.
.
.
الوقت- تواصل مظاهرات العودة إلى فلسطين فعالياتها منذ 30 مارس 2018 الماضي وستستمر حتى 15 مايو. هذه الفترة التي حددها الفلسطينيون لم تكن عبثاً، فخلالها ستقوم أمريكا بنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، وإن هذه الفترة الزمانية والتحولات المحلية والإقليمية والدولية والتطورات في الداخل “الإسرائيلي” لعبت دوراً مهماً في تحديد مصير وعواقب المسيرات الأخيرة، وعلى تخوم شرق قطاع غزة يواصل الفلسطينيون المعذبون فيه وبسبب الحصار وأضرار الحرب التي عايشوها قبل سنوات، نهضتهم وثورتهم وعنفوان البطولة وملاحم الفداء فوق الأرض وتحت الأرض، يرابطون على الحدود من أجل تحقيق الحلم الفلسطيني مسقطين المقولة الإسرائيلية: “الكبار يموتون والصغار ينسون”.
رسائل مسيرات العودة على الأطراف الإقليمية
يمكن للمسيرات الكبرى والأنشطة الأخرى أن تخلق إمكانية للتأثير على خريطة مصالح حماس والسلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني وغيره من القوى الإقليمية المؤثرة في فلسطين:
أ-حركة حماس ومسيرات العودة
يمكن تلخيص النتائج الفورية والمنتظمة للمسيرات الأخيرة على حركة حماس على النحو التالي:
1-استخدمت حماس مسيرات العودة لإعادة تعريف القضية الفلسطينية، التي تم محوها ونسيانها في الآونة الأخيرة نتيجة للنزاعات الداخلية والمشكلات الإقليمية.
2-إعادة التركيز على قطاع غزة والوضع الاقتصادي والإنساني فيه، حيث دفعت هذه المظاهرات بعض الجهات الدولية للالتفات إلى القطاع وممارسة الضغط على الاحتلال من أجل فك الحصار عنه.
3-ستؤدي مسيرات العودة إلى تحسين موقف حماس من أخذ زمام المبادرة على الساحة المحلية والدولية والإقليمية، لما لها من تأثير كبير على هذه المظاهرات وبعبارة أخرى هي الناطق باسم هذه المظاهرات والمؤثر عليها، وإن أراد الغرب التوصل إلى حل عليه التواصل معها.
4-بالنظر إلى أن مسيرات العودة قد انطلقت من أجل التأكيد على حق العودة، يمكن لها أن تخلق بيئة محلية مناسبة وتغلق الطريق على تنفيذ اتفاقية القرن، والتي يعدّ أهم بنودها التنازل عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين وإعطاء الحق للصهاينة. وهذا سيسمح لحماس بوقف جهود أمريكا وبعض الأنظمة الإقليمية الأخرى التي تحاول استغلال الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في غزة من أجل التأثير على المظاهرات.
5-إن وجود 10000 فلسطيني بالقرب من الخطوط الحدودية يقلل من قدرة الكيان الصهيوني على استهداف المنشآت الحيوية لحركة حماس.
6-يمكن لهذه المسيرات تقوية موقف حماس في التواصل مع النظام الحاكم في مصر، كما ستقلل من النفوذ الصهيوني في القطاع.
ب-مسيرات العودة والحسابات المتناقضة للسلطة الفلسطينية
وعلى الطرف المقابل وفي الضفة الغربية حيث تتواجد السلطة الفلسطينية، يمكن لمسيرات العودة أن تحدث تغييراً كبيراً داخل الضفة في الانتخابات القادمة وبذلك ستتأثر وبشكل كبير العلاقات والمفاوضات المباشرة مع الكيان الإسرائيلي، ويمكن تلخيص نتائج هذه المسيرات على وضع السلطة الفلسطينية على النحو التالي:
1- أجبرت مسيرات العودة التي تنظمها حماس في غزة السلطة الفلسطينية على وقف الهجمات المناهضة لحماس وتجاهل بعض خططها لزيادة العقوبات ضد قطاع غزة.
2- أثارت هذه المسيرات التساؤلات بين النخب المؤثرة في الضفة الغربية، بمن في ذلك بعض قادة فتح، حول أهمية دعم المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي وذلك عبر وقف التعاون الأمني معه، وزيادة الضغط على قادة السلطة الفلسطينية من أجل عدم القبول بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس وبصفقة القرن.
3- إن سقوط الشهداء في غزة بدم بارد سوف يؤدي إلى تفجير الأوضاع في الضفة الغربية، كما أن اقتراب نقل السفارة الأمريكية والاحتفالات الصهيونية بذلك سيزيد الأوضاع سوءاً هناك، ما سيؤثر بشكل كبير على العمليات الفردية كالدهس والطعن في القدس التي ستزيد بفعل هذه التطورات، وإذا حدث ذلك فإن السلطة الفلسطينية ستقلل من التنسيق الأمني مع النظام الصهيوني وستصبح كحماس من وجهة نظر العدو الإسرائيلي.
4- سيكون لمسيرات العودة تأثير سلبي على اجتماع السلطة الفلسطينية للجمعية الوطنية، هذه الجمعية تقرر عنها في السابق عقوبات ضد حركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وغيرها من جماعات المقاومة.
ج-تأثير مسيرات العودة على الكيان الإسرائيلي:
أثّرت هذه المسيرات بشكل كبير على الداخل الإسرائيلي وعلى صناع القرار فيه تجاه قضية فلسطين، ويمكن تلخيص تأثيرها على النحو التالي:
1-عودة ظهور الصراعات الحزبية والإيديولوجية في الأراضي المحتلة حول قضية فلسطين، والتي زادت من الصراعات بين المجموعات السياسية والنخب الصهيونية حول مصالح الكيان الإسرائيلي.
2-أظهرت هذه المسيرات أن استراتيجية الحكومة الصهيونية الأمنية للتعامل مع قطاع غزة غير فعالة، ما أدّى إلى قيام بعض كبار الوزارات التي يقودها متطرفون داخل الأراضي المحتلة بالمطالبة بتغيير في سياسة إسرائيل تجاه قطاع غزة، ويشكّل الترخيص لإنشاء ميناء ومطار بالقرب من ساحل غزة جزءاً من هذه التطورات.
3- أعادت المظاهرات الفلسطينية القلق داخل الكيان الصهيوني من فقدان موقعه الإقليمي من جديد، كما أدّى استمرار قتل الفلسطينيين بدم بارد من الجنود الإسرائيليين إلى زيادة الضغوط على الأنظمة العربية لمنعها من الاستمرار في تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني.
4- ستقف المسيرات في وجه عمليات تطبيع العلاقات مع العدو الإسرائيلي، حيث لا يستطيع الكيان الإسرائيلي الإعلان عن هذه العلاقات إلا بعد حلّ أزمته مع الفلسطينيين.
إذاً، إن مسيرات العودة هي نضال يحيي القضية ويربك الاحتلال، ويمكن القول إن مسيرات العودة الكبرى اليوم تمثّل أعظم مشروع نضالي معاصر واسع المدى، ولذلك تحتاج القضية إلى مخطط استراتيجي ومرحلي من أجل تحقق أهدافها. في النهاية لا يقوى المحتل على البقاء بسبب ما يدفعه من ثمن فيقرر الرحيل، هكذا هي تجارب العالم التاريخية. لكن يجب كما أشرت سابقا أن تكون الخطط استراتيجية ومرحلية من أجل تحقيق الحلم.
الوقت الإخبارية