مما لا شك فيه، ان ارتباكا تعيشه الأوساط الشعبية، والهيئات الديبلوماسية المتواجدة في لبنان، إضافة الى كبار القادة الدوليين والإقليميين، ويتساءل هؤلاء جميعا: هل الاستقرار الذي يعيشه لبنان من الناحية الأمنية قابل للاستمرار؟ وهل هناك عوامل يمكن لها ان تؤثر سلبا على هذا الاستقرار في المدى البعيد؟ وبطبيعة الحال، فإن الإجابة عن هذه التساؤلات تحتاج لتمعن، وعلى ضوء هذه الإجابات يمكن ان يرتسم مستقبل البلاد من الناحيتين الاقتصادية والسياسية.
القوى السياسية الرئيسية في البلاد، والتي أثبت حجمها الشعبي في الانتخابات التي جرت في أيار 2018، تتمسك جميعها بالحفاظ على الاستقرار.
في المقابل فإن بعض القوى والأحزاب اللبنانية المخضرمة، تعتبر ان شيئا من المغامرة يعتري بعض الممارسات السلطوية، وهذه المغامرات قد تؤسس لإعادة إنتاج «كباش» طائفي او مذهبي يعرقل كل مسيرة العهد، ويلقي بظلال قاتمة على حالة الاستقرار، او قد يقوض مساحة التفاؤل التي أشيعت بعد إجراء الانتخابات التشريعية.
ومن بعض هذه الممارسات السلطوية، خطاب استعلائي يطلقه بعضهم، مستقويا بعرى اتفاق سابق عقد بين طرفين أساسيين «الأزرق والبرتقالي» في غفلة من زمن قاس مضى كاد ان يطيح بما تبقى من استقرار، وإبان لحظة إقليمية بالغة التوتر قبل عامين.
ولا يبدو ان الأوساط الشعبية – الاسلامية او المسيحية – مغرمة بمثل هذا الخطاب الاستعلائي، وهي حذرة من تداعياته الداخلية والخارجية.
على الدوام كانت أهم عوامل الاستقرار في لبنان خارجية. والغطاء الخارجي للأطراف اللبنانية، هو الذي يدفعها الى اختلاق المشكلات غالبا، كما ان الاحتضان الخارجي كان على الدوام عاملا اساسيا في الاستقرار. وهناك مظلة دولية حاليا فوق لبنان هدفها تحييده عن أزمات المنطقة المحيطة، رغم ان لبنان اكثر المتأثرين بهذه الأزمات، لاسيما من خلال الأعداد الهائلة من النازحين على ارضه. لكن هذه المظلة هي التي تحصن الساحة الداخلية بالدرجة الاولى، وتقوي مناعة مؤسسات الدولة.
ولا يستطيع اي متابع ان يتجاهل التطور الذي حصل في بعض المؤسسات الحكومية ـ لاسيما العسكرية والامنية منها ـ وقد ارتقى دور هذه المؤسسات الى مستوى يبعث على الاطمئنان.
وهذا الاطمئنان لا يتوافر في لبنان بالسهولة التي يعتقدها البعض، بل انه يولد عادة بعد مخاض عسير، ويتأثر بعوامل خارجية متعددة، ويمر بطرقات متعرجة يعتريها الكثير من المخاوف والصعوبات.
ولكن بمقابل التطور النوعي الذي حصل في مثل هذه المؤسسات، هناك إخفاق مخيف في مؤسسات أخرى، مما أدى الى اختلال هائل في التوازنات «الاقتصادية – والاجتماعية» من جهة والتوازنات السياسية ـ والأمنية من جهة ثانية، بحيث بدا الأداء الحكومي مقبولا في بعض الجوانب (في الأمن وفي إدارة الاستقرار المالي) على سبيل المثال، بينما بدا بدائيا وهشا، واحيانا «فاسدا» في جوانب أخرى، كقطاع الكهرباء، او في الحماية الجمركية بمواجهة التهريب.
من أهم عوامل ضمان الاستقرار البعيد المدى في لبنان تخفيض منسوب تأثير الجانب الطائفي في الحياة السياسية، وهذا بكل أسف غير متوافر حاليا، وبالتالي فإن هذا الغلو الطائفي يلقي عبئا ثقيلا على الشعب والدولة.
بينما المفترض البدء بخطوة اولى، على الأقل، على طريق تحقيق ما ينص عليه الدستور في المادة 95، عنيت اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية على المدى البعيد.