بقلم الإعلامية ريم عبيد
ضخُّ دمٍ جديدٍ في أيّ حركةٍ أو حزبٍ في العالم، هو ضرورةٌ لإعادة إحياء العظام وإن كانت رميماً. وهو حرفياً ما قام به حزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان، حين اختار أميناً عاماً شاباً، هو الصحافي علي حجازي، ليرمّم ما خلّفته السنون من ركامٍ سبّبته جملة الانقسامات الداخلية التي عصفت بالحزب بعد عام ٢٠١٥، والتي وئدت في مهدها ولن تعود، كما أكّد الأمين العام.
فمنذ عامٍ فقط، ومع الذكرى الحادية والخمسين للحركة التصحيحية للحزب التي أطلقها الرئيس الراحل حافظ الأسد، وأكمل قيادة مسيرتها الرئيس السوري بشار الأسد، انطلقت جذوة التصحيحات في متن الحزب، وكرّستها القيادات كلٌّ من موقعه لترسم خارطة أملٍ جديدٍ لحزب، كاد أن يخرج كلّياً من البيئة السياسية والشعبية، وإن ذكر، لا يُذكر إلا للحديث عن انقساماته الداخلية السابقة.
فمن مبنى القيادة الذي أُعيد ترميمه، إلى بقية المكاتب التي كانت مغلقةً، أعادت القيادة الحالية للحزب في لبنان، افتتاح 15 مكتباً، كان أولها في عرسال، ثم في وادي خالد، وبعدها في مشاريع القاع، وأيضاً في إقليم الخروب، وفي القريب العاجل في عكار وطرابلس، ولكلِّ واحدةٍ من هذه المناطق رمزيتها الخاصة، إذ تُمثل عودة الحزب الى الخارطة السياسية والجماهيرية في كلِّ لبنان، وبالتالي سقوط كلِّ المحرمات التي وقفت في طريق إعادة بثِّ الرّوح فيه من جديد.
البعض اتهموا الحزب وقيادته بالجنون، على اعتبار أن بعض المناطق لن تشهد حركة انتسابٍ، إلّا أنّها وبعد عامٍ أحدثت مفاجأةً سنأتي على ذكرها في السياق.
ومع حلول الذكرى الثانية والخمسين للحركة التصحيحية، والتي سيتبعها ورشةٌ تنظيميةٌ لمواكبة حركة الانتساب الكبيرة إلى صفوف الحزب، والتي سجلت في عرسال وحدها ما يقارب ال500 منتسب، وهذا الرقم مرشح للتصاعد، وكذلك في مشاريع القاع ووادي خالد. وكما في هذه المناطق، أيضاً في كلِّ لبنان، تعمل المكاتب المستحدثة على إعادة الإتصال بالرفاق الذين ابتعدوا عن العمل الحزبي في فترة الانقسام السابقة.
الحزب اليوم بخلاف ما مضى تجاوز كلَّ خلافات المرحلة الماضية، ما خلا بعض المناوشات البسيطة الصحية لأيِّ حزب في العالم، وهو ما يحاول البعض تضخيمه بهدف توظيفه في سياقاتٍ سياسيةٍ غير بريئةٍ، في محاولةٍ عابثةٍ لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وهذا ما يستحيل تحقيقه على أرض الواقع، وسيبقى مجرّد أضغاث الأحلام.
وفي الحديث عن حضور الحزب، كان مهرجان 15 نيسان تحدياً كبيراً، استطاع الحزب أن يعكس من خلاله حجم التأييد، وخصوصاً أنها كانت المرة الأولى التي ينظَّم فيها احتفالٌ بمناسبةٍ حزبيةٍ في ساحةٍ عامةٍ. والتحدّي الآخر الذي شكّله هذا المهرجان تمثّل في التوقيت الذي صادف في شهر رمضان المبارك، لكن ذلك لم يشكّل عائقاً أمام حضور حشود بذلك الحجم. يضاف إلى ذلك، أن المهرجان أُقيم في بعلبك مع ما تحمله المدينة من رمزيةٍ، رغم صعوبة نقل الحشود من خارج البقاع، بسبب ضعف الامكانيات المادية التي لم تكن تكفي لتغطية نفقات إيجار المكاتب وتكلفة تشغيلها،
وكان هذا الحدث موضع ترحيبٍ من قبل الحلفاء، فيما طرح علامات استفهامٍ من قبل الخصوم، وهو ما دفع أحد رؤساء البلديات إلى أن يشكو لدى البطريرك مار نصر الله بطرس الراعي انتشار الحزب في إحدى البلدات بحجة أن هذا الانتشار سوف يشكل خطراً في المرحلة المقبلة.
ولعل أبرز عوامل الاستقطاب التي جذبت هذه الأعداد الكبيرة إلى الانخراط في الحزب، تتلخّص بالتالي:
1- عودة الهدوء الى سوريا
2- تراجع الخطاب المذهبي والطائفي
3- حاجة المناطق الحدودية إلى استئناف التواصل مع سوريا
4- غياب القوى السياسية التي ورطت الناس في مشروع العداء مع سوريا
5- إدراك المواطنين في الكثير من المناطق أن المشروع الذي وُرِّطوا فيه تخلّى عنه القيّمون عليه بعدما جنوا ثرواتٍ طائلةً
وبالطبع يبقى انتصار سورية هو العامل الاهم الذي دفع الكثير من الناس الى التراجع عن مواقفهم.
وكشف حجازي أثناء حديثه معنا عمّا يخطط له الحزب خلال المرحلة القادمة من مشروع إطلاق خلوةٍ تنظيميةٍ مطلع العام المقبل، تكون مبنيةً على خلاصات ومقترحات، تقدّمها المؤسسات الحزبية، وتهدف الى دراسة الواقع التنظيمي بتأنٍ والخروج بأفكارٍ تسهم في ترتيب الوضع التنظيمي، بما يتناسب مع مقتضيات المرحلة، ويكون عنوانها الأساسي المرونة والانضباط والالتزام الحزبي.
يضاف إلى كلّ ذلك ، افتتاح المخيمات الكشفية في الصيف المقبل، بهدف تنشئة جيلٍ حزبيٍّ يؤمن بفكر الحزب وأهدافه.
ويؤكد حجازي أن الحزب سيضع خريطة نشاطاتٍ تشمل كافة المناطق اللبنانية، على تنوّعها، وكل ذلك سيكون تحت عنوان تجديد شباب الحزب، وتلوين الصورة التقليدية، وبالتالي تقديمه بصورةٍ شابةٍ بعيدةٍ عن المسار التقليدي الذي كان معتمداً في السابق. كذلك سيعمل الحزب على تنظيم دورات إعدادٍ حزبيٍّ يسعى من خلالها الى تنشئة كوادر تتولى في الفترة المقبلة إدارة عمله، وقوامها هي الأخرى الطاقات الشابة.
أما في تشرين، فيشير حجازي إلى أن احتفالات الحزب في الحركة التصحيحية انطلقت، وجرى الإعلان عنها في حفل تكريم اللقاء الاعلامي الوطني، ليكون الإعلاميون على دراية وعلم بمشاريع الحزب المستقبلية.
وبالفعل كان حجازي قد تحدث عن عشر مناسبات في المناطق اللبنانية كافّة، سيحتشد فيها جمهور الحزب، وستشكل نقطة انطلاقِ نشاطات الحزب في مختلف المناطق بعد انقطاعٍ استمر لسنوات، وذلك بغية تثبيت شراكة الحزب السياسية الحقيقية، بعيداً من كونه مجرد يافطةٍ سياسيةٍ تُرفع فحسب، كما يتوهّم البعض.
ومن المقرر أن يتم خلال هذه المهرجانات الاعلان عن تطلعات الحزب السياسية، وموقفه من مجموعة التطورات الداهمة والملفات العالقة، كالرئاسة والحكومة والطائف وغيرها، وفي كل كلمة ستُطلق مواقفُ جديدةٌ، بعد استعادة العلاقات مع كل القوى السياسية تقريباً، عبر الزيارات التي قام بها الأمين العام إلى زعماء الأحزاب في لبنان، وعلى رأسهم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ما جعل من الحزب جزءاً أساسياً من حلقة التشاور بين الحلفاء، مثبّتاً حضوره على المستويين الاعلامي والسياسي، ولعل الاطلالات الاعلامية المتكررة لحجازي كان هدفها تثبيت موقف الحزب الداعم لخيار المقاومة والرافض للتطبيع، والمصر على علاقةٍ أخويةٍ مع الدولة السورية بوصفها بوصلة المحور.