(وكالات)
عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للحديث مجدداً عن رغبته بالسيطرة على محور فيلادلفيا الحدودي بين غزة ومصر، في تصريحات يكررها للمرة الثالثة على التوالي، في ظل عدم تحقيقه أي هدف من أهداف حربه على القطاع.
وتزامناً مع هذه التصريحات، تجري توغلات عسكرية محدودة لقوات بجيش الاحتلال الإسرائيلي على الأرض داخل الحدود الشرقية لمدينة رفح بالقرب من الحدود مع مصر أقصى جنوبي القطاع.
*تصريحات متتالية*
وقال نتنياهو، في مؤتمر صحفي، إنّه “يجب أن تسيطر إسرائيل على منطقة محور فيلادلفيا الحدودي بين قطاع غزة ومصر”.
وشدد على أن “محور فيلادلفيا يجب أن يكون بأيدينا وتحت سيطرتنا، وأي ترتيب غير ذلك لن تقبل به إسرائيل”.
وإضافة إلى تصريحاته، كان نتنياهو قد كشف، في تصريحات بتاريخ 10 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، خلال حديثه عن “خطته لمستقبل غزة” بعد الحرب، عن نيته “السيطرة على محور فيلادلفيا”، وكرر نتنياهو ذلك، في تصريحات أخرى في 15 من الشهر نفسه.
وبالتزامن مع هذه التصريحات تقدمت قوات برية إسرائيلية بشكل محدود، منذ عدة أيام، في المنطقة الشرقية لمدينة رفح، على مقربة من خط الحدود بين القطاع ومصر.
وأفاد شهود عيان بأن نحو 20 آلية مدرعة إسرائيلية ما بين دبابة وناقلة جند، إضافة لنحو 4 جرافات، تقدمت لعدة أمتار داخل المنطقة الحدودية الشرقية لمدينة رفح خلال الأيام القليلة الماضية.
وكان موقع “والا” العبري قد قال، في 23 ديسمبر الجاري: إن “الجيش الإسرائيلي قام بإدخال عديد من القوات إلى المنطقة الواقعة بين معبري كرم أبو سالم (تجاري على الحدود بين غزة وإسرائيل) ورفح (للأفراد والبضائع على الحدود بين مصر وغزة) ومحور فيلادلفيا، وقام بمناورة قصيرة”.
وأضاف الموقع العبري، نقلاً عن مصادر عسكرية: “تصرف جيش الاحتلال الإسرائيلي بطريقة غير عادية بين معبر كرم أبو سالم إلى رفح ومحور فيلادلفيا”.
*توغل محدود*
وفي الأيام الأخيرة، اشتدت وتيرة الاشتباكات بين فصائل المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي المتوغلة شرق رفح، وفق مصادر محلية وشهود عيان.
وذكرت المصادر أن الاشتباكات وقعت قرب معبر “كرم أبو سالم” وإلى الشرق من معبر رفح، واستخدمت خلالها القوات الإسرائيلية القذائف المدفعية بشكل كثيف.
وقالت “كتائب عز الدين القسام”، الذراع المسلح لحركة “حماس”، إنها “قصفت تجمعات جنود وآليات إسرائيلية شرق مدينة رفح بقذائف هاون من العيار الثقيل”.
كما نفذت الطائرات الحربية والآليات المدفعية الإسرائيلية قصفاً عدة مرات للشريط الحدودي بين غزة ومصر.
وكانت أعنف هذه الغارات يوم 13 ديسمبر، عندما شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية هجوماً غير مسبوق على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة.
وتبقى وتيرة الاشتباكات بين فصائل المقاومة والقوات الإسرائيلية المتوغلة شرق رفح منخفضة نسبياً، مقارنة مع ما يحدث في مدينة خان يونس المجاورة، نظراً لأن عدد الآليات العسكرية المتوغلة قليل، ومنطقة التوغل محدودة تحصى بعشرات الأمتار.
*ما محور فيلادلفيا؟*
يقع محور فيلادلفيا، والذي يسمى أيضاً “محور صلاح الدين”، على امتداد الحدود بين غزة ومصر، وهو ضمن منطقة عازلة بموجب اتفاقية السلام “كامب ديفيد” بين مصر وإسرائيل عام 1979، ولا يتجاوز عرضه مئات الأمتار، بينما يمتد بطول 14.5 كيلومتر من البحر المتوسط حتى معبر “كرم أبو سالم”.
ووفقاً لاتفاقية “كامب ديفيد”، فإن المنطقة الحدودية التي تقع على الأراضي الفلسطينية، والتي أطلق عليها (د) (محور فيلادلفيا)، تخضع لسيطرة القوات الإسرائيلية التي حددت بحسب الاتفاقية بكتائب مشاة، تصل إلى 180 مركبة مدرعة من الأنواع كافة، وطاقم مكون من 4 آلاف عنصر، إضافة إلى منشآت عسكرية وتحصينات ميدانية.
ومنعت الاتفاقية وجود أي قوات مسلحة مصرية على الأراضي المصرية المتاخمة للحدود الفلسطينية التي أطلق عليها (ج)، وسمحت فقط للشرطة المدنية المصرية بأداء مهام الشرطة الاعتيادية بأسلحة خفيفة.
وظلت القوات الإسرائيلية مسيطرة على المنطقة إلى حين انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، منتصف أغسطس/آب 2005، وتسليمه للسلطة الفلسطينية التي منحت الإشراف على المناطق الحدودية والمعابر، بوجود مراقبين من الاتحاد الأوروبي.
ونصت خطة “فك الارتباط” (الانسحاب الإسرائيلي من غزة) على احتفاظ إسرائيل “بوجود عسكري لها على طول الخط الحدودي الفاصل بين قطاع غزة ومصر (محور فيلادلفيا)” في المرحلة الأولى، وذلك لتوفير الحماية الأمنية، التي قد تتطلب توسيع المنطقة التي تتم فيها النشاطات العسكرية، وجعلت الاتفاقية إخلاء المنطقة مشروطاً بالواقع الأمني والتعاون المصري في التوصل إلى اتفاق موثوق.
وفي سبتمبر/ أيلول 2005، تم توقيع “اتفاق فيلادلفيا” بين إسرائيل ومصر، الذي تعتبره إسرائيل ملحقاً أمنياً لمعاهدة السلام 1979، وتقول إنه محكوم بمبادئها العامة وأحكامها.
ويتضمن اتفاق فيلادلفيا نشر قوات مصرية على الحدود الفاصلة مع قطاع غزة، وتُقدّر تلك القوات بنحو 750 جندياً من حرس الحدود المصري، ومهمتهم تتمحور فقط في مكافحة ما يسمى الإرهاب والتسلل عبر الحدود والتهريب والكشف عن الأنفاق.
وبموجب هذا الاتفاق انسحبت إسرائيل من محور فيلادلفيا وسلّمته مع معبر رفح إلى السلطة الفلسطينية.
وعام 2007، سيطرت حركة “حماس” على قطاع غزة، وخضع محور فيلادلفيا لهيمنتها، وفرضت إسرائيل حصاراً خانقاً على القطاع، الأمر الذي دفع الفلسطينيين لعبور الشريط الحدودي باتجاه مصر للتزود بالطعام والشراب والمواد الأساسية لحياتهم، وعلى إثر ذلك فرضت القوات المصرية الأمن بفيلادلفيا، ثم تراجعت لأماكنها.
ومع إحكام الحصار لسنوات على القطاع، حفر الفلسطينيون في غزة مئات الأنفاق أسفل محور فيلادلفيا، وصولاً إلى مصر، لتشكل الأنفاق طريقاً رئيسياً لاستيراد احتياجاتهم الأساسية من الجانب المصري، قبل أن تنتهي هذه الظاهرة في عام 2014، وليتبعها بعد سنوات قليلة دخول البضائع من مصر إلى غزة عبر معبر رفح بشكل رسمي.
ولم تعد منطقة محور فيلادلفيا خالية من السكان الفلسطينيين، كما كانت خلال فترة الوجود الإسرائيلي بتلك المنطقة، فالمنازل الفلسطينية امتدت مقتربة بشكل كبير من السياج الحدودي وفي بعض النقاط تكون ملاصقة له تماماً باستثناء المناطق الشرقية لمعبر رفح والمنطقة القريبة من شاطئ البحر.
*حسابات مكلفة*
تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي لم تقدم الكثير من التفاصيل حول سبب إصراره على فكرة السيطرة على محور فيلادلفيا، لكن يبدو أن الهدف مرتبط بإحكام الحصار على غزة بشكل كامل وفصلها عن الأراضي المصرية.
وقال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، في تغريدة عبر منصة “إكس”، معلقاً على ذلك، إن “تصريح نتنياهو بالعودة الإسرائيلية للسيطرة على محور فيلادلفيا ومعبر رفح في الجانب الفلسطيني، وخلق مناطق عازلة وترتيبات أمنية جديدة دليل واضح على قرار عودة الاحتلال بالكامل، وتدمير للاتفاقيات مع مصر، وكما قلنا سابقاً؛ إنهاء كل الاتفاقيات مع منظمة التحرير الفلسطينية”.
وأضاف الشيخ: “هذا يستوجب قراراً فلسطينياً عربياً موحداً لمواجهة تداعيات هذه الحرب العدوانية ومحاولات نتنياهو فرض وقائع جديدة جراء هذه الحرب”.
وفي هذا السياق، نقل تحليل نشرته قناة “I24NEWS” الإسرائيلية عن خبراء عسكريين، أن تحرك “الجيش الإسرائيلي باتجاه محور فيلادلفيا يهدف إلى فصل قطاع غزة عن صحراء سيناء ومصر”.
وأضاف التحليل أن “إسرائيل ترغب في تأمين أكبر لحدودها الجنوبية، كي لا تصبح معبراً لإمداد الفصائل الفلسطينية بالسلاح”.
وفي ظل هذه التطورات، لم يرد حتى اللحظة أي تعليق رسمي من الجانب المصري حول الخطة الإسرائيلية للسيطرة على محور فيلادلفيا، التي ستوجب على الطرفين، وفق مراقبين، توقيع اتفاق جديد يتيح للقوات الإسرائيلية للعودة إلى الحدود بعد انسحابها منها في 2005.
لكن عضو لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بالبرلمان المصري، مصطفى بكري، علق على تصريحات نتنياهو بالقول إنها تمثل “اعتداءً سافرًا على اتفاقية السلام بين البلدين”.
وطالب بكري بالرد، قائلًا إن “التهديد باحتلال محور فيلادلفيا يجب أن يقابله احتجاج رسمي وتحذير مُعلن، لأن ذلك يمثل اختراقًا لاتفاقية السلام الموقعة بين البلدين”، مرجعاً ذلك إلى كونه يمثل اعتداءً على السيادة المصرية، وخنقاً لقطاع غزة، ويفتح الطريق أمام تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.
كما أوضح الخبير العسكري المصري محمود محيي الدين، لمواقع إخبارية، أن إسرائيل لم تهدد بقصف وتنفيذ عمليات عسكرية واسعة في منطقة محور فيلادلفيا، لكنها تستهدف إعادة احتلاله في إطار إجراءاتها لفرض السيطرة على قطاع غزة.
وأشار محيي الدين إلى أن الخطط الإسرائيلية تتضمن كذلك إنشاء سياج (جدار) تحت الأرض لمنع التهريب عبر الأنفاق.
وكانت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية كشفت أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت طرح على نظيره الأمريكي لويد أوستن إقامة جدار تحت الأرض، في الجانب المصري، لفصلها عن قطاع غزة، بتمويل أمريكي.
وأوضحت الصحيفة أن الجدار المقترح قد يصل طوله إلى 13 كيلومتراً، ويتضمن مجسات وتقنيات للكشف على احتمال وجود حفر وشيك بالقرب منه.