وفي تفاصيل عملية الاغتيال، قالت مصادر محلّية إن قوات خاصة إسرائيلية وصلت على متن مركبات مدنية إلى وسط المدينة، حيث حاصرت مبنى بعد اقتحام حيّ كفر سابا، قبل أن تندلع اشتباكات مسلّحة في المكان، لاحقت قوات الاحتلال خلالها خلية كانت ترصدها بطائرة مُسيّرة، يقودها علاء، ومعه رفيقه أنس، لينجلي المشهد عن اغتيالهما، ومن ثم سرقة جثمانيهما. ويتّضح ممّا جرى في قلقيلية أن جيش العدو أعدم الشابين عن سابق تصميم؛ إذ كان في مقدوره اعتقالهما، لكنه آثر قتلهما، وهو سيناريو يبدو مشابهاً لِما جرى في مخيم جنين، قبل أيام، بعدما حاصرت قوات الاحتلال حارة الدمج لساعات، واغتالت محمد الزبيدي ووسام حنون، وسرقت جثمانيهما.
على أن ما شهدته مدينة قلقيلية، صباح أمس، بات مشهداً مصغّراً لِما يجري في عموم الضفة الغربية على مدار الساعة، حيث أضحت كلّ المدن والبلدات والمخيمات مستباحة، وتتعرّض لاقتحامات شرسة، على غرار ما جرى في مخيم قلنديا، وبلدة كفر عقب بين القدس ورام الله، عصر أمس، من اقتحام واسع تزامن مع مغادرة الطلبة مدارسهم، وتخلّله اشتباك مسلّح عنيف مع مقاومين فتحوا النار على الاحتلال. ورصدت هواتف المواطنين إصابه جندي إسرائيلي ونقْله بدورية عسكرية، بينما استشهد شاب وأصيب 15 آخرون، جروح أربعة منهم خطيرة، في وقت شنّت فيه شرطة العدو حملة مداهمات للمحالّ التجارية، وعاثت فيها تدميراً، كما شنّت حملة اعتقالات في صفوف الشبان.
كذلك، نفّذت قوات الاحتلال سلسلة مداهمات واقتحامات واسعة في مدن الضفة وبلداتها، شملت اقتحام 30 آلية المنطقة الشرقية لمدينة جنين، حيث نشرت فرقاً للقناصة على أسطح عدد من المباني، لتندلع على إثر ذلك اشتباكات، فيما أَطلق مقاومون النار على قوّة إسرائيلية راجلة خلال اقتحامها بلدة سيلة الظهر جنوب مدينة جنين، والتي أغلقها جيش العدو وشرع في حملات تمشيط داخلها بعدما نشر قنّاصته في الشوارع وعلى أسطح المباني. كما اقتحم الجنود مخيم الجلزون، وبلدة جفنا شمال رام الله، وبلدة سلواد شرق رام الله، فضلاً عن عدّة مناطق وبلدات في محافظات الخليل وبيت لحم وأريحا، حيث بلغت حصيلة الاعتقالات 60 مواطناً على الأقلّ، بينهم أسرى سابقون. وتركّزت عمليات الاعتقال في مخيم الدهيشة/ بيت لحم (15 مواطناً)، فيما توزّعت البقية على غالبية محافظات الضفة، ورافقتها عمليات تنكيل واسعة، واعتداءات بالضرب المبرح، وتحقيقات ميدانية، وتهديدات بحق المعتقلين وعائلاتهم، إلى جانب حوادث التخريب والتدمير الواسعة في منازل المواطنين، إضافةً إلى اعتقال بعضهم كرهائن للضغط على أفراد من عائلاتهم لتسليم أنفسهم.
وترافقت اعتداءات جيش الاحتلال مع ارتفاع وتيرة هجمات المستوطنين من شمال الضفة الغربية إلى جنوبها، والتي كان آخرها هجوم عصابات مسلّحة من هؤلاء على قرية قراوة بني حسان غرب سلفيت، يوم السبت الماضي، حيث استشهد الشاب أحمد مصطفى عاصي (38 عاماً، متزوج وأب لستة أطفال)، خلال التصدّي للهجوم على البلدة، ليرتفع عدد الشهداء برصاص المستوطنين في الضفة منذ بداية العدوان على غزة، إلى 11. كما شنّ مستوطنون، يومَي الجمعة والسبت، عدّة هجمات أحرقوا خلالها منازل ومركبات في قرية جالود، وحطّموا مطعماً بالحجارة قرب بلدة الساوية، جنوب نابلس، في وقت تستمرّ فيه حكومة الاحتلال في توزيع الأسلحة على مستوطنيها، وتسهيل إجراءات ترخيصها، والتي باتت تحوّل هؤلاء إلى ميليشيات مسلّحة. وفي ضوء التسهيلات الممنوحة للمستوطنين، قدّم رئيس شعبة الأسلحة النارية في وزارة “الأمن القومي” الإسرائيلية، يسرائيل أفيسار، استقالته من منصبه، في أعقاب مصادقة مساعدين ومقربين من وزير “الأمن القومي”، إيتمار بن غفير، على إصدار رخص حمل سلاح لمواطنين من دون أن يكونوا مخوّلين قانونياً بذلك. ويأتي هذا بعد أسبوع من حديثه، خلال مداولات جرت في “الكنيست” عن دور المقرّبين من بن غفير في إصدار تلك الرخص، وإقامتهم “غرفة عمليات” في مكتب الوزير، إلى جانب أنهم حاولوا منْح أفضلية لقسم من الطلبات على حساب أخرى.
أما على الصعيد السياسي، فلا تزال سيناريوات “غزة ما بعد الحرب” تشغل تفكير القادة السياسيين الإسرائيليين، إذ عارض وزير خارجية الاحتلال، إيلي كوهين، عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، باعتبار أنها “ليست خياراً لتحكم قطاع غزة”. وأضاف: “السلطة فيها تحريض في النظام التعليمي وتمجّد الشهداء وتدفع رواتب للمخرّبين، وتدفع حوافز لمَن يقتل يهوداً”، مشيراً إلى ما قاله الرئيس الأميركي، جو بايدن، في مقال عن ضرورة تجديد السلطة، بالقول: “هذا يعني أنهم فهموا أنها ليست الحلّ”.