يوحي الجمود المحيط بمساعي تأليف الحكومة العتيدة بامكان تعليق الجهود الهادفة الى توليدها، وهو ما رفع منسوب القلق من أزمة مفتوحة قد تطول بلا افق.
فالحراك السلبي الذي عبّر عنه التصلب في المواقف ورفع السقوف في ظل غياب اي تواصل بين اطراف الخلاف يقود الى سيناريوهات سلبية. فما هي الأسباب والظواهر التي ادت الى هذه الحال؟
يكتمل اليوم شهران على تكليف الرئيس سعد الحريري مهمة تأليف الحكومة الجديدة. ومنذ هذا التكليف هناك مَن يحصي ايامه ويسعى الى المقارنة مع المهل السابقة لتأليف الحكومات، ولم يرَ في ما عبر الى الآن ما يدعو الى الخوف أو الخشية قياساً على التجارب السابقة.
فانقضاء شهرين على مهمة بحجم تأليف الحكومة ليس كارثياً إذا ما قيس بالظروف العادية، ولكنّ الربط بين ولادتها والوعد الذي قطعه رئيس الجمهورية باعتبارها “حكومة العهد الأولى” اعطى هذه الإنطباعات السلبية عن المهلة التي استهلكت الى اليوم فاعتبرت طويلة ومملّة.
على هذه الخلفيات، يقاس كل يوم تأخير على التأليف ويحتسب من عمر العهد وليس من عمر الحكومة.
وهو أمر يقود بطبيعة التطورات المحتملة الى الخشية من أن تطول هذه المرحلة بلا أفق وهو ما تعزّزه المعلومات المتداوَلة عن تجميد الإتّصالات الهادفة الى تأليف الحكومة، وتحديداً تلك المتوقعة بين الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل من أجل التفاهم على مخرج للمأزق الذي بلغته عملية التأليف ومجموعة العقد التي جمّدت مشاريع التشكيلات الوزارية الجديدة في ظلّ الخلاف على حجم الحصص التي ستنالها بعض القوى “الأكثر تمثيلاً” قبل الإنتقال الى مرحلة التفاهم على حصص “الأقل تمثيلاً” وصولاً الى مرحلة إسقاط الأسماء على الحقائب.
وفي ظلّ وجود الخيط الرفيع الذي لم يثبت ظهوره بعد، بين كون العقد المتحكّمة بعملية التأليف داخلية أم خارجية، فإنّ لدى المتعاطين بهذا الملف لائحة بالعوائق بوجهيها على حدٍّ سواء، وهم يعتقدون أنه إذا لم يتّخذ القادة اللبنانيون قراراً بوقف التداخل بين هذه العوامل لن تكون هناك حكومة جديدة في المدى المنظور، وخصوصاً إذا ما تغلّبت الظروف الخارجية المتقلّبة على التردّد الداخلي.
وقبل الدخول في تصنيف العوائق ومصادرها، هناك مَن يعتقد أنّ حجم العقد مرده الى الإعتقاد السائد بأنّ الحكومة المقبلة ليست حكومة “العهد الأولى” فحسب، وانما ستكون حكومة “العهد الأخيرة” وهي ستتقاسم بقية سنواته مهمة إدارة البلاد مع رئيس الجمهورية التي تفيض عن ولاية المجلس النيابي الجديد بخمسة اشهر.
وقياساً على هذه القراءة، تنقسم الآراء حول دقتها وصحتها مع الإشارة الى أنّ لكلٍّ منها ما يبرّرها ويوحي بها وفق الآتي:
– حجة مقنعة لتبرير التأخير في التأليف ومحاولة إخفاء النزاع على السلطة. وإعطاء هذا التأليف والحصص اهمية إستثنائية وتبرير رغبة البعض باحتكار التمثيل الطائفي والمذهبي.
– لا بد من التحضير سلفاً للإحتمالات السلبية بتروٍّ وحذر، وكل ذلك من اجل التحكّم بالمرحلة المقبلة وإدارتها تحسّباً لأيّ طارئ يمكن أن يؤدّي الى انفراط بقية التحالفات التي حكمت “الثلث الأوّل” من العهد.
– ما يثبت عجز الَقادة اللبنانيين عن سلوك المراحل والآليات الديموقراطية التي يقول بها الدستور والسعي الى التوافق المبكر أو المسبق، على رغم تجاوزه كل ما يقول به هذا الدستور والأعراف والتقاليد.
وقياساً على ما يتحمّله الوضع من تفسيرات متناقضة، يبرز حجم الجمود المسيطر على عملية التأليف. فالأمور معقّدة الى درجة الخطورة التي تهدد بالعودة الى ما قبل المربع الأول. وزاد في الطين بلة إنقطاع الحوار ما بين المكلفين مهمة التأليف وتفكيك العقد وهو ما يوحي بمخاطر جمّة.
لكن في مقابل هذه المعطيات ثمّة مَن يقول إنّ التجميد طبيعي وهناك عناصر خارجية مؤثرة فرضت نفسها على الجميع، خصوصاً اولئك الذين فرملوا الإستعدادت والخطوات التي كانت قد بدأت تبحث في أدقّ التفاصيل. ولعلّ ابرزها ما يتصل بنتائج قمّة هلسنكي الأميركية ـ الروسية المحتملة على المنطقة.
وعلى قاعدة أنّ ما قبل هذه القمّة هو غير ما بعدها، يتريّث الجميع في قطع الوعود الجازمة، فانكفأوا الى الخلف. وجمدت المبادرات وتوقفت الإتصالات بين الرئيس المكلف و”التيار البرتقالي” وما بين “القوات” و”التيار” وارتفعت لهجة التصعيد على الساحة الدرزية الى حدودها القصوى التي لم تصلها يوماً.
وبناءً على كل ما تقدّم برزت السيناريوهات التي تتحدث عن تجميد العمل في تأليف الحكومة الجديدة انتظاراً للجديد على مسرح المبادرة الروسية الجديدة الخاصة بالنازحين السوريين إذا ما صحّ انها من نتائج القمة الروسية – الأميركية المباشرة. وفي انتظار مزيد من المفاجآت وجد المعنيون بالتأليف أنهم يحتاجون الى رصد ما سيلي هذه المبادرة، إذ لربما تغيّرت معطيات كثيرة وانقلبت أدوار وتبدّلت موازين ومواقع، فكان التريث قرار الجميع قبل أن يقطعوا الإلتزامات النهائية. ولكن الى متى؟