.
.
الوقت – إقليم كردستان العراق الذي يعيش حالة من الاضطرابات السياسية والاقتصادية بات يشغل أقلام الكُتّاب والباحثين في الشأن السياسي، كما أنّ المكانة السياسية والعسكرية والجيوسياسية للإقليم باتت تُشكل أهمية كبرى بالنسبة للدول المجاورة له، وبغض النظر عن الحسابات السياسية؛ فإنّ الإقليم يلعب دوراً بارزاً في مصير العراق، وهذا أيضاً يُمثل أهمية كبرى لدول الجوار، وفي هذا المقال سنحاول شرح أهم التجاذبات السياسية والاقتصادية في الإقليم، وما هي الفرص والتحديات المتعلقة بهذا الإقليم.
المناخ الاقتصادي في إقليم كردستان العراق يكاد يكون منهاراً، فالوضع الاقتصادي السيئ قبل الاستفتاء؛ ونتيجة الفشل الذريع لمشروع الاستقلال، اشتدت حدّته وأصبح الاقتصاد القضيّة الرئيسية للسكان هناك، وتقول الأخبار الواردة من الإقليم إنّ مشاريع البناء توقفت تماماً هناك، كما أنّ حكومة الإقليم فقدت السيطرة على النفط، وباتت غير قادرة على دفع رواتب موظفي الإقليم الحكوميين؛ الأمر الذي أدّى إلى تجمع الأكراد في الساحات للتظاهر والاحتجاج على الأوضاع السيئة.
أكثر من ذلك؛ فإنّ المشكلات السياسة التي يعاني منها الإقليم لا تقلُّ وطأةً عن نظيراتها الاقتصادية، وتتمحور المشكلات السياسة في الإقليم في الخلاف بين القوى والأحزاب الرئيسية فيه، ولاسيما الصراع بين الحزبين الرئيسيين هناك، الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، حيث بات كل حزب من هذه الأحزاب يتمتع بمناطق نفوذ خاصة به، كما أنّ لكل حزب داعميه الخارجيين (الحزب الديمقراطي مُقرّب من أنقرة، وحزب الاتحاد الوطني مُقرب من طهران)، وبعد الاستفتاء الفاشل ازدادت الخلافات بين الحزبين، حيث وصل الأمر بالحزبين إلى مناقشة تشكيل إدارتين منفصلتين للإقليم.
أما بغداد فكان ردها على الاستفتاء في إقليم كردستان الذي يعاني من مشكلات اقتصادية خانقة، “كارثياً”، وداخل هذا الجو المُحبط؛ انتشر بين الحزبين الرئيسيين اتهامات بالخيانة والعمالة لبغداد، كما ازدادت الخلافات بين الحزبين حول قضايا مختلفة، كطبيعة العلاقات مع بغداد، ونوع العلاقات مع كردستان سوريا وتطورات المنطقة هناك، بالإضافة إلى الهجمات التركية على شمال الإقليم، ونتائج الاستفتاء على الاستقلال، بالإضافة إلى نتيجة وخيمة ناتجة عن الاستفتاء ألا وهي ازدياد الفجوة داخل الحزبين الرئيسيين هناك.
علاوةً على ما سبق؛ ما يتعلق بطهران من كل ما سبق هو ما لوحظ في التقارير الإخبارية والمقابلات التي نُشرت عَقِبَ الاستفتاء الكردي، وخصوصاً ما صدر على ألسنة الحزب الديموقراطي والذي تضمّن وجهتي نظر، حيث يعتقد جزء من نخبة الحزب وقياداته الذين يسيرون بركب رئيس مخابرات الإقليم مسرور البارزاني أن نتائج الاستفتاء يمكن مراجعتها وإقرارها في الوقت المناسب، في حين يرفض القسم الآخر من الحزب والذين يقودهم نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان وهم من الذين يُريدون التعامل مع بغداد، نتائج الاستفتاء، حتى وإن لم يقولوا ذلك، بل يُشيرون إليه.
وعلى ما يبدو أنّ الأمر في كردستان العراق نوع من اللعبة السياسية مع بغداد، ولكن إذا وضعنا هذه القضية إلى جوار رحلات مسرور البارزاني الأخيرة إلى عدد من الدول الغربية جانباً؛ من الممكن ملاحظة وجود صراع حاد على السلطة في الحزب الديمقراطي، وذلك من أجل تعيين خليفة مسعود البارزاني.
الاستفتاء الأخير في كردستان وردُّ فِعل بغداد عليه؛ كان عاملاً مؤثراً في تطورات الساحة السياسية في العراق، وهو ما يؤثر بطبيعة الحال على مصالح طهران وأهدافها، ويقول الخبراء إنّ لدى طهران مصلحة أمنية وعسكرية واقتصادية وسياسية في إقليم كردستان العراق، وذلك بسبب وجود الإقليم على الحدود مع إيران، تركيا وسوريا، وعلى هذا الأساس فإنّ الإقليم يُشكل أهمية كبرى من الناحية الجيوبولتيكية والأمنية.
ويقول الخبراء إنّ مُناخ السوق الاقتصادي في إقليم كردستان مربح للغاية ومهم بالنسبة للشركات والسلع الإيرانية، ومن زاوية أخرى يمكن أن تؤثر طهران في الانتخابات العراقية، حيث إنّ حجم الصوت الكردي وعلى الرغم من أنّه غير حاسم؛ إلا أنّه مؤثر للغاية.
وفي النهاية وبناءً على ما قيل؛ فإن تدخل إيران والوساطة – على الرغم من أنها الآن جزء من هذه الوساطة بالفعل – يبدو أمراً حاسماً في الإقليم، وبهذه الطريقة؛ بدأت طهران أولاً باستعادة سمعتها الطيبة بين الرأي العام الكردي في العراق بعد الدعاية السلبية والهجوم الإعلامي من قِبل وسائل الإعلام المقربة من الحزب الديمقراطي، ثم عملت على المساعدة بتنظيم الإقليم بشكل عام وتهيئة الظروف السياسية هناك ليستقر، حيث بات الباب أمام حزب الاتحاد الوطني مفتوحاً ليقوم بتعزيز وإعادة تنشيط قواته في هذه المنطقة الحساسة من العراق.