في أيام الأسبوع الماضي شهد العالم تغيّرات مصيرية في شرق البحر المتوسط، في الأخص في لبنان وسوريا، وفي سوريا على وجه التحديد.
ففي لبنان، لا تزال أعمال إسرائيل العدائية الحربية سارية، ووقف إطلاق النار ليس إلا حبر على ورق، التزم به حزب الله ولم تلتزم به كالعادة وبدعم من كل الكرة الأرضية إسرائيل.
لعل هذا هو المطلوب فعلًا، أن يهدأ حزب الله عن قتاله ويهمد في عمله الحربي ليتسنى لخطة إسرائيل بالتنفيذ والنفوذ.
وهذا ما جرى في السبت والأحد 7-8 /12/2024 حين تفاجأ العالم كله بسقوط نظام الأسد، نظام بشار القاتل الطاغية الباغية المجرم الذي سفك الدم السوري والذي سجن معارضيه وأعدم مقاتليه والذي جعل من سوريا جهنم بعدما كانت جنة الجنان .. وإلى آخر الترنومة.
طيب، ما الذي جرى بسقوطه؟ باختصار: سقطت دمشق بيد إسرائيل حرفيًا بلا أي قتال، واحتلت إسرائيل كامل الجولان، مرتفعاته ومنخفضاته بلا أي مواجهة.
هذا المشهد ليس هو الحدث الأكبر أبدًا، كلنا يعلم أن الجماعات التكفيرية سفاكة الدماء وقتالة البشر ودمّارة الحجر ليست ولم تكن ولن تكون إلا جيش الولايات المتحدة غير الرسمي، فبها تُدمر وبها تحتل وبها تسطو على ثروات الشعوب وبها تُجزر وبها تفاوض.
المشهد العظيم هو في شرق المتوسط، حيث يسأل سائل: ماذا يحلّ بالمسيحيين والمسلمين بوجود سلطة سلفية تأتمر من إسرائيل؟ ما هو موقف شيعة آل البيت؟ ما هو موقف الموارنة غدًا؟
لم نصل إلى هذه النقطة الهابطة في تاريخ لبنان وسوريا إلا من خلال عوامل مهمة للغاية أهمها:
1. الإعتداءات الإسرائيلية الحربية على مواقع الجيش السوري في سوريا حيث تدمير المخازن العسكرية وتهبيط الروح المعنوية القتالية لدى الجيش والعسكر.
2. حرق إسرائيل للأراضي الزراعية السورية والتي أثرت بشكل كبير جدا على الزراعة السورية عامة.
3. محاصرة الولايات المتحدة لسوريا لسنين طوال واحتلال جزء كبير منها بعنوان قسد : قوات سوريا الديمقراطية.
4. ولا ننسى الحرب الإسرائيلية الشنعاء على لبنان والتي دمرت فيها مدنًا ومدائنَ وقرى كثيرة وشتت الآلاف. والتي نتج عنها إتفاق أعور أعرج لوقف النار لم يلتزم به إلا من لم يُهزم! وهو حزب الله.
لا شك أن الناس بدأت تعي أن صفقة كبيرة جدًا كانت تُطبخ بنكهة الزعفران على وقود نووي في وعاء أمريكي يُحركها التركي وقد موّلها الخليج وشاهدها الجمهور العربي. وكان المطبوخ سوريا ولبنان.
والطبق الرئيس للمائدة الأممية هو حزب الله. لعل ما يجري اليوم هو هدفه حزب الله. لا محور المقاومة ولا رأسها ولا قدمها، إنما حزب الله.
اليوم سنشهد تبدلًا بالسياسة الروسية ذاتها، فقد تُخلي قواعدها في سوريا دعمًا لجبهتها ضد الناتو في أوكرانيا.
وهذا اليوم ليس ببعيد.
ومع انهيار سوريا، سنرى جماعات مجرمة سفاكة الدماء داعش وأمثاله من مختلقات الحكومة الأمريكية سنشاهدها على تلال قاسيون يحاصرون دمشق ويدمرون البنى وينكلون بهذا وذاك.
طبعًا كل هذا المشهد لإلهاء الشعوب بداعش وغيره، وترك الطبخة السياسية غير ذات القيمة مع أحمد الشرع المعروف بالجولاني، وترك الأمور التي لا تُعيرها إسرائيل أهمية إلى أصحابها، فتتفرغ الحكومة الإسرائيلية بنهش اللحم السوري وقضم الأراضي وها هي الفرصة الذهبية التاريخية التي لم تشهدها إسرائيل في تاريخها كله، وهو السيطرة المطلقة على أراض شاسعة من سوريا ولبنان وتحقيق الحدود الإسرائيلية الكُبرى.
عندئذٍ يبدو الهجوم الإسرائيلي المتجدد على جنوب لبنان بالتزامن مع غزو سلفي لوادي البقاع أمراً لا مفر منه، حيث من الواضح أن الإسرائيليين يرغبون في أن تكون حدودهم مع جارتهم الجديدة على غرار طالبان سوريا الكبرى في أقصى الشمال قدر الإمكان.
إن الأمر قد يكون سباقاً إلى بيروت، ما لم يكن الأميركيون قد نظموا بالفعل من سيفوز بالسباق.
العجب كل العجب من منظمة هيئة تحرير الشام الموصوفة بالإرهاب أمام العالم كله، كيف تصل إلى الحُكم وتُمهد لها الطرق وتُسهل لها السبل.
أبو محمد الجولاني، الذي يتم الترويج له الآن في وسائل الإعلام الغربية باعتباره زعيما معتدلا كان نائب زعيم داعش، ورصدت وكالة الاستخبارات المركزية مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه! نعم، هذه هي نفس وكالة الاستخبارات المركزية التي تموله وتجهزه وتقدم له الدعم الجوي.
ستشهد المنطقة انحسارًا دينيًا ومواجهات دامية جدًا بين الحضارة والتاريخ من جهة وبين مختلقات الولايات المتحدة السلفية الإسرائيلية الصهيونية من الجهة الثانية.
ولبنان ليس بمنأى عنها.
إن الولايات المتحدة هي التي تدمر التعددية، وإيران وحلفاؤها كانوا هم الذين يدافعون عن التعددية. كان حزب الله يُدافع عن المسيحيين قبل دفاعه عن الشيعة. ودفاعه عن الدروز قبل دفاعه عن السنة.
من لم يرَ المشهد من هؤلاء اليوم بوضوح .. سيشاهدُه في الملاجئ غدًا وسيتابعه على أصوات الصواريخ والغارات.
وداعًا للماضي.. وتجهّزوا لما هو أسوأ.