فانتازيا تهجير الفلسطينيين من غزة

المصدر : يديعوت أحرونوت
المؤلف : أفيشاي بن ساسون غورديس
  • يواصل اليمين الإسرائيلي، وخصوصاً في أوساط جناحَيه الاستيطاني والديني، التخيّل العلني لتهجير سكان قطاع غزة تحت وطأة الحرب. وفي موازاة تطبيع الدعوات المطالِبة بقتل مئات آلاف الفلسطينيين، من المتوقع أن ترتفع أصوات بارزة في المعسكر الاستيطاني اليهودي،  غاضبةً على نتنياهو لأنه تفاوض، ظاهرياً، مع الأميركيين بشأن مسألة نقل المسؤولية عن القطاع [بدلاً من تهجير سكانه]، في الوقت الذي تحتفي هذه الأصوات بمشاهد التهجير التي تأتي من القطاع. يُحظر علينا الوقوع في هذا الفخ، إن لم يكن لأسباب أخلاقية، فعلى الأقل، لأن هذا الأمر، من ناحية عملانية، لا يمثل سوى هذيان مطلق.
  • أولاً، لا يمكن لإسرائيل أن تتحمل ترحيلاً قسرياً من هذا النوع، لأن المجتمع الدولي لن يحتمله. إن الحرب الراهنة علمتنا درساً مهماً بشأن مدى حاجة إسرائيل إلى دعم الولايات المتحدة والدول الغربية الأُخرى لكي تتمكن من البقاء آمنة. هذا الدعم متوفر لإسرائيل لأسباب مختلفة، أحدها يتمثل في انتساب إسرائيل إلى “الأسرة الصحيحة” من الدول. ربما يُعتبر التهجير الجماعي في الصين أو روسيا أمراً ممكن الحدوث في القرن الواحد والعشرين، لكن الأسرة الدولية، التي نفضل الانتساب إليها،  ترفض القيام بمثل هذه الأمور. مَن يقوم بتنفيذ مثل هذه الأمور لا يتلقى منحة على شكل جسر جوي من الذخائر، وحاملتَي طائرات، لحمايته بصورة شخصية، بل إن ما يحدث هو فرض العقوبات عليه والنبذ.
  • كان من الممكن احتمال الأمر لو بقي مثل هذه الأوهام، حبيس الاجتماعات الداخلية لهيئة تحرير القناة 14 [المعروفة بيمينيتها]، أو إدارة مجلس المستوطنين في الضفة الغربية. لكن الإصرار على جرّنا جميعاً في اتجاه خطاب يبدو جاداً بشأن مسألة التهجير، يُلحق الضرر بإسرائيل، و”بالحرب العادلة” التي انطلقنا إليها في غزة. إن أي إعلان ساخر عقاري عن مشروع مساكن [استيطانية] في القطاع، يشبه تماماً الدعوة إلى إسقاط قنبلة نووية على غزة [دعوة وزير التراث الإسرائيلي إلى إسقاط قنبلة نووية على القطاع، المنشور في نشرتنا بتاريخ 5/11/2023]، أو وثيقة سياسية صادرة عن إحدى الوزارات، [ورقة الموقف الصادرة عن وزارة الاستخبارات الإسرائيلية، والتي نشرتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية بتاريخ 31/10/2023]، تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي، وتؤخذ على محمل الجد خارج إسرائيل. والنتيجة هي تقليص الوقت الممنوح للقتال، ومعها تقليص القدرة على تركيع “حماس” واستعادة المخطوفين.
  • غنيّ عن القول أنه، حتى لو لم تتم معاقبتنا أو إقصاؤنا، فعلينا ألّا نعمد إلى ترحيل الفلسطينيين من القطاع. إن فكرة دفع مليونَي إنسان إلى ركوب السفن والطائرات والحافلات (حافلات مَن؟ ومَن سيدفع أجرتها؟) من دون أن يكون هناك وجهة محددة، لن يدفع المليونَي مهجّر إلى التوقف عن الاشتياق إلى العودة إلى بلدهم، كما لم يتوقفوا عن فعل ذلك على مدار السنوات الـ 75 الماضية. وإن كان أصلاً هناك مَن يعلم بأن الشعب لا ينسى وطنه الذي أُبعد عنه بسهولة، فهو نحن اليهود.
  • لا أعتقد أن أحداً رصد هذا الانتقال الفوري والسلس في تصريحات اليمين الإسرائيلي، من مقولة “النكبة لم تحدث أصلاً”، إلى المجاهرة بالقول أنه “يجب ارتكاب النكبة مجدداً”. لقد كانت المقولة الأولى، على الأقل، وإلى حد ما، تعبيراً عن شعور أخلاقي قويم، مفاده أنه لا يجب التفاخر بالتهجير الجماعي والمقصود للسكان المدنيين. بصفتنا شعباً تم طرده، المرة تلو الأُخرى، عبر التاريخ، فمن حقنا وواجبنا حماية أنفسنا من محاولات إلغاء حقنا في الوجود. وفي السياق نفسه، فحين يصبح لدينا وطن قومي، علينا التنصل من محاولات التهجير الدائم للملايين من الرجال والنساء والأطفال من منازلهم.
  • أما الرد الأخلاقي للدعاة إلى النكبة، فيتمثل في القول أنه يجب تشجيع الفلسطينيين على الهجرة، لأنها تصب في مصلحتهم. يحاول أصحاب هذه المقولة إقحام رسالة مرفوضة. صحيح أنه يُحظر الحؤول بين الفلسطينيين الراغبين في هجر وطنهم وبين تحقيق رغبتهم. هناك فلسطينيون يفضلون ترك بلدهم، تماماً كما يوجد إسرائيليون يرغبون في ترك البلد والهجرة إلى الخارج. لكن يكفي أن نتخيل كيف كنا سنشعر لو كان هناك مشروع سعودي يقضي بدفع مبلغ جزيل لكل يهودي يفضل الهجرة إلى سنغافورة، لكي ندرك أن هذا المقترح البريء لتشجيع الهجرة ليس بريئاً حين يتحول إلى مخطط سياسي.
  • إن اليمين الذي يدّعي أنه هو وحده الواقعي، لكنه يركز على إختفاء ملايين الفلسطينيين، وإنشاء مستوطنات في الأراضي التي سيتبخّرون منها، لا يثبت سوى أنه معسكر يعيش في الوهم.

شاهد أيضاً

دفورا ليس :مرّ 12 أسبوعاً، وقد ضقت ذرعاً من الادعاء بأن كل شيء على ما يرام

المصدر :هآرتس المؤلف : دفورا ليس أنا محطَمة؛ لقد مرّ 12 أسبوعاً، وكل ما أريد …