كتب ناجي سمير البستاني في صحيفة “الديار”: في خضمّ عمليّات الأخذ والردّ بشأن ملفّ المُوازنة، وسُبل خفض العجز، فاجأ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّيالأوساط السياسيّة بتحريك فكرة البحث في قانون الانتخابات النيابيّة من اليوم، حتى لا يدهمنا الوقت كما في المرّات السابقة، مع تأكيد دعمه لقانون النسبيّة على أن يكون لبنان دائرة انتخابيّة واحدة. وإذ اعتبر أنّ القانون الانتخابي الحالي والذي جرت الانتخابات النيابيّة على أساسه، أوجد خللاً كبيرًا وشكوى عارمة من الجميع، حيث تبيّن أنّه عبارة عن نسخة مُصغّرة من القانون الأرثوذكسي، إنتقد الرئيس برّي بشكل خاص الصوت التفضيلي. فما هي مواقف أبرز القوى السياسيّة من هذا الطرح القديم – الجديد، وما هي التغييرات في مُوازين القوى التي يُمكن أن يُحدثها؟
بحسب أوساط سياسيّة خبيرة في الشؤون الانتخابيّة، إنّ من شأن تعديل القانون الانتخابي الحالي، لجهة التحوّل من 15 دائرة انتخابية إلى لبنان دائرة انتخابيّة واحدة، أن يُبدّل في النتائج بشكل واضح، وبالتالي أن يُغيّر في موازين القوى التي أفرزتها دورة الانتخابات النيابية الأخيرة سنة 2018. وأوضحت أنّه من أصل 1,861,203 ناخب شاركوا في الإنتخابات (بينهم 46,799 ناخباً من غير المُقيمين)، توزّع ما مجموعه 1,759,068 صوتًا تفضيليًا (عند احتساب المُرشّحين الفائزين والخاسرين) على مُختلف القوى والشخصيّات السياسية التي شاركت في الانتخابات، وقد نال حزب الله 343,220 صوتًا تفضيليًا، ونالت حركة “أمل” وحلفاؤها 204,199 صوتًا تفضيليًا، ما يعني أنّ “الحزب” و”الحركة” جذبا وحدهما 547,419 مُقترعًا، ما يعني أنّهما قادران وحدهما أيضًا على كسب تأييد نحو ثلث الناخبين على مُستوى لبنان دائرة واحدة.
وهذا ما يفسّر تأييد “الثنائي الشيعي” بقُوّة ومن دون تردّد، للقانون الانتخابي الذي يجعل لبنان دائرة واحدة، والضغط باتجاه اعتماده.
وتابعت الأوساط نفسها، أنّ من شأن إجراء هذا التعديل على القانون الانتخابي أن يُتيح لأحزاب ولشخصيّات سياسيّة أخرى صديقة ضُمن تحالف قوى 8 آذار، رفع فُرص الربح المَضمون على مُستوى لبنان لهذا الفريق السياسي، حيث نال تيّار المردة 31,206 صوت تفضيليّ، والحزب السوري القومي الإجتماعي 23,881 صوتًا تفضيليًا، و”جمعيّة المشاريع الخيريّة الإسلاميّة” 18,759 صوتًا تفضيليًا، وحزب الإتحاد 15,111 صوتًا تفضيليًا، والتنظيم الشعبي الناصري 9,916 صوتًا تفضيليًا، وحزب “البعث العربي الإشتراكي” 7,171 صوتًا تفضيليًا، إلخ. ومن شأن توحيد أصوات هذه القوى مع أصوات نالتها مجموعة من الشخصيّات المُستقلّة المُؤيّدة لمحور “المُقاومة والمُمانعة” أن يُحسّن نتائج القوى المذكورة مُجتمعة.
وتابعت الأوساط السياسيّة الخبيرة في الشؤون الإنتخابيّة أنّه في المُقابل، يُعارض “الحزب التقدّمي الإشتراكي” الذي كان نال 88,268 صوتًا تفضيليًا، جعل لبنان دائرة واحدة، لأسباب سياسيّة من جهة، ولأسباب مذهبيّة من جهة أخرى، حيث أنّ هذا التقسيم المُقترح يُضعف قُدرة الأقليّات الصغيرة كلّها، ومنها الأقليّة الدُرزيّة، على التأثير في نتائج الإنتخابات النيابيّة، بسبب قلّة عدد الناخبين الدُروز عُمومًا (210,496 ناخبًا بحسب إحصاءات العام 2018). ولفتت الأوساط إلى أنّ حزب “القوّات اللبنانيّة” الذي نال مع حلفائه 162,078 صوتًا تفضيليًا يُعارض أيضًا جعل لبنان دائرة انتخابيّة واحدة، لأنّ هذا الطرح لا يجعله يفقد عددًا من نوّابه الحاليّين فحسب، ولكنّه يُؤثّر في التوازنات الطائفيّة الدقيقة في لبنان أيضًا، حيث أنّ هذا الطرح لا يصبّ في مصلحة الأقليّة المسيحيّة في حال اعتماد النظرة الطائفيّة، حيث بلغ مجموع الناخبين المسيحيّين في دورة انتخابات العام 2018 النيابيّة ما نسبته 38 % فقط من إجمالي الناخبين اللبنانيّين، والرقم في تصاعد مُستمرّ لمصلحة الناخبين المُسلمين.
وأشارت الأوساط نفسها إلى أنّ “التيّار الوطني الحُرّ” الذي نال مع حلفائه من المُرشّحين الرابحين والخاسرين على السواء، ما مجموعه 240,490 صوتًا تفضيليًا، لن يتمكّن من جهته من الاحتفاظ بحجم كتلته النيابيّة الحالية نفسه، كون “الصوت التفضيلي” والتقسيم الحالي للدوائر الإنتخابيّة، أديا دورًا حاسمًا في تحقيقه النتائج التي انتهت إليها دورة انتخابات العام 2018. وبالتالي، إنّ من شأن أيّ تعديل يحوّل لبنان إلى دائرة إنتخابيّة واحدة، أو يُلغي الصوت التفضيلي، أن يحدّ من حجم الفوز الذي حقّقه “التيّار” في الانتخابات الماضية، الأمر الذي يدفع “الوطني الحُرّ” إلى رفض هذه الطُروحات بحزم، وبخاصة أنّها تُخلّ ايضًا بالتوازن الطائفي بين المسيحيّين والمُسلمين، وبقُدرة كل طائفة على إيصال نوّابها بقواها الذاتيّة.
وفي ما خصّ موقف “تيّار المُستقبل” من طرح لبناندائرة انتخابيّة واحدة، فإنّ “المُستقبل” الذي نال 256,092 صوتًا تفضيليًا في الانتخابات النيابيّة الأخيرة، يُمكنه أن يُحافظ تقريبًا على حجم الكتلة النيابيّة التي نالها في انتخابات العام 2018، لذلك هو مُنفتح على أيّ بحث في هذا المجال، من دون خشية على حجمه التمثيلي ومن دون خشية من أي ارتدادات طائفية أو مذهبيّة، لكنّ “المُستقبل” قد يُعارض هذا الطرح من خلفيّة سياسيّة محض، كون تمثيل القوى التي تُصنّف إلى جانبه في الملفّات الإستراتيجيّة الكبرى سيتراجع أكثر فأكثر، بحسب الترجيحات الأوّليّة.