الضياع حول مسألة البقاء في سوريا من عدمه، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يريد البقاء هناك، ومؤخراً أكد البيت الأبيض أن الرئيس دونالد ترامب يريد عودة القوات الأمريكية إلى الولايات المتحدة في أقرب وقت ممكن، في حين قالت مندوبة أمريكا بالأمم المتحدة أن بقاء قوات بلادها هناك رهن بتحقيق أهداف واشنطن.
وهناك خلاف على ما يبدو بين البيت الأبيض والبنتاغون حول بقاء القوات الأمريكية في سوريا، فالأخير يريد البقاء هناك، بينما لا يريد البيت الأبيض ذلك، وهنا يمكن أن نطرح سؤالاً حول إمكانية بقاء القوات هناك في ظل تنامي قوة الدولة السورية وإحكامها السيطرة على أغلبية الأرض السورية، وما هي المخاطر التي تنتظر القوات الأمريكية في سوريا، وهل واشنطن مستعدة لكي تكرر تجربة العراق؟!.
أولاً: القوات الأمريكية مهددة اليوم أكثر من أي وقت مضى، وبحسب تقرير مجلة Foreign Policy الأمريكية الذي تم نشره اليوم، فإن مسؤولين عسكريين غربيين ومُحلِّلين مستقلين توقعوا ذلك منذ فترة طويلة. قالوا: إنَّها مسألة وقت فحسب، ثم يتم استهداف القوات الأمريكية على الأرض في سوريا. والآن، قد تُسرِّع الغارات الجوية التي شنَّتها أمريكا نهاية الأسبوع على منشآت الأسلحة الكيماوية المزعومة هذه الهجمات.
وتحدثت المجلة عن “لواء الباقر” الذي نشر على صفحته بموقع فيسبوك أنه سيبدأ هجماتٍ ضد أفرادٍ عسكريين أمريكيين لكن الصفحة أغلقت. وقال “لواء الباقر” في بيان له صدر في السادس من أبريل الحالي ونقلته عدة وسائل إعلامية: نزفّ لكم بشرى بدء الأعمال القتالية والجهادية ضد الاحتلال الأمريكي ومن يتحالف معه في سوريا، ومن جهته يؤكد نوار أوليفر، مدير وحدة المعلومات والمُحلِّل العسكري بمركز عمران للدراسات الاستراتيجية، في إسطنبول، أنَّ إعلان لواء باقر كان “أمراً جللاً”. مضيفاً “ذلك الإعلان ليس مزحة. ففي النهاية قد نرى فعلاً ملموساً على الأرض.
ثانياً: لن يستطيع ترامب تحمّل تبعات البقاء في سوريا حتى لو أقنعته فرنسا بذلك لمصالح شخصية، وزوّدته السعودية بكل المال المطلوب، لأن الموضوع لا يرتبط فقط بالمال فهناك أرواح ستزهق في كل يوم بما يشبه الاستنزاف، والشارع الأمريكي حساس جداً تجاه هذا الأمر وبالتالي فإن الضغوط الداخلية على ترامب ستتزايد وهو لن يستطيع تحملها في ظل الهشاشة التي تواجه إدارته وشعبيته التي تتراجع يوماً بعد يوم بسبب الفضائح التي تلاحقه وسياسته العدائية تجاه كل شيء.
وحالياً تعداد الجنود الأمريكيين في سوريا ليس بالكبير ولا يتجاوز بضعة آلاف ينتشرون في الشمال الشرقي، حيث تنشط هناك مقاومة شعبية نشرت مؤخراً مقطعاً مصوراً هذا الشهر تدّعي فيه قيامها بهجوم بقذائف الهاون على قاعدةٍ أمريكية في ناحية عين عيسى شمال محافظة الرقة، وأعلنت المجموعة أنها ستهاجم كلّاّ من القوات الأمريكية والميليشيات الكردية المتحالفة معها، وبالفعل تم استهداف القوات هناك ولكن من جهة غير معلومة الهوية فقد قُتل جندي أمريكي وآخر بريطاني في سوريا في الثلاثين من مارس/آذار الماضي عندما انفجرت قنبلة على جانب الطريق في مركبتهم.
ثالثاً: تدرك واشنطن أن أولوية سوريا تكمن في تأمين دمشق ومحيطها بالتزامن مع محاربة فلول داعش، وجماعة النصرة والقاعدة في إدلب، وبالتالي لن تنتقل إلى أي مواجهة مع واشنطن التي أعلنت افتتاح قاعدة جديدة مؤخراً.
لاحقاً، تعلم واشنطن أن سوريا لن ترضى بأي شكل من الأشكال في البقاء الأمريكي، وبالتالي لا يخلو الموقف السوري الرسمي، للجيش والحكومة من أمرين، إما التوجه إلى الأمم المتحدة لانتهاك سيادتها، أو الخيار العسكري أو الاثنان معاً.
ولكن ما تخشاه واشنطن أكثر هو الدور الذي يمكن أن تؤديه اللجان الشعبية في الدفاع عن أرضها، خاصّة أن القوانين الدولية تكفل لها حق مقاومة الاحتلال الأجنبي.
لذلك تناور اليوم واشنطن في الوقت الضائع، خاصة أنها غير قادرة على الدخول في حرب استنزاف في سوريا على شاكلة العراق، وما حديث “وول ستريت” الأخير عن استبدال القوات الأمريكية بأخرى عربية، ولاحقاً تعليق البنتاغون إلا خير دليل على أن ما تفعله واشنطن اليوم هو المناورة في الوقت الضائع فلا يوجد هناك أيّ فارق في جوهر الموقف بين ترامب الذي يريد الانسحاب عاجلاً والقيادة العسكرية الأمريكية التي تريد الانسحاب آجلاً… الفارق الوحيد هو أن ترامب يريد الانسحاب في بداية الوقت الضائع والبنتاغون يريد اللعب حتى اللحظات الأخيرة.
الوقت الإخبارية