المصدر : مكور ريشون
- إلى جانب المعارك الصعبة في غزة، تعمل كل مستويات القيادة في الجيش الإسرائيلي، في هذه الأيام، على الاستعداد لأن الحرب الحالية ستستمر شهوراً طويلة. والإدراك السائد في هذه الأيام في كل رتب الجيش، من رئيس الأركان، وصولاً إلى الرتب في الميدان، هو أننا بصدد سباق مختلف عن العمليات المتعددة التي خاضها الجيش الإسرائيلي في الماضي، في الشمال والجنوب. هذه المرة، نحن إزاء حدث من نوع مختلف. نحن في سباق ماراتوني طويل ومتواصل، وكلُّ مَن عمل في هذا المجال، يجب يكون الإعداد له مختلفاً: من حيث توزيع القوة، والاستعداد لبذل جهد طويل، وفي الأساس، يجب تغيير طريقة التفكير.
- تغيير طريقة التفكير تظهر في الميدان بطرق مختلفة، كما يمكن أن يلاحظه اليوم كلُّ مَن يخدم في الجيش الإسرائيلي النظامي، وفي الاحتياط. بدءاً من أشياء صغيرة، مثل نوع العتاد الذي يُزوَّد به المقاتلون، وشروط إيوائهم، وأحجام تعبئة الاحتياطيين. لكن في الوقت الذي يستعد الجيش الإسرائيلي لقتال طويل ومتواصل، يبدو أن المنظومة السياسية لا تستوعب أن هناك حاجة إلى إعداد نفسها من جديد لمواجهة الوضع.
- الكليشيه “اصمت نحن في حرب” الذي طبع حروب إسرائيل في الماضي، يمكن أن يبقى سارياً طالما كان القتال قصيراً. يمكن تأجيل الخلافات السياسية بضعة أسابيع، بينما يعرّض الجنود أنفسهم للخطر في الجبهة من أجلنا كلنا، لكن عندما تتحول الأيام إلى أسابيع، والأسابيع إلى أشهر، يصبح من الصعب على السياسيين ضبط أنفسهم والصمت. فالغريزة السياسية التي تميل إلى استغلال الفرصة من أجل مهاجمة الخصم، تتغلب على الإدراك أنه في الوقت الذي تجد إسرائيل نفسها وحيدة، يجب وضع الخلافات الداخلية جانباً. ومن الصعب، ومن غير المبرر منح الحكومة حصانة طويلة في وجه أي انتقادات معارِضة جوهرية. وعلى الرغم من أننا نتفهم عودة السياسة إلى وتيرتها الطبيعية، فإنه من الصعب أن نتجاهل الضرر المباشر الذي يتسبب به انتهاك وقف إطلاق النار الداخلي بالجهد الحربي. عندما تعلو أصداء المدافع في الكنيست، تزداد الصعوبات على الجبهة.
- أزمة الثقة الكبيرة في الزعامة السياسية الإسرائيلية هي جزء من مشهد الحرب منذ يومها الأول. مئات الآلاف من الاحتياطيين الذين غادروا منازلهم في السابع والثامن من تشرين الأول/أكتوبر، فعلوا ذلك، ليس بسبب ثقتهم بالزعامة، وعلى الرغم من شعورهم بالأزمة. بعضهم وصل إلى الحرب مع عدم ثقة كاملة بالزعامة السياسية للدولة، وبعد مواجهة كبيرة بشأن الإصلاح القضائي. بعضهم الآخر يعاني بشدة بعد “المذبحة المريعة” في سمحات هتوراه. أيضاً الشكوك حيال القيادة الأمنية لم تبدأ في سمحات هتوراه، لكنها ازدادت بعدها. عدد كبير من الجمهور، وأيضاً وسط الجنود، يشكك في قدرة القيادة الحالية للجيش الإسرائيلي على تحقيق النصر.
- المواجهة الكاملة مع أزمة الثقة تحتاج إلى أعوام كثيرة. ومن المتوقع أن يكون جيل “السيوف الحديدية” مختلفاً، من هذه الناحية، عن جيل حرب “يوم الغفران”. لكن هناك ما يمكن القيام به منذ الآن من أجل التخفيف قليلاً من المواجهة، والأولوية لإقامة نظام سياسي جديد. لا مفر من دخول لبيد وليبرمان إلى الحكومة، لكن ليس بالطريقة المبعثرة التي دخل فيها غانتس ورفاقه، بل يجب أن يكون دخولاً كاملاً يشمل إعادة توزيع للحقائب الوزارية والمواقع المؤثرة. حكومة طوارىء – وحدة بكل معنى الكلمة. ويجب أن يكون غانتس وزيراً للدفاع، ولبيد وزيراً للخارجية، وهذا بالتأكيد الثمن المناسب الذي يجب دفعه من أجل إعادة إعداد المنظومة السياسية لحرب عبارة عن ماراتون طويل وليس سباقاً سريعاً. التكاتف السياسي في الكنيست، وفي الحكومة، يمنح المقاتلين، على الأقل، شعوراً بأن وراء الأوامر التي يتلقونها، يقف شعب إسرائيل كله، وما من أحد في الائتلاف، أو في المعارضة، يستغلهم سياسياً.
- قد يشعر كثيرون في اليمين بالغضب عندما يقرأون هذه السطور لأن قبول هذا الاقتراح، معناه التخلي عن ثمار فوز اليمين في الانتخابات الأخيرة. هم سيدّعون أن نظريات التنازل والانسحابات من جانب اليسار هي التي أدت بنا إلى هذه الصدمة، وسيضيفون أن تسليم إدارة الحرب لمن أوصلنا إلى الهاوية الحالية هو خطأ جسيم. لكن نظرة شجاعة ومؤلمة في المرآة، تذكّرنا بأنه منذ سنة 2009، كان لدينا رئيس حكومة واحد طوال الوقت، هو بنيامين نتنياهو. وربما سيتذكرون أن السياسة الأمنية التي انتهجتها إسرائيل في العقد الأخير كانت، عموماً، تحت قيادة وزراء من كتلة اليمين، وأن العقيدة الأمنية هي من وضع اليمين المتشدد، وكل هذا لم يمنع التقصير المريع في سمحات هتوراه، ولم يؤدّ إلى تغيير جذري في العقيدة الأمنية الأساسية للزعامة الإسرائيلية منذ أيام اتفاق أوسلو. هذا التفكير الذي يجب تغييره في زمن الحرب هو تفكير ساذج ومنقطع عن الواقع. ما يجب القيام به، حتى لو كان صعباً ومعقداً، هو أن نمنح المواطنين في الجبهة الداخلية والجنود على الجبهات، على الأقل، الشعور بأن قيادتهم تعرف كيف ترتقي إلى مستوى الحدث، ولن تواصل انشغالها بمعارك الأمس السياسية. لا تقلقوا، هذه المعارك ستنتظر بصبر، الآن، نحن بحاجة إلى الوحدة أولاً.